لم تعد مجرد تهديدات.. الجيش الأمريكي ينشر فيديو لإطلاق صاروخ بعد غارة جوية في نيجيريا
في مشهد أثار جدلًا واسعًا وغضبا نيجيريا جماهيريا، نشر الجيش الأمريكي مقطع فيديو لعملية إطلاق صاروخ موجه من سفينة حربية تابعة البحرية الأمريكية بعد تنفيذ غارة جوية في شمال غرب نيجيريا. وأكدت وزارة الدفاع أن العملية استهدفت معسكرات تابعة لتنظيم داعش، ووصفتها بأنها ضربة "حاسمة" ضد الجماعات المسلحة التي تهدد الاستقرار في المنطقة.
لكن هذا الإعلان لم يمر بهدوء، إذ فجر موجة من الانتقادات داخل نيجيريا، حيث خرجت أصوات سياسية ودينية تطالب بوقف التعاون العسكري مع واشنطن فورًا، معتبرة أن التدخل الأمريكي يضعف السيادة الوطنية ويزيد احتمالات سقوط ضحايا مدنيين، وفقا لصحيفة الجاديان البريطانية.
غارة الكريسماس الأمريكية تشعل نقاش السيادة في نيجيريا
أوضح موقع وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، أن الغارات جاءت بعد سلسلة هجمات شنّتها جماعات مرتبطة بتنظيم داعش على قرى في شمال غرب نيجيريا، ما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين.
وأكدت صحيفة ديلي ميل أن الضربة الأمريكية استهدفت مواقع تدريب ومخازن أسلحة، بينما أشارت وكالات أنباء دولية إلى أن هذه الجماعات توسعت في السنوات الأخيرة مستغلة ضعف سيطرة الجيش النيجيري على المناطق الحدودية، لتتحول إلى تهديد إقليمي يتجاوز حدود نيجيريا.
لكن في الداخل النيجيري، لم تُستقبل هذه الغارات بالترحيب. فقد دعا الشيخ أحمد غومي، أحد أبرز رجال الدين في البلاد، إلى إنهاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، محذرًا من أن استمرار الضربات الأجنبية سيؤدي إلى تأجيج مشاعر العداء ويمنح الجماعات المسلحة فرصة لتجنيد المزيد من المقاتلين تحت شعار "مقاومة الاحتلال الأجنبي".
كما طالب نواب في البرلمان بفتح تحقيق عاجل في ملابسات الغارات، وسط مخاوف من أن تكون قد أوقعت ضحايا مدنيين لم يُعلن عنهم رسميًا، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي.
من جانبها، حاولت الحكومة النيجيرية تحري التوازن في خطابها، فأكدت أن الغارات استهدفت بالفعل مواقع إرهابية، لكنها شددت على أن الجماعات المسلحة تضرب المسلمين والمسيحيين على حد سواء، رافضة تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي ركزت على حماية المسيحيين فقط.
هذا التباين في الخطاب يعكس حساسية الموقف، حيث تخشى أبوجا من أن يُنظر إليها كحليف ضعيف يعتمد على قوة أجنبية لحماية أراضيه، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
ويرى محللون أن الغارات الأمريكية تحمل أبعادا تتجاوز حدود نيجيريا. فهي جزء من استراتيجية أوسع لواشنطن في غرب أفريقيا، حيث تسعى إلى منع تمدد تنظيم داعش بعد تراجع نفوذه في العراق وسوريا.
ويشير خبراء أمنيون إلى أن الولايات المتحدة قد تزيد من حضورها العسكري في المنطقة، سواء عبر قواعد صغيرة أو عبر تعاون استخباراتي موسع مع حكومات محلية، ما يثير مخاوف من أن تتحول غرب أفريقيا إلى ساحة مواجهة جديدة بين القوى الكبرى والجماعات المتطرفة، وفقا لموقع بوليتكو.
لكن هذه الاستراتيجية ليست بلا تكلفة، فالتدخل الأمريكي يثير حساسية شعبية في نيجيريا، حيث يتذكر كثيرون تجربة التعاون العسكري السابق مع واشنطن في مكافحة جماعة بوكو حرام، والذي لم ينجح في القضاء على التنظيم بل أدى إلى مزيد من التعقيد.
ويخشى منتقدون أن تكرار السيناريو نفسه مع تنظيم داعش سيؤدي إلى نتائج عكسية، عبر تغذية خطاب الجماعات المسلحة التي تقدم نفسها كمدافع عن السيادة الوطنية ضد التدخل الأجنبي وفقا لصحيفة واشنطن بوست
وعلى المستوى الإقليمي، تطرح الغارات الأمريكية أسئلة حول مستقبل التعاون الأمني بين نيجيريا وجيرانها. فالدول المجاورة مثل النيجر وتشاد تواجه تهديدات مماثلة من الجماعات المسلحة، وقد ترى في التدخل الأمريكي فرصة لتعزيز قدراتها الدفاعية.
لكن في المقابل، قد يؤدي هذا التدخل إلى توترات دبلوماسية مع قوى أخرى مثل روسيا والصين، اللتين تسعيان إلى تعزيز نفوذهما في أفريقيا عبر صفقات تسليح واستثمارات اقتصادية كما ترجح فايننشال تايمز.
واقتصاديًا، يثير استمرار العمليات العسكرية مخاوف من تأثيرها على الاستقرار في شمال غرب نيجيريا، وهي منطقة تعتمد على الزراعة والتجارة عبر الحدود. فالغارات الجوية قد تعطل النشاط الاقتصادي وتدفع السكان إلى النزوح، ما يزيد من الضغوط على الحكومة النيجيرية التي تواجه بالفعل تحديات في توفير الخدمات الأساسية.
وكشف نشر الجيش الأمريكي لفيديو الصاروخ بعد الغارة الجوية في شمال غرب نيجيريا عن تصعيد جديد في الحرب ضد تنظيم داعش في أفريقيا.
لكنه أيضًا يسلط الضوء على التناقضات العميقة بين رغبة واشنطن في حماية مصالحها ومكافحة الجماعات المتطرفة، وبين مخاوف النيجيريين من فقدان السيادة الوطنية وتفاقم الأزمة الأمنية.
ومع استمرار الجدل حول جدوى التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الغارات ستساهم في تعزيز الاستقرار، أم أنها ستفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الفوضى والعنف في المنطقة، كما ترجح صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.





