الإثنين 22 ديسمبر 2025 الموافق 02 رجب 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
اقتصاد مصر

تحديات في صفقة الغاز مع إسرائيل.. كيف توازن مصر بين المكاسب الاقتصادية والثوابت السياسية؟

حقل غاز طبيعي في
حقل غاز طبيعي في البحر الأبيض المتوسط

يقرأ عدد من المراقبين والمحللين صفقة الغاز الموقعة بين مصر وإسرائيل، الممتدة حتى عام 2040 وبقيمة تقارب 35 مليار دولار، بوصفها خطوة اقتصادية تأتي في سياق إقليمي ودولي شديد التعقيد؛ فالصفقة، التي تؤكد القاهرة أنها ذات طابع تجاري بحت، تطرح تساؤلات مشروعة حول قدرة الدول على الفصل بين متطلبات الاقتصاد وضغوط الرأي العام، خاصة في ظل الحرب الدائرة في غزة وما تفرضه من حساسية سياسية وإنسانية. 

وبين هذه المعادلات المتداخلة، تحاول مصر إدارة الملف بما يحفظ مصالحها الاستراتيجية ويأخذ في الاعتبار المزاج العام الرافض للتطبيع، وفقا لصحيفة «ذا ناشيونال».

ضرورات اقتصادية وسياق متغير

من زاوية اقتصادية، تأتي الصفقة في وقت تواجه فيه مصر تحديات واضحة في قطاع الطاقة، أبرزها ارتفاع الطلب المحلي وتراجع إنتاج بعض الحقول.

وفي هذا الإطار، يوفر الاتفاق مصدر إمداد إضافيًا يساعد على تحقيق قدر من الاستقرار في السوق الداخلية. كما ينسجم مع توجه القاهرة لتعزيز موقعها كمركز إقليمي لتجارة الغاز في شرق المتوسط، مستفيدة من بنيتها التحتية المتقدمة في الإسالة وإعادة التصدير، وهو هدف استراتيجي طويل الأمد.

في المقابل، لا يمكن تجاهل حساسية الرأي العام تجاه أي تعاون اقتصادي مع إسرائيل في ظل الحرب على غزة؛ فهناك رفض شعبي واسع للتطبيع يعكس ارتباطًا عميقًا بالقضية الفلسطينية، ويضع صانعي القرار أمام معادلة دقيقة تتطلب مراعاة البعد الإنساني والسياسي إلى جانب الحسابات الاقتصادية. 

هذا الرفض لا يترجم بالضرورة إلى معارضة مباشرة للسياسات الاقتصادية، بقدر ما يعبر عن قلق مشروع إزاء التوقيت والسياق، لذا رصد المحللون خطابا رسميًا يركز على الفصل بين المسارات.

وحرصت القاهرة في تعاملها مع الجدل الدائر على التأكيد المتكرر بأن الصفقة لا تحمل أبعادًا سياسية، وأنها شأن تجاري بحت في اطار إدارة ملفات الطاقة وفق منطق المصالح المتبادلة.

كما شددت الجهات الرسمية على أن العوائد المالية ترتبط في الأساس بالشركات المشغلة والبنية التحتية، وليس لها انعكاسات سياسية مباشرة. 

ويأتي هذا الخطاب في إطار محاولة توضيح الصورة للرأي العام وطمأنته بأن ثوابت السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية لم تتغير.

أبعاد إقليمية ودور متوازن

إقليميًا ودوليًا، تدرك مصر أهمية الحفاظ على دورها كطرف متوازن قادر على التواصل مع مختلف الأطراف، سواء في ملفات الطاقة أو في جهود التهدئة والوساطة. 

ومن هذا المنطلق، تحاول القاهرة المواءمة بين كونها لاعبًا اقتصاديًا فاعلًا في سوق الطاقة، ووسيطًا يحظى بمصداقية نسبية في الملفات السياسية والإنسانية، وهو دور يتطلب قدرًا كبيرًا من الحذر والدقة.

وتعكس صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل واقعًا إقليميًا معقدًا تُفرض فيه قرارات اقتصادية في ظل ظروف سياسية استثنائية. 

وتبدو القاهرة حريصة على إدارة هذا الملف بنهج براغماتي يوازن بين متطلبات أمن الطاقة، واحترام حساسية الرأي العام، والحفاظ على ثوابتها السياسية. 

وبين الربح الاقتصادي والاعتبارات الأخلاقية، تسعى مصر إلى منهجية محسوبة وهادئة تقوم على الفصل بين المسارات، في محاولة لتجاوز تحديات اللحظة.