الإثنين 08 ديسمبر 2025 الموافق 17 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

المستوطنون الإسرائيليون يطردون البدو من الضفة الغربية بمساعدة جيش الاحتلال

الرئيس نيوز

سلّطت صحيفة تورنتو ستار الضوء على حملة تهجير قسري منظمة ومكثفة تستهدف التجمعات البدوية والرعوية الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة. وتتم هذه الحملة، التي يقودها المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون، بدعم متزايد من سلطات الاحتلال والجيش، مما يخلق واقعًا جديدًا على الأرض يهدد بتمزيق النسيج الجغرافي الفلسطيني. 

وتؤكد منظمات مراقبة الاستيطان أن المستوطنين يعملون "بدعم من الحكومة والجيش الإسرائيليين"، مما يعكس تحول هذا العنف إلى سياسة ممنهجة.

ارتفاع قياسي في النزوح منذ أكتوبر 2023

شهد العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية تصاعدًا غير مسبوق منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023. 

وقد كشفت أرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن حوالي 3،200 فلسطيني من عشرات التجمعات البدوية والرعوية قد أُجبروا على النزوح من منازلهم بفعل عنف المستوطنين والقيود المفروضة على الحركة خلال الأشهر الماضية فقط. 

ووصلت هذه الموجة العنيفة ذروتها لدرجة أن الأمم المتحدة وصفت شهر أكتوبر الماضي بأنه الأسوأ لعنف المستوطنين منذ بدء تسجيل الحوادث في عام 2006، مع الإشارة إلى أن السلطات الإسرائيلية لم تُحاسب تقريبًا أيًا من مرتكبي هذه الانتهاكات.

ويأتي هذا النزوح القسري في سياق هدف استراتيجي أوسع: السيطرة على الأراضي. فقد أوضح تقرير صدر عن منظمات إسرائيلية لمراقبة الاستيطان مثل حركة "السلام الآن" "Peace Now"، ومجموعة "Kerem Navot"، من بين المنظمات غير الحكومية في ديسمبر الماضي أن المستوطنين استخدموا البؤر الاستيطانية الجديدة، التي تُقام غالبًا كـبؤر رعوية، للسيطرة على 14% من أراضي الضفة الغربية في السنوات الأخيرة، مستغلين بذلك الغطاء الأمني والسياسي المتاح لهم.

شهادة أحمد كعابنة: 45 عامًا من الحياة تنتهي بالإجبار

لعل القصة الشخصية لـأحمد كعابنة (45 عامًا) من منطقة الحثرورة في وسط الضفة الغربية تلخص معاناة آلاف العائلات. بعد أن نجح عنف المستوطنين في طرد إخوته من أرض العائلة التي عاشت عليها لأجيال، ظل كعابنة مقاومًا. لكن الإصرار على البقاء انهار عندما قام مجموعة من المستوطنين الشباب ببناء كوخ على بعد حوالي 100 متر فقط فوق منزله، وبدأوا في ترهيب أطفاله.

 يروي كعابنة بمرارة سبب اضطراره للفرار، تاركًا وراءه 45 عامًا من الحياة: "ماذا عساك أن تفعل؟ هم الأقوياء ونحن الضعفاء، وليس لدينا أي قوة".

ولم يعد التجمع الصغير من البيوت المعدنية والخشبية، حيث عاشت عائلة كعابنة، سوى مجموعة من الأطلال المهجورة. 

وفي موقع عائلته الجديد المؤقت، على بعد 13 كيلومترًا شمال شرق موطنهم الأصلي بالقرب من أريحا، يعبر كعابنة عن شعوره بالاقتلاع: "نحن في مكان لم نعيش فيه من قبل، والحياة هنا صعبة".

فوضى التهجير وتواطؤ السلطات

تعتمد الحملة على تكتيكات العنف والإرهاب اليومي، المتمثلة في إنشاء البؤر الاستيطانية واستخدامها كقواعد للتحرش. وقد زار مراسلو وكالة فرانس برس مجمع كعابنة قبل أسابيع من إخلائه وشاهدوا الأوضاع المتدهورة، حيث روى كعابنة وقتها أن المستوطنين "يصرخون طوال الليل، ويرمون الحجارة، ويمشون وسط المنازل... لم يسمحوا لنا بالنوم ليلًا، ولا التحرك بحرية في النهار". 

هذه المضايقات المستمرة أدت إلى رحيل فوضوي، كما ظهر في بقايا الحياة المهجورة من دراجات الأطفال المقلوبة والأحذية والأغراض التي خلفوها وراءهم.

وأوضحت الناشطة الإسرائيلية سحر كان تور، من مجموعة "نقوم معًا"، المشهد بقولها إن المستوطنين "يزدهرون على الفوضى"، مشيرًا إلى أن المنطقة هي "أرض بلا قوانين" حيث لا يتم إنفاذ القانون إلا نادرًا. ويؤكد كان تور أن غياب المساءلة يحول المنطقة إلى بيئة تشجع على العنف.

ويُعتقد أن المستوطنين يستهدفون هذا الشريط من الضفة الغربية بشكل خاص لأنه يمثل أهمية حاسمة لـمنع إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا.

وتكتمل صورة التواطؤ عندما يتم النظر إلى الحكومة الإسرائيلية نفسها، التي يضم مجلس وزرائها مستوطنين وزعماء من اليمين المتطرف، والذين دعوا علنًا إلى ضم الضفة الغربية. 

هذا الدعم السياسي الرسمي هو ما يمنح المستوطنين الجرأة للعمل "بدعم من الحكومة والجيش الإسرائيليين"، بحسب منظمات المراقبة.

الملاحقة المستمرة وتهديد الوجود

ويزداد المشهد قتامة مع إدراك أن التهديد يلاحق العائلات النازحة حتى في مواقعها الجديدة. ففي موقعه الحالي المؤقت، قال كعابنة إن المستوطنين قد مروا بالفعل وشوهدوا يراقبونهم من التل، ليخلص إلى أن "حتى هذه المنطقة، التي يجب اعتبارها آمنة، ليست آمنة حقًا. إنهم يلاحقوننا في كل مكان". 

هذا الاستهداف المستمر لسبل عيش البدو وأمنهم يمثل خطة لـتفريغ الأراضي من سكانها الأصليين وتهديدًا مباشرًا لإمكانية أي حل سياسي مستقبلي.