حزب العدل: خفض الدين «رقم بلا معنى» ما لم يشعر به المواطن
أصدر حزب العدل، عبر مركز العدل لدراسات السياسات العامة، ورقة تحليلية حادة اللهجة انتقد فيها الاكتفاء الحكومي بالترويج لانخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، معتبرًا أن هذا الخطاب يعكس تحسنًا رقميًا محدود الأثر، ولا يمثل بالضرورة تحسنًا حقيقيًا في أوضاع المالية العامة أو في حياة المواطنين.
خفض الدين «رقم بلا معنى»
واستهلت الورقة، التي جاءت تحت اقتباس صريح للاقتصادي العالمي جوزيف ستيغليتز: «الدول التي تقترض لتمويل الاستهلاك لا الاستثمار، إنما تهيئ نفسها لمشكلات اقتصادية في المستقبل»، بتفكيك التصريحات الرسمية التي تحدثت عن تراجع نسبة الدين من نحو 96% إلى 84%، والتلميح بإمكانية الوصول إلى مستويات تاريخية خلال سنوات قليلة، مؤكدة أن الاحتفاء بالمؤشر دون مساءلة بنيته وسياقه يمثل تبسيطًا مخلًا وخطرًا سياسيًا واقتصاديًا.
وشددت الورقة على أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي مؤشر جزئي، يمكن أن يتحسن حسابيًا بفعل التضخم الحاد وتراجع سعر الصرف، دون أن ينخفض عبء الدين الفعلي أو كلفة خدمته. ولفتت إلى أن المؤشر الأصدق هو نسبة الدين إلى الإيرادات، حيث تكشف الأرقام أن الدولة مدينة بما يقرب من خمسة أضعاف إيراداتها السنوية، في وقت تلتهم فيه فوائد الدين وحدها نحو ثلاثة أرباع الإيرادات العامة، ونحو 90% من الحصيلة الضريبية.
وفي هذا السياق، طرحت الورقة سؤالًا مباشرًا: لماذا لا يشعر المواطن بأي تحسن؟ مجيبة بأن المواطن لا يعيش داخل جداول الدين والمؤشرات الكلية، بل يواجه تضخمًا مرتفعًا، وتآكلًا مستمرًا في الدخل الحقيقي، وتراجعًا في جودة الخدمات، وضغطًا متزايدًا على الطبقة الوسطى.
وأكدت أن أي حديث عن “انخفاض تاريخي” في الدين يفقد معناه الاجتماعي طالما بقيت الموارد العامة موجهة أساسًا لخدمة الديون لا لتحسين معيشة الناس.
وانتقد مركز العدل المقارنات المتكررة بدول مرتفعة الدين مثل اليابان أو إيطاليا، معتبرًا إياها مقارنات مضللة سياسيًا، لأن تلك الدول تمتلك قواعد إيرادات واسعة، وكلفة اقتراض منخفضة، ودينًا بعملتها الوطنية، بينما تعاني مصر من ضعف الإيرادات وارتفاع كلفة التمويل واعتماد نسبي على الدين الخارجي.
وأكدت الورقة على ضرورة اعتماد «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية» بوصفها الإطار الحاكم لإدارة الاقتصاد، بديلًا عن منهج إدارة الملفات عبر أرقام منفصلة ومؤشرات مجتزأة. لتكون اساس منظومة متكاملة من مؤشرات أداء واضحة وقابلة للقياس والمتابعة والمساءلة المؤسسية.
وفي توصياتها، أكدت الورقة أن جوهر الإصلاح لا يكمن في تحسين مؤشر واحد، بل في تحول استراتيجي لدور الدولة من مستثمر مباشر يزاحم السوق إلى منظم ومحفّز يفتح المجال للقطاع الخاص، مع ترشيد الإنفاق منخفض العائد، وتوسيع القاعدة الضريبية بعدالة، وتوجيه الاقتراض إلى أنشطة إنتاجية، وحماية الإنفاق الاجتماعي باعتباره شرطًا للاستقرار لا عبئًا عليه.
واختتم حزب العدل ورقته بالتأكيد على أن الأزمة ليست في نقص الأدوات، بل في وهم أن الأرقام وحدها تكفي، محذرًا من أن تجاهل الاختلالات الهيكلية سيعيد إنتاج أزمة الدين في صورة جديدة، مهما تحسنت المؤشرات حسابيًا.




