الأحد 21 ديسمبر 2025 الموافق 01 رجب 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

الشرق الأوسط في 2026.. المنطقة الرمادية بين التقدم المحدود والمخاطر المستمرة

الرئيس نيوز

يدخل الشرق الأوسط عام 2026 مثقلًا بملفات لم تُحسم بعد، ما يجعل المشهد الإقليمي أقرب إلى لوحة رمادية تتداخل فيها إشارات التقدم المحدود مع استمرار المخاطر البنيوية.

وأكدت مجلة الإيكونوميست أن المنطقة تشهد تحولات مهمة، لكنها لم تصل بعد إلى مستوى الاستقرار أو التنمية المستدامة، وتوقعت أن تشهد على أفضل تقدير تعافيًا جزئيًا، مع استبعاد الانزلاق إلى أوضاع كارثية.

من ناحية، هناك مؤشرات تقدم محدودة. في العراق، جرت انتخابات وطنية وُصفت بأنها علامة فارقة في مسار بناء الاستقرار السياسي، مع محاولات لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الثقة الشعبية.

وفي سوريا، ورغم استمرار التحديات، فإن البلاد لم تنزلق إلى حرب طائفية شاملة كما كان يُخشى، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على أن بعض خطوط التوازن لا تزال قائمة. 

أما اقتصاديًا، فإن أسعار النفط المستقرة نسبيًا والإصلاحات المالية في بعض دول الخليج تمنح الحكومات قدرة أكبر على إدارة موازناتها، ما دفع وكالة فيتش إلى وصف التوقعات السيادية للمنطقة بأنها "محايدة"، تجمع بين النمو الاقتصادي والضغوط السياسية والأمنية.

في المقابل، لا تزال المخاطر قائمة. فالحرب القصيرة التي اندلعت بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة في منتصف العام كشفت هشاشة الوضع الأمني الإقليمي، وأكدت أن أي تصعيد قد يهدد المفاوضات النووية ويعيد المنطقة إلى دائرة المواجهة المفتوحة. 

وفي غزة، ورغم الحديث عن وقف إطلاق النار، فإن تثبيت الهدنة غير مضمون، والعمليات العسكرية قد تتجدد وإن كانت على نطاق أصغر. 

كذلك، يرى خبراء معهد الشرق الأوسط أن "المساعي غير المكتملة" ستظل تحكم أجندة المنطقة في 2026، من ملفات اليمن وليبيا إلى العلاقات الخليجية–الإيرانية، ما يعني أن الاستقرار بعيد المنال.

المنطقة الرمادية تتجلى في التناقض بين التحولات السياسية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية. فبينما تسعى بعض الدول إلى تنويع اقتصاداتها وتطوير قطاعات جديدة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، فإن البطالة بين الشباب وغياب العدالة الاجتماعية يظلان مصدر قلق دائم. 

هذا التناقض يخلق حالة من "التقدم المحدود"، حيث تُسجل إنجازات جزئية لكنها لا تكفي لتغيير الصورة العامة.

على المستوى الدولي، تسبب دخول إدارة أميركية جديدة في تغيير قواعد اللعبة الدبلوماسية التقليدية، ما أضاف عنصرًا من عدم اليقين. فواشنطن باتت أقل التزامًا بالتحالفات القديمة وأكثر استعدادًا لتجربة مقاربات جديدة، وهو ما يفتح الباب أمام فرص لكنه يثير أيضًا مخاوف من فراغ استراتيجي قد تستغله قوى إقليمية مثل إيران وتركيا.

اقتصاديًا، تشير تقارير فيتش إلى أن دول الخليج ستظل قادرة على الاستفادة من أسعار النفط المستقرة، لكن الضغوط المالية في دول مثل مصر وتونس والأردن ستبقى قائمة، مع الحاجة إلى إصلاحات هيكلية لتجنب أزمات ديون أو تضخم. 

هذا التباين بين اقتصادات قوية وأخرى هشة يعكس بدوره المنطقة الرمادية التي يعيشها الشرق الأوسط: تقدم في بعض الجوانب، وتراجع أو ركود في جوانب أخرى.

أما على صعيد الأمن الإقليمي، فإن الملفات غير المكتملة ستظل حاضرة: من مستقبل اليمن الذي لم يُحسم بعد، إلى ليبيا التي ما زالت تعاني من انقسامات داخلية، وصولًا إلى العلاقات الخليجية–الإيرانية التي تتأرجح بين الانفراج المؤقت والتوتر المستمر. هذه القضايا تجعل أي حديث عن استقرار شامل في 2026 أقرب إلى التفاؤل المفرط.

ومع ذلك، هناك إشارات إيجابية محدودة. كما كتب أحد المحللين الغربيين: "المتخصصون في شؤون الشرق الأوسط يميلون إلى الاعتقاد بأنهم لا يخطئون كثيرًا إذا تبنوا التشاؤم. العامان الماضيان أثبتا صحة هذا الاعتقاد إلى حد كبير. 

لكن مؤخرًا ظهرت أسباب تدعو إلى الأمل؛ خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب جلبت بعض الارتياح لغزة، والضربات الأميركية والإسرائيلية ضد إيران لم تؤد إلى انفجار إقليمي شامل، وسوريا لم تنحدر إلى حرب طائفية شاملة".

هذه الملاحظات تعكس أن المنطقة، رغم هشاشتها، لا تزال قادرة على تجنب السيناريوهات الكارثية، وهو ما يمنح بصيص أمل وسط المشهد الرمادي.

ويبدو أن الشرق الأوسط يستعد لعبور عتبة 2026 ليجد نفسه عند مفترق طرق: هناك فرص للتقدم عبر الإصلاحات الاقتصادية وتراجع بعض النزاعات، لكن هناك أيضًا مخاطر مستمرة من التصعيد العسكري والانقسامات الداخلية والضغوط الاجتماعية. 

المنطقة الرمادية ليست مجرد توصيف بل واقع يومي، حيث تتعايش الإنجازات الجزئية مع التحديات الكبرى. وقد يحمل العام الجديد بعض الانفراجات، لكنه لن يخرج المنطقة من دائرة التوترات المزمنة ما لم تتم معالجة جذور الأزمات والاستجابة بجراة أكبر لمطالب الحكم الرشيد، والعدالة الاجتماعية، وإيجاد حلول سياسية للنزاعات المستمرة. وحتى ذلك الحين، سيظل الشرق الأوسط في 2026 يتأرجح بين التقدم المحدود والمخاطر المستمرة، في لوحة رمادية تعكس تعقيداته البنيوية.