الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

«انفجار من الداخل».. 4 أزمات تقود إثيوبيا إلى سيناريو التقسيم

الرئيس نيوز

رغم أن إثيوبيا كانت تحاول التسويق لنفسها عالميا باعتبارها دولة إفريقية تطمح للتنمية والارتقاء بالمستوى المعيشي لمواطنينها؛ فإن الأزمات الداخلية المتتالية التي تواجهها والتي ترتبط في مجملها بمشكلات إدارة التنوع العرقي، قد أسفرت عن تداعيات خطيرة على الاستقرار والأمن، حيث تضررت العديد من القوميات نتيجة فشل النظام الحاكم في تحقيق المساواة والعدالة ومنع تعرض القوميات المكونة للدولة الإثيوبية للتهميش والإقصاء؛ وهو ما نال بالتأكيد من هذه الصورة، كما أن بعض هذه القوميات  تلجأ إلى حمل السلاح في مواجهة الحكومة الفيدرالية، خاصة في ظل اتجاه النظام الحاكم إلى استخدام كل قدراته ضد كافة المنتمين إلى قومية معينة داخل الدولة، وخارجها.

وصباح اليوم، قرر مجلس الوزراء الإثيوبي تصنيف جبهة تحرير تيجراي كمنظمة إرهابية، ونسب بيان مجلس الوزراء إلى جبهة تحرير تيجراي الهجمات على المدنيين في أجزاء مختلفة من البلاد، وفقد العديد من الأرواح وتدمير ممتلكات المواطنين وتهجيرهم.

يذكر أن الحكومة الإثيوبية، بقيادة آبي أحمد، اعترفت بالسماح للقوات الإريترية بشن هجمات على شعب تيجراي بالتعاون مع قوات الحكومة الإثيوبية، تخللتها أعمال عنف واغتصاب بحق نساء تيجراي.

وفي السطور التالية يرصد "الرئيس نيوز" أبرز الأزمات الداخلية في المشهد الإثيوبي بين صراعات مسلحة وقتل وتهجير؛ وهو مشهد بات متكررًا في الأخبار الإثيوبية خلال الشهور الماضية، ما بين الحرب في تيجراي، ومظاهرات ضد حكومة آبي أحمد قوبلت بالعنف، والعنف المسلح في أمهرة، وأخيرًا سيطرة مسلحين على مناطق في ولاية بني شنقول التي تضم سد النهضة الإثيوبي، كلها أحداث توحي بتأزم المشهد الداخلي في إثيوبيا مع اقتراب موعد الانتخابات الإثيوبية المقرر عقدها في يونيو القادم، وهي التحديات التي تحيل بين إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها، وتهدد برحيل آبي أحمد من السلطة، بل وتصل في أحد السيناريوهات إلى تفكك إثيوبيا.


حرب أهلية

في ظل تعقيدات المشهد العرقي في إثيوبيا، يحمل استخدام الحكومة الاتحادية للقوة في مواجهة قادة إحدى القوميات الرئيسية في البلاد مخاطر واسعة، خاصة مع امتلاك إقليم هذه القومية لقدرات عسكرية وميليشيات مسلحة، تصل وفق بعض التقديرات إلى 250 ألف فرد مسلح، وكذلك تأكيد قادة اقليم التيجراي أنهم سيدافعون عن إقليمهم، والذى تزامن مع اشارة برهانو جولا، نائب قائد الجيش الإثيوبي (في ذلك الوقت) في مؤتمر صحفي في العاصمة أديس أبابا: "بلادنا دخلت في حرب لم تكن تتوقعها.. هذه الحرب مخزية ولا معنى لها".

كما يمكن أن تتحول المعارك في إقليم التيجراي إلى ما يشبه حرب العصابات مما يقوض النسيج الوطني الإثيوبي ويلقى بتأثيراته على منطقة القرن الأفريقي بأكملها. ويشمل ذلك إريتريا المتحالفة مع إثيوبيا ضد التيجراي والتي تعرضت للقصف من قبل قوات التيجراي؛ والسودان، التي نشرت جيشها بكثافة على طول حدودها المضطربة مع إثيوبيا رغم أنها سمحت للاجئين بالعبور.

هذا فضلا عن تورط الجماعات العرقية المتنافسة في الصراع، ومنها قوات الأمن في إقليم الأمهرة المجاور لإقليم التيجراي، وكذلك ميليشا فانو (the Fano) ومشاركتها القوات الفيدرالية الاثيوبية في التدخل والهجوم على إقليم التيجراي. وفى المقابل، استهدف هجوم صاروخي في 14 نوفمبر 2020 مدينتين في إقليم أمهرة. كما تعرض ما يقرب من 600 شخص من الأمهرة للقتل داخل إقليم التيجراي، مما يعزز المخاوف من احتمال اتساع رقعة الصراع في البلاد الذي يشهد توترات بين العديد من المجموعات العرقية.


أزمة «بني شنقول»

في تطور هو الأحدث على الساحة الإثيوبية، أفادت وسائل إعلام إثيوبية، سيطرة مجموعة مسلحة على بعض المناطق في ولاية بني شنقول التي بُني فيها سد النهضة، حيث ذكرت صحيفة “أديس ستاندرد” الإثيوبية نقلًا عن اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان التابعة للحكومة الإثيوبية، إن مسلحين يسيطرون بالكامل تقريبًا على أجزاء واسعة من مناطق سيدال ويريدا، في منطقة كاماشي بولاية بني شنقول الإقليمية، وذلك اعتبارًا من 19 أبريل، ولم تذكر الجماعة المسلحة التي كانت تشير إليها.

وقالت المفوضية في بيان أصدرته في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء إن الجماعة المسلحة قتلت مدنيين بمن فيهم موظفين محليين ومسئولين في إدارة المناطق وسكان، كما دمرت ممتلكات خاصة وحكومية.

وذلك في ظل انخفاض أعداد قوات الأمن في المنطقة نتيجة انشغال حكومة آبي احمد بالقتال في تيجراي وعلى أكثر من جبهة أخرى، فضلا عن خسارة الجيش الإثيوبي لجزء كبير من معداته في حربه مع التيجراي. هذا التطور أجبر الجيش الإثيوبي على سحب بعض وحداته من إقليم تيجراي، وتوجيهها لاستعادة المناطق التي سيطر عليها المسلحون، مما يضع عبئًا إضافيًا على القوات الإثيوبية. وكذلك فإم فتح جبهة جديدة بالتزامن مع الانتخابات المقبلة سيمثل تحديًا كبيرًا أمام إجرائها.

ويذكر أن ولاية بني شنقول-جومز التي تعد موطنًا لكثير من الجماعات العرقية، كانت قد شهدت تصاعدًا في أعمال العنف في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك هجوم دموي على مدنيين في ديسمبر 2020، أسفر عن مقتل أكثر من 200 مدني، وذلك بعد يوم من زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للمنطقة. وشهدت في مطلع يناير الماضي مجزرة راح ضحيتها العشرات من الأبرياء في هجوم لجماعة مسلحة، نتج عنها إعلان وزارة الدفاع الإثيوبية فرض حظر تجول وقيود أمنية مشددة في المنطقة.

ويمثل إقليم بني شنقول-جومز، أهمية خاصة حيث يضم عددًا كبيرًا من القبائل، بالإضافة إلى احتضانه مشروع سد النهضة على النيل الأزرق، على بعد حوالي 40 كيلومترًا من الحدود السودانية، وتقطن الإقليم قبائل لها امتدادات داخل الأراضي السودانية كقوميات البرتا والجومز التي يسمى باسمها الإقليم الإثيوبي نفسه.



«عنف أمهرة» هل يرحل آبي أحمد؟

في سياق متصل، تكافح إثيوبيا لاحتواء الأزمة التي اندلعت في إقليم أمهرة بين عرقيتي الأورومو والأمهرة الرئيستين بالبلاد، في وقت سابق من هذا الشهر، مما دفع السلطات الإثيوبية إلى نشر قوات في أمهرة للحد من أعمال العنف وفرض حالة الطوارئ في 3 مقاطعات بإقليم أمهرة إثر أعمال عنف مسلحة، استهدفت مدنيين في مناطق شمال شوا ومقاطعات أوروميا الخاصة بإقليم أمهرة، أسفرت عن وقوع خسائر بشرية وأضرار بالممتلكات، في أحداث تعد الأسوأ خلال الفترة القصيرة الماضية، حيث تشير التقارير إلى إرتفاع أعداد القتلى إلى ما يزيد عن 18 شخصًا، من بينهم نساء وأطفال وفرد أمن أمهرة، قُتلوا بالأسلحة النارية، وطُعن بعضهم، ليضافوا إلى مئات آخرين قتلوا في مارس يصل عددهم إلى نحو 300 شخص، بالإضافة إلى إحراق 1539 منزلًا في منطقة أمهرة الشهر الماضي.

ووفقًا لتقارير إعلامية، اتهمت حكومة إقليم أمهرة جماعة "أونق شني" المسلحة المنشقة عن جبهة تحرير أورومو، بقيادة "كومسا دريبا" المعروف بـ"جال ميرو"، بالوقوف خلف هذه الأحداث، وتتمركز "أونق شني" في مناطق حول مدينة نقمتي بأوروميا، واتخذت من جنوب أوروميا قاعدة لعملياتها في منطقة غرب “غوجي”، إلى جانب مناطق وللغا، وقلم، وهورو غودور، وتتهمها حكومة الإقليم بتنفيذ أعمال قتل من وقت لآخر بالمنطقة، راح ضحيتها مدنيون ورجال شرطة في أوقات سابقة. 


 

مظاهرات ضد حكومة آبي أحمد
وفي ذات السياق، كانت أحداث الهجوم الأخيرة هي الدافع  وراء خروج آلاف الأشخاص إلى شوارع العاصمة الإقليمية لأمهرة، للاحتجاج على عمليات القتل وللتظاهر ضد حكومة آبي أحمد، على خلفية التكاسل عن إحتواء الموقف، وتعريض حياة المئات للقتل ونزوح الالآف، وبما وصفوه بأنه “عمليات التطهير العرقي ضد الأمهرة”، على الرغم من أن الإقليم سبق وأن دعم آبي أحمد خلال الحرب التي شنها على إقليم التيجراي المعارض نهاية العام الماضي،  حيث شهدت مدينة بحر دار أهم مدن الإقليم، إلى جانب مدينتي دبري مارقوس وولديا، لليوم الرابع على التوالي، مظاهرات تندد بالهجمات في إقليم أمهرة وأعمال العنف المستمرة بحق مواطني الأمهرة، وصمت الجيش والحكومة بقيادة آبي أحمد على الانتهاكات التي تقع بحق شعب الإقليم.

سرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى موجة غضب ضد حزب “الازدهار” الحاكم بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، بالإضافة لكبار المسؤولين في ولاية “أمهرة”، ورفع المتظاهرون لافتات وهتافات تنتقد رئيس الوزراء آبي أحمد، وقاموا بتمزيق صوره، ولافتات حزبية كبيرة معلقة في المدن الأمهرية، وامتدت الاحتجاجات، اليوم الخميس، إلى أماكن تشمل مدينة “جوندر” التاريخية وكذلك “ديبري بيراهان”، ومدن “ديبري تابور وكوبو وكومبولاتشا وأديت”، وفقًا لصحيفة «أديس استاندرد».

وبدلًا من احتواء الأزمة، زعم حزب “الازدهار” الحاكم أن المسيرات الاحتجاجية المناهضة للحكومة اختطفتها قوى عازمة على زعزعة استقرار البلاد، بما في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وجبهة تحرير أرومو الإسلامية، ومتمردي جومز في إقليم بني شنقول، لكنه في المقابل اعترف بوجود ما وصفه بـ”نقاط ضعف” داخل هيكل حزب “الازدهار”، وتعهد بالعمل على إصلاحه. ولاقى البيان رد فعل غاضب من المتظاهرين الذين يعتقدون أن حكومة آبي أحمد وحزبه الحاكم منفصل عن الواقع، ولا يلبي تطلعاتهم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن العنف الوحشي أصبح سائدًا في إثيوبيا ما بعد آبي؛ إذ ارتفع عدد القتلى بسبب العنف السياسي على المستوى الوطني بنسبة 33 في المائة في السنوات الثلاث منذ عام 2018، مقارنة بخط الأساس قبل عامين. 

وشهدات أعمال العنف في ولايات مثل ولاية بني شنقول جومز زيادة بنسبة 974% في السنوات الثلاث منذ أن تولى آبي منصبه وفقًا لبيانات موقع النزاع المسلح (ACLED). بالإضافة إلى ذلك، شهدت تيجراي القفزة الأكثر دراماتيكية في العنف بنسبة 1690%.


سيناريو تقسيم إثيوبيا 

أعطى الدستور الفيدرالي الإثيوبي لعام 1994 في مادتيه (39) و(47) الحق لكل أمة أو شعب أو جنسية أن تنفصل عن الدولة الإثيوبية الموحدة وتكون دولتها المستقلة، وفقا مجموعة من الشروط، أهمها موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة أو الجنسية أو الشعب المعني. ويتم تقديم الطلب كتابيا إلى مجلس الدولة؛ عندما ينظم المجلس الذي تلقى الطلب استفتاء في غضون عام واحد يعقد في الأمة، الجنسية أو الشعب الذي قدم الطلب؛ ويتم دعم مطلب الأمة من خلال تصويت الأغلبية في الاستفتاء؛ عندها ينقل مجلس الدولة صلاحياته إلى الدولة أو الجنسية أو الشعب الذي قدم الطلب.