الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

حكايات المصريين مع الأوبئة (6): الحكومة تستعين بـ"رابعة طب" لمواجهة الكوليرا.. ومضاعفة رواتبهم 15 مرة

صور أرشيفية
صور أرشيفية

- تعطيل الدراسة بالكلية وتأجيل الامتحانات إلى يناير 1903.. وعدد طلاب "دُفعة الوباء" 10 فقط

طوال تاريخها، عاشت مصر فترات مظلمة مع الأوبئة التي حلّت ضيفا ثقيلا على المصريين، فأشاعت الموت والذُعر وحصت الأوراح بشكل جنوني.

فيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19" ليس التجربة الأولى لمصر مع الأوبئة، إذ سبقه الكثير من الجوائح التي تحالفت معها عوامل تخلف كثيرة، جعلت الخسائر البشرية فادحة، ما أخذ يخف تدريجيا بفعل التقدم البشري عموما والطبي على وجه الخصوص.

من تلك التجارب القدرية القاسية، نسرد عدة حكايات من أرشيف المصريين مع الأوبئة وكيف تجاوزوها لتنتصر الحياة في النهاية.

في إجراء متوقع لمواجهة فيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19"، أعلنت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، اليوم، تكليف الأطباء البشريين دفعة 2018، تكليف مارس 2020، والذين لم يتقدموا لحركة التكليف، يوم السبت المقبل، نظرا للظروف الصحية التي تمر بها البلاد.

خطوة وزارة الصحة تمثل واحدة من إجراءات كثيرة ضمن الإجراءات الاحترازية لمحاصرة الوباء المتفشي، خصوصا بعد تخطي عدد الإصابات اليومية حاجز الـ700 حالة.

لكن هل تعلم أن هذا الإجراء ليس جديدا على مصر، بل إنه بفضل التطور والظروف الاجتماعية، أهون كثيرا من إجراء اتخذته الحكومة المصرية لمواجهة وباء آخر، عام 1902.


اقرأ أيضا: لماذا منع محمد علي النساء من "الولولة" على ضحايا الطاعون؟


في أواخر شهر مايو من ذلك العام، ظهر وباء الكوليرا في مصر، وكانت البؤرة هي قرية "موشا" في أسيوط بالصعيد.

في تلك الأثناء، كان طلاب السنة النهائية بكلية الطب (مدرسة آنذاك) يستعدون بكل جد لدخول الامتحان والتخرج.

لكن قدر الوباء اضطر الحكومة إلى تعطيل الدراسة في الكلية، والاستعانة بطلاب السنتين الثالثة والرابعة، لمساعدة الأطباء الأساسيين في مكافحة الوباء، ولاسيما طلاب السنة الأخيرة لأنها النهائية، إذ كانت دراسة الطب في مصر آنذاك مدتها أربع سنوات فقط.

ومقابل هذه الخدمة الاضطرارية، قررت الحكومة منح لكل طبيب من هؤلاء "الطلبة" راتبا شهريا قيمته خمسة عشر جنيها، وهو ضعف مرتب الطبيب في الأحوال العادية في ذلك العهد، بحسب "محفوظ" باشا.


اقرأ أيضا: قطع "شحمة الأذن" لمكافحة التبول في الشوارع


وبحسب مذكرات رائد الطب المصري نجيب باشا محفوظ، "حياة طبيب"، فإن الدراسة توقفت في الكلية، وتأُجلت الامتحانات إلى أواخر شهر ديسمبر من نفس العام.

وبعد أن انحصر الوباء، عاد الطلبة إلى مقاعد الكلية، ليعقد لهم الامتحان النهائي للتخرج في يناير سنة 1903.

ويلفت "محفوظ" إلى معلومة مهمة تكشف لنا الفارق بين أعداد الأطباء آنذاك مقارنة بالوضع الحالي، فيحكي أنه يوم التحق بمدرسة الطب كان عدد طلاب فرقته سبعة عشر طالبا فقط.

والغريب أن هذا العدد الضئيل بمقاييس اليوم، لم يستمر بالكامل في الدراسة، فمنهم سبعة طلاب استعصت عليهم الدارسة فخرجوا من السنة الأولى أو الثانية، وواحد حوّل أوراقه إلى مدرسة الحقوق، واثنان أخفقا في امتحان السنة الثالثة.

نتج عن ذلك، وفقا لما يحكيه الطبيب الرائد، أن المتقدمين للتخرج في السنة الرابعة النهائية كانوا عشرة طلاب فقط.


اقرأ أيضا: الماء ينقل الكوليرا من مكة إلى الصعيد.. والرشوة تنشر الوباء


ويضرب نجيب باشا محفوظ مثالا بنفسه في تلك الظروف الصعبة، إذ كان ممن استعانت بهم الحكومة لمساعدة الأطباء الأساسيين، وكان آنذاك في السنة النهائية، وعمره 19 سنة فقط.

ويحكي "محفوظ" أنه تم تعيينه سريعا للعمل في محطة القاهرة للسكك الحديدية: "أفحص المشتبه فيهم من القادمين في قطارات الصعيد، وأتخذ إجراءات التسهيل لشحن المهمات الطبية إلى تلك القرية، ولبثت في هذا العمل خمسة عشر يوما".

لكن الطالب "الطبيب" الشاب سئم هذه المهمة، وطلب نقله إلى بؤرة الوباء في قرية "موشا" الصعيدية، وبعد أن استجاب له المسئولون ذهب ولعب دورا رئيسيا في مكافحة الوباء هناك، بل واستعانت به الحكومة لنفس المهمة في مدن مصرية أخرى ظهر فيها "الكوليرا".