«بحر القطارة».. مقترح لنقل مياه البحر إلى صحراء مصرية لمواجهة تغير المناخ
في خطوة وصفها خبراء المناخ بـ«الجذرية»، ظهر مقترح طموح يهدف إلى نقل مياه البحر إلى صحراء مصرية شاسعة لمواجهة آثار ارتفاع مستوى سطح البحر.
تقوم الفكرة على تحويل منخفض القطارة الكبير في الصحراء الغربية إلى بحر داخلي اصطناعي يُعرف باسم "بحر القطارة"، ليعمل كصمام ضغط طبيعي لمواجهة ارتفاع مياه البحار، مع إمكانات لإحداث بيئة زراعية وسياحية جديدة، بالإضافة إلى فرص لتطوير الطاقة المتجددة وإقامة مشاريع لتربية الأحياء المائية.
وذكرت مجلة زي إم إيه العلمية الأمريكية أن الأفكار الهندسية المتعلقة بإعادة فيضان منخفض القطارة ليست جديدة. تعود أولى المحاولات إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما درس المهندسون الإمكانيات الهائلة لإنشاء بحيرة ضخمة داخل المنخفض، الذي يقع على عمق يصل إلى 133 مترًا تحت مستوى سطح البحر. لم يكن الهدف الأساسي في البداية خفض مستوى البحر، بل إنتاج الطاقة الكهرومائية، مع فوائد ثانوية محتملة مثل تحلية المياه وخلق سواحل اصطناعية للتنمية.
و استوحى الكاتب الفرنسي الشهير جول فيرن جزءًا من روايته الأخيرة "غزو البحر" من هذا المشروع الطموح، ما يعكس مدى تأثيره الثقافي في فترة مبكرة.
في خمسينيات القرن العشرين، أبدت وكالة الاستخبارات الأمريكية اهتمامًا بالمشروع لدراسة إمكانات الطاقة الكهرومائية وتقديم حلول مبتكرة لتوفير المياه والطاقة في بيئة صحراوية قاحلة.
مع تصاعد أزمة التغير المناخي وارتفاع مستوى البحار، أعادت فكرة منخفض القطارة إلى الواجهة كحل هندسي جريء يمكن أن يكمل جهود الحد من الانبعاثات وحماية السواحل.
تشير البيانات إلى أن مستويات البحار العالمية قد ارتفعت بنحو 21-24 سنتيمترًا منذ عام 1880، مع تسارع واضح في معدل الارتفاع.
وقد يؤدي استمرار الاحتباس الحراري إلى ارتفاع مستويات البحار بما يصل إلى 200 سنتيمتر بحلول نهاية القرن في أسوأ السيناريوهات، ما يهدد المدن الساحلية وملايين السكان حول العالم.
الفكرة العلمية الحديثة
ويشرف على دراسة المشروع حاليًا البروفيسور أمير آغاكوشتشاك، أستاذ الهندسة البيئية والمدنية في جامعة كاليفورنيا، بالتعاون مع مبادرة تمويلية أمريكية غير ربحية مختصة بحلول التغير المناخي.
ويعرف آغاكوشتشاك فكرة إعادة فيضان البحيرات الداخلية بأنها إعادة ربط المنخفضات الكبيرة الواقعة تحت مستوى سطح البحر بالمحيط لإنشاء بحيرات مستقرة تعمل كخزانات مياه دائمة.
وفقًا له، يمكن للملء الأولي لمستنقعات القطارة نقل مئات الكيلومترات المكعبة من مياه البحر بعيدًا عن المحيط العالمي، ما يؤدي إلى خفض مستوى سطح البحر العالمي بمقدار عدة مليمترات، مع استمرار انخفاض إضافي تدريجي عبر التبخر المستمر من البحيرة.
ويشير التقرير إلى أن هذه العملية، رغم تأثيرها الجزئي على مستوى البحر العالمي، توفر حلولًا محلية متعددة تشمل إنتاج الطاقة المتجددة، وتربية الأحياء المائية، واستغلال الملح والمعادن، فضلًا عن فرص السياحة البيئية والوظائف المحلية، ما يجعل المشروع ذا بعد اقتصادي واجتماعي موازٍ للبعد البيئي.
لماذا منخفض القطارة؟
اختير منخفض القطارة بعناية، فهو واحد من أكبر المنخفضات الأرضية تحت مستوى البحر في العالم، ويمتاز بمساحة واسعة، مناخ صحراوي حار وجاف، وقربه من البحر المتوسط، مما يسمح بتصميم نظام جاذبي منخفض الاستهلاك للطاقة لنقل المياه.
هذه الصفات تتيح نقل كميات كبيرة من مياه البحر بطريقة مستدامة نسبيًا، مع إمكانية استغلال الطاقة الكهرومائية أثناء مرحلة الملء، وتطوير مشاريع صناعية وزراعية وسياحية جديدة.
التحديات البيئية والاجتماعية
يشدد البروفيسور آغاكوشتشاك على أن المشروع يواجه تحديات ضخمة، منها الأعمال الأرضية الضخمة في صحراء حساسة، إدارة الملوحة، حماية المواطن الطبيعية، وتأمين المجتمعات القليلة المنتشرة في المنطقة.
كما يقر بأن المشروع يحتاج إلى حوكمة وطنية ودولية صارمة، مع تقييم بيئي واجتماعي شامل، وإشراك المجتمعات المحلية والهيئات الدولية لضمان التوافق مع القوانين البيئية والمعايير الأخلاقية.
ويشير إلى أن أي تنفيذ يجب أن يتم تدريجيًا، مع مراقبة دقيقة للتأثيرات البيئية والاجتماعية، وعدم الاعتماد على الفكرة كبديل عن خفض الانبعاثات.
آفاق المشروع عالميًا
لا يقتصر تطبيق فكرة إعادة فيضان البحيرات الداخلية على مصر فقط، إذ يمكن النظر إلى مناطق أخرى حول العالم، مثل البحر الميت بين الأردن وفلسطين المحتلة، أو منخفض داناكيل في إثيوبيا، لكن كل موقع يتطلب تقييمًا دقيقًا للآثار البيئية والسياسية والاجتماعية.
وتعتبر القطارة نموذجًا مثاليًا بسبب مساحتها، قربها من البحر، مناخها الجاف، وقلة سكانها، ما يجعلها أقل حساسية اجتماعيًا مقارنة بمواقع أخرى.
وتختتم المجلة العلمية الأمريكية تقريرها بالتأكيد على أن المشروع يمثل أداة مكملة وليست بديلًا عن خفض الانبعاثات أو حماية السواحل، وأن تقييم المخاطر والفوائد بعناية هو الأساس قبل اتخاذ أي قرار تنفيذي.
ويصفه البروفيسور آغاكوشتشاك بأنه فرصة فريدة لاختبار الحلول الهندسية الكبرى لمواجهة أزمة التغير المناخي العالمية، مع تقديم منافع اقتصادية وبيئية محلية محتملة إذا أُدير المشروع على نحو مسؤول ومستدام.





