تجارب سابقة لم تكتمل.. هل هناك فرصة لإنشاء «ناتو عربي» في الشرق الأوسط؟
ذكر موقع راديو فرانس إنترناسيونال الإخباري أن النقاش عاد مجددًا في العديد من العواصم العربية والإسلامية حول إمكانية إنشاء تحالف عسكري تحت مظلة وقيادة موحدة على غرار حلف شمال الأطلسي، وذلك في أعقاب الضربات الإسرائيلية على الدوحة وتصاعد المخاوف من هشاشة منظومة الأمن الجماعي.
ورغم أن الفكرة ليست جديدة، فإنها اكتسبت زخمًا سياسيًا على مدار الأشهر الأخيرة، لكنها ما زالت أقرب إلى الطموح منها إلى الواقع.
في قمة طارئة عُقدت في الدوحة منتصف سبتمبر، طرحت القاهرة مقترحًا لتوحيد القوات المسلحة للدول الـ22 الأعضاء في الجامعة العربية ضمن تحالف واحد، بموارد مشتركة وقيادة دورية وأمانة عامة مدنية، مع التشاور قبل أي استخدام فعلي للقوة.
وفي الوقت نفسه، أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي نيتها تفعيل بند الدفاع المشترك الموقع عام 2000، والذي يعتبر أي اعتداء على عضو بمثابة اعتداء على الجميع.
ودعا وزير الدفاع الباكستاني بدوره إلى تشكيل "ناتو إسلامي" لمواجهة التحديات المشتركة، مؤكدًا أن الهدف هو الدفاع الجماعي لا استهداف دولة بعينها.
تجارب سابقة لم يكتب لها النجاح
ويزخر تاريخ المنطقة بمحاولات مشابهة لم تكتمل. ففي خمسينيات القرن الماضي تأسس "حلف بغداد" بمشاركة العراق وتركيا وإيران وباكستان والمملكة المتحدة، ثم تحول إلى "سنتو" قبل أن ينهار عام 1979.
وفي 2015 أطلقت السعودية "التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب" الذي يضم 43 دولة، لكنه ظل محدودًا في نطاقه ويفتقر إلى قيادة عسكرية موحدة أو ضمانات دفاع جماعي.
ويرجح المحللون أن إنشاء تحالف دفاعي حقيقي يتطلب ما هو أبعد وأكثر من الإرادة السياسية، إذ يحتاج إلى توافق أيديولوجي واقتصادي، وتوحيد أنظمة التسليح، وقبول بتنازل جزئي عن السيادة العسكرية، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل الانقسامات العميقة بين الدول العربية والإسلامية.
وكانت الضربات الإسرائيلية على الدوحة قد زادت من الشكوك حول مدى الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية، رغم وجود قواعد عسكرية أمريكية كبرى في الخليج تضم نحو 40 ألف جنديا.
وانتقد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بشدة في كلمته الافتتاحية ما وصفه بمحاولات إسرائيل تحويل المنطقة إلى "مجال نفوذ"، في حين وقعت واشنطن بعد أسبوعين اتفاقًا دفاعيًا غير مسبوق مع الدوحة، اعتبر أي هجوم عليها تهديدًا مباشرًا للأمن الأمريكي.
في هذا السياق، وقّعت السعودية وباكستان اتفاقًا استراتيجيًا للدفاع المشترك، يمنح الرياض مظلة ردع نووية عبر شريكها الباكستاني.
وأبدت إيران اهتمامًا بالانضمام، فيما تحدثت إسلام آباد عن إمكانية إبرام اتفاقات مماثلة مع دول عربية أخرى، ولكن الخبراء يحذرون من أن مثل هذه الترتيبات الثنائية لا تكفي لبناء تحالف متعدد الأطراف متماسك.
وأعاد البيان الختامي لقمة الدوحة التأكيد على قرارات سابقة للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي برفض العدوان على الدول الأعضاء، لكنه توقف عند حدود الرمزية ولم يعلن عن تأسيس تحالف عسكري مشترك.
ويرى الباحثون أن الطريق الأكثر واقعية هو بناء التعاون تدريجيًا عبر مجالات وظيفية مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية، الأمن السيبراني، والتنسيق الاقتصادي، بدلًا من محاولة استنساخ نموذج غربي معقد.
وعلى الرغم من أن فكرة "الناتو العربي" تظل حاضرة في الخطاب السياسي والإعلامي، إلا أنها تصطدم بواقع إقليمي عنوانة الأكبر: الانقسامات، وسط توازنات دولية دقيقة، ما يجعل الفكرة في حد ذاتها حتى الآن أقرب إلى شعار يوحي بالوحدة أكثر من كونه مشروعًا قابلًا للتنفيذ عبر خطوات عملية تحوله إلى واقع ملموس.





