الأحد 28 أبريل 2024 الموافق 19 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

حكايات المصريين مع الأوبئة (2): "قطع شحمة الأذن" لمكافحة التبول في الشوارع

الرئيس نيوز

- مسؤولية أطباء قصر العيني عن ردم البرك والمستنقعات ومراقبة الأفران والجزارات

- نقل السلخانات والمدابغ خارج حدود المدن.. والتفتيش على المياه عند اكتشاف تغير لونها ورائحتها

طوال تاريخها، عاشت مصر فترات مظلمة مع الأوبئة التي حلّت ضيفا ثقيلا على المصريين، فأشاعت الموت والذُعر وحصت الأوراح بشكل جنوني.

فيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19" ليس التجربة الأولى لمصر مع الأوبئة إذن، إذ سبقه الكثير من الجوائح التي تحالفت معها عوامل تخلف كثيرة، جعلت الخسائر البشرية فادحة، الأمر الذي أخذ يخف تدريجيا بفعل التقدم البشري عموما والطبي على وجه الخصوص.

من تلك التجارب "القدرية" القاسية، نسرد عدة حكايات من أرشيف المصريين مع الأوبئة وكيف تجاوزوها لتنتصر الحياة في النهاية.

ما زلنا مع عصر محمد علي الذي اجتاحت فيه عدة أوبئة مصر، مخلفة ضحايا كثيرة، لكن ما منع من استفحال الأمر هو خطوات محمد علي لتأسيس منظومة صحية حديثة بدأت بمشتشفى أبي زعبل العسكرية، قبل أن تنتقل إلى قصر العيني، أعرق مستشفى وكلية طب في الشرق الأوسط.

نُكمل مع المؤرخ الدكتور خالد فهمي، اعتمادا على دراسته المهمة "الجسد والحداثة.. الطب والقانون في مصر الحديثة"، الصادر عن دار الوثائق القومية عام 2006 من ترجمة المؤرخ الدكتور شريف يونس.

يتعرض "فهمي" لأثر الإصلاح الطبي في منتصف القرن التاسع عشر على المصريين، سادرا عدة إجراءات اتخدتها السلطة للحفاظ على الصحة العامة، في وقت كان الجدري والطاعون والكوليرا أوبئة قاتلة تهاجم مصر كل عدة سنوات.

الإجراءات الصحية المشددة والتي كانت جديدة على المصريين آنذاك، عُهد بتنفيذها إلى الأطباء الشبان المتخرجين حديثا من مدرسة قصر العيني للطب، والذي كانوا يعينون في ضبطيات بالمدن والمديريات بالأرياف للكشف على الجرحة وتحديد أسباب الوفيات بالأساس.

لكن، بحسب ما يكشفه "فهمي" من واقع وثائق تلك الفترة، فإن مهمة هؤلاء تعدت ذلك ضمن خطة لتحسين أحوال الصحة العامة،  إذن "كان هؤلاء الحكماء مسئولين أيضا عن الإشراف على كل العمليات المتعلقة بالصحة العامة مثل نظافة الشوارع وجمع القمامة والتخلص من الفضلات وردم البرك والمستنقعات".

وينقل أستاذ التاريخ الحديث نقلا عن وثيقة تتضمن لائحة صدرت عام 1846 كانت تأمر بـ"رفع وإزالة العفونة والعفاشة الموجبة لمضرة الأنام وردم البرك وتصريف المحلات المتعفنة بأطراف الجوامع وتنظيف الأماكن الغير نظيفة"، بتكليف "عساكر وحُكما للمرور وإزالة الوخامة والعفونة وردم البرك المتعفنة".

ويعود "فهمي" سنوات قليلة إلى الوراء، وتحديدا عام 1835 عندما اُقترح تشكيل قوة شرطة خاصة من ستة أفراد للتفتيش وتنفيذ إجراءات صحية عامة من خلال المرور بالأزقة والطرقات بالعاصمة وتنظيفها.

اللافت للنظر هنا هو العقوبة التي كانت تفرض على المخالفين، فبحسب الوثائق التي كانت مليئة بالاخطاء الإملائية، فإنت هؤلاء "إذا نظروا أحدا يبول ويزيل الغائط.. بالأزقة.. حالا يسمروا أحد أوزنيه بمحل الواقعة لحد الغروب عبرتا للغير.. وحينما ينظروا أحدا يلقي أتربة وكناسة بالخليج (المصري) أو بالأزقة.. ففي الحال يتوجهوا بمسمروا باب منزل تلك الشخص ويتركوه ممستر ثلاثة أيام".

ويفسر "فهمي" العقوبة بأن كلمة "أوزنيه" الواردة في النص المقصود بها "أذنيه"، مشيفا أن العقوبة كانت تهدف لتجريس الشخص بقطع شحمةأذنه، اعتمادا على موروثات تلك الفترة كما يقول المؤرخ الشهير "الجبرتي" الذي تعرض في تأريخه لبشاعة وشطط العقاب الذي كان محتسبو محمد علي يتلذذون بتوقيعه على المخالفين.

بخلاف ذلك، "كان الأطباء يشرفون بدقة على كل العاملين في الأنشطة التجارية التي لها صلة ما بالصحة العامة: مثل باعة الطعام والخبازين والجزارين والصيادلة والعطارين".

كما كانوا يراقبون ويفتشون على جودة المياه التي تصل للمنازل، بعد ورود شكاوى عديدة من أعيان وأجانب وأهالي العاصمة من رداءتها، إذ وجدت بعد الكشف عليها "متغيرة ومتلونة بلون أخضر طحلبي محتوية في باطنها على بعض حيوانات نقيعية.. ومكتسبة رايحة عطنة".

ويختم "فهمي" بأنه تم، ضمن الإجراءات الصحية العامة، نقل السلخانات إلى حواف المدن وتنظيفها، بالإضافة إلى نقل المدابغ إلى خارج المدن تماما.