الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
سياسة

الرسائل الخفية فى خطابات مرشحى الرئاسة الفرنسية

الرئيس نيوز

يلجأ مرشحو انتخابات الرئاسة الفرنسية لاستخدام كلمات وعبارات قد تبدو عادية، إلا أنها تحمل في غالب رسائل ذات دلالات مقصودة وأهداف منشودة، وفقًا لصحيفة ديجيتال نيوز الكندية،فالرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، والمرشح لولاية ثانية في انتخابات 10 و24 أبريل 2022، يشدد على مصطلح العمل كقيمة رمزية يرفعها ضمن أبرز شعارات حملته ويقدم نفسه للمرة الثانية كمرشح للعمل، وحاولت فرانس 24 ، في تقرير نشر أمس السبت، تفسير السر وراء هذه الخطوة.
ركز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة وجهها للفرنسيين قبل بضعة أيام، أثناء الإعلان عن ترشحه لولاية ثانية، على قيمة "العمل"، قائلا إن "الاستقلال بالنسبة إلى الدول والحكومات مرتبط بالقوة الاقتصادية"، وبالتالي "فعلينا العمل أكثر وعلينا الاستمرار في تخفيض الضرائب التي تثقل كاهل العمل والإنتاج".  
وأضاف ماكرون: "علينا أيضا مواصلة الاستثمار في مجالي الإبداع والبحث كي لا نخضع لتكنولوجيات تُفرض علينا في حياتنا اليومية مستقبلا؛ فنحن مطالبون باستعادة طاقتنا الإنتاجية من خلال العمل والشغل لأجل الحفاظ على نموذجنا الاجتماعي".   
وأشار إيمانويل ماكرون في رسالته عدة مرات لمصطلح "العمل"، مشيدا بأبرز إنجازاته خلال عهدته الأولى التي امتدت من مايو 2017 وتنتهي في 24 أبريل إما بفوزه بولاية ثانية وإما بتسليمه السلطة لمرشح آخر، كما تضمنت مقترحاته في حال إعادة انتخابه في قصر الإليزيه. 
وهذا ما ينذر بأن تكون "قيمة العمل" في قلب حملته الرئاسية التي انطلقت قبل بضعة أيام وتتواصل في الأسابيع المقبلة، وهو ما تطرق إليه في 7 مارس خلال أول زيارة له كمرشح عندما قال في ضاحية بواسي الباريسية إن "الجواب الأول لتحسين القدرة الشرائية هو العمل".   
ما هو مصدر مفهوم "العمل" كقيمة مجتمعية؟ 
شهدت نظرة الفرنسيين للعمل تحولات كبرى على مر الوقت والزمن، كما تؤكد عالمة الاجتماع دومينيك ميدا، فهي تشير لثلاث مراحل أساسية: الأولى في القرن الثامن عشر عندما كان العمل وسيلة للإنتاج، والثانية في القرن التاسع عشر حيث كان يتعبر ركيزة الإنسان، وأخير في القرن العشرين لدى تحوله إلى محور وجوهر المجتمع محددا توزيع الأرباح والرواتب وكذلك الحقوق والضمانات، بما في ذلك الاجتماعية، والاقتصادية، والصحية.
وأصبح العمل خلال الحرب العالمية الثانية بين 1939 و1945 إيديولوجية واضحة كاملة الأركان؛ ففي فرنسا، أراد نظام فيشي بزعامة المارشال بيتان والمتعامل مع النازيين أن يطوي صفحة "الجبهة الشعبية" وهي تحالف اليسار الذي ضم الاشتراكيين والشيوعيين والراديكاليين، والذي حكم فرنسا بين مايو 1936 وأبريل 1938، واتهم ذلك التحالف بأنه المسؤول عن خسارة الجيش الفرنسي أمام العدو الألماني في يونيو 1940، لاسيما بسبب اعتمادها نظام عمل قائم على أربعين ساعة في الأسبوع وإجازات مدفوعة.
اعتمد نظام فيشي شعارا وطنيا يمجد العمل ويتشكل من ثلاث كلمات: "العمل، العائلة، الوطن". وبعد الحرب، أصبح العمل "ضرورة" ملحة لإعادة بناء البلاد، ثم لعب دور الحكم في الخلاف الإيديولوجي بين اليمين الليبرالي واليسار الاشتراكي. فقد استعمله اليمين كقيمة متعارضة مع قيمة اليسار القائمة على مجتمع المساعدة الذي لا يكترث بالشغل ويعتمد على الإعانات الاجتماعية التي تضمنها الدولة.
ترشح إيمانويل ماكرون هذه المرة كما ترشح قبل خمس سنوات، أي بصفته مرشح "العمل" بنية ضمان أصوات اليمين المعتدل، لكن الظرف قد تغير بالنسبة إليه. ففيما تم انتخابه في 2017 على أساس برنامج انتخابي وسطي قال يومها إنه من اليمين ومن اليسار، مارس السلطة بتوجه يميني لأغراض إيديولوجية واستراتيجية على حد سواء.