بعد عام من الحرب.. هل تمكن حزب الله من إعادة بناء ترسانته؟
بعد أكثر من عام على الحرب التي خاضها حزب الله مع إسرائيل في خريف 2024، يثار سؤال بالغ الأهمية حول قدرة الحزب الفعلية على إعادة بناء ترسانته العسكرية.
في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وبين أزقة حارة حريك، تبدو الأمور أكثر تعقيدًا مما تصوره التصريحات الرسمية؛ إذ تكرر إسرائيل اتهاماتها للحزب بأنه يسعى لإعادة التسليح بتمويل إيراني، وقد قدمت خلال زيارة مبعوثة البيت الأبيض مورجان أورتيجوس معلومات استخباراتية تدعم هذا الادعاء، مؤكدة أن الحزب يحاول تعويض الخسائر التي مني بها خلال الحرب الأخيرة.
وفي المقابل، وفقا لصحيفة لوريان لو جور، يشدد حزب الله على أنه تعافى من الهزائم التي تكبدها، لكن مصادر مقربة من قياداته تشير إلى أن الواقع على الأرض أكثر دقة وعمقًا، وأن الحديث عن إعادة التسلح هو في الغالب خطاب رمزي يهدف إلى إظهار القوة أمام القاعدة الشعبية، الدولة اللبنانية، وإسرائيل، دون أن يكون إعادة تسليح واسعة النطاق أمرًا واقعيًا.
وتؤكد الصحيفة أن حزب الله، المحاصر من سوريا التي تسعى لتقليص خطوط إمداده، ومن إسرائيل التي تراقب كل تحركاته عن كثب، يجد صعوبة في إعادة التسلح بشكل كبير.
الحزب منهك
يقول مصدر مطلع: “الحزب منهك، مثل داعميه الذين فقدوا كل شيء، ولا يعرف كيف يعيد نفسه على الأرض”.
ويضيف: أن الحديث عن إعادة البناء يهدف في المقام الأول لطمأنة القاعدة الشعبية بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها خلال الحرب الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، يشير مصدر آخر مقرب من الحزب إلى أن المخزون العسكري المتبقي لا يزال قائمًا، لكنه محدود ومخصص لدعم إيران في حال تعرضت لهجوم إسرائيلي، مؤكدًا أن طهران طالبت الحزب بعدم التخلي عن ما تبقى من قوته، ما يعكس البعد الاستراتيجي للدور الإيراني في لبنان.
من منظور داخلي، وفقا لصحيفة آراب ويكلي اللندنية، يبدو أن الحزب يركز على إعادة هيكلة تنظيمه الداخلي، بما في ذلك تعزيز خطوط الاتصال بين القيادات والأجهزة اللوجستية وتطوير قدرة الحزب على الاستجابة السريعة، بدل التركيز على إعادة التسلح بشكل تقليدي.
ويؤكد كاتبو التحليل السياسي في بيروت أن هذه الخطوات تهدف للحفاظ على صورة الحزب أمام قاعدته الشعبية باعتباره قوة لا يمكن الاستهانة بها، بينما يبقى قدرته العسكرية الفعلية أقل من سابق عهدها.
ويضيف هؤلاء المحللون أن الحزب يتعامل مع التحديات اليومية على الأرض بعقلانية، في ظل المراقبة الإسرائيلية المستمرة والضغوط الدولية المستمرة على لبنان لتسليم الأسلحة، خصوصًا في جنوب البلاد حيث لطالما كانت له الهيمنة التاريخية.
وفي هذا السياق، جاء رد وزير الخارجية اللبناني يوسف رعدي ليعكس التوتر المستمر بين الدولة اللبنانية والحزب وبين الضغوط الإقليمية والدولية، مؤكدًا أن ما هو أهم للبنان من الماء والخبز هو "سيادته وحرية قراره الداخلي".
الصراع الدائم بين سيادة الدولة اللبنانية ومصالح حزب الله ومشروع إيران الإقليمي
يشير هذا الموقف إلى الصراع الدائم بين سيادة الدولة اللبنانية ومصالح حزب الله ومشروع إيران الإقليمي، وهو صراع يتشابك فيه الواقع السياسي الداخلي مع الديناميات الإقليمية والدولية، ويجعل أي تقييم لقدرة الحزب على إعادة بناء ترسانته مسألة معقدة وغير حاسمة حتى الآن.
ومن منظور إقليمي، يظهر الدعم الإيراني لحزب الله كعامل استراتيجي يضمن لطهران الحفاظ على نفوذها في لبنان والمنطقة، عبر التأكد من أن الحزب يظل قوة فعالة قادرة على الرد، حتى لو اقتصرت قدراته الفعلية على ترسانة محدودة مقارنة بما كان يمتلكه قبل الحرب.
وتوضح مصادر مقربة من واشنطن، كما أوردت صحيفة آراب ويكلي، أن المخاطر الكبرى تكمن في الاستعراضات الرمزية التي يقدمها الحزب لإقناع قاعدة أن إعادة البناء مستمرة، بينما تراقب إسرائيل والولايات المتحدة هذه الخطوات بحذر شديد لتجنب أي تصعيد مباشر قد يؤدي إلى مواجهة مفتوحة.
ووفقًا للتحليلات المتطابقة، يبدو أن الحزب لم يصل بعد إلى مرحلة إعادة تسليح واسعة النطاق، رغم تصريحات قادته الرسمية. فالمعركة الحقيقية، بحسب المراقبين، هي الحفاظ على القوة الرمزية والوجود السياسي الداخلي، مع الاحتفاظ بالحد الأدنى من القدرات العسكرية لدعم إيران في حال وقوع مواجهة إقليمية.
وفي الوقت ذاته، يبقى لبنان ساحة دقيقة تتقاطع فيها الضغوط الإقليمية والدولية مع الواقع الداخلي، مما يجعل أي تقدير لقدرة الحزب على إعادة بناء ترسانته العسكرية مسألة نسبية ومعقدة، وليست مطلقة كما قد توحي الخطابات الرسمية أو التقديرات الإسرائيلية.





