الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

محمود بكر أحد أحفاده.. قصة تاجر الكراسي الذي أنقذ "قصر العيني"

محمود بكر- علي الوقاد
محمود بكر- علي الوقاد

كثير منا يعرف أن مستشفى قصر العيني الشهير مُقام مكان قصر رائع كان مبنيا على كورنيش النيل لصاحبه أحمد بن العيني، من رجال المماليك، لكن القليل قد لا يعرف أن القصر الأصلي نُقل إلى مكان آخر ولم يُهدم تماما.

القصة حكاها الكاتب مكاوي سعيد في كتابه "القاهرة وما فيها"، اعتمادا على ما كتبه الروائي خيري شلبي في كتابه "بطن البقرة"، لنفاجأ بالعديد من الأسرار المثيرة.


هدم قصر العيني

بعد أن قدم الطبيب الفرنسي إلى مصر في عهد محمد علي لإنشاء وتطوير المنظومة الصحية آنذاك، اقترح على الوالي نقل المستشفى العسكري الذي أقيم في أبو زعبل، إلى مكان آخر على نهر النيل.

وقع الاختيار على قصر العيني الذي سبق واستخدمه نابليون مستشفى لجنوده أثناء الحملة الفرنسية، لكن الأمر كان مختلفا تلك المرة، إذ تطلب هدم المبنى الأساسي لإقامة آخر مصمم وفق أسلوب المنشآت الصحية الحديثة.

هنا، في عام 1925، تقرر هدم قصر العيني، الأمر الذي كان مفاجئًا ومحزنا للكثيرين من شدة روعة المبنى. يقول المؤلف أن "كثيرون من عامة الشعب المصرى عندما علموا بقرار محمد على هدم القصر شعروا بالإشفاق على هذا القصر الجميل، وذهبوا جماعات لإلقاء نظرة وداع تجاه القصر، وكان منهم من يتفتت قلبه حزناً على هذا البناء الأثرى الجميل، الذى ربما لا يجود الزمان بمثله".

في تلك الأثناء، كان المهندسون الفرنسيون يتناقشون في خطة الإزالة، وبجانبهم بعض المقاولين الذي جاءوا لشراء أنقاض القصر، لكن واحدا من العامة كان بجانب هؤلاء فسمع ما يدور.


 قصة علي الوقاد 

يُكمل الكاتب أن شخصا اسمه علي الوقاد كان "يسترق السمع لحديث المهندسين عن طراز البناء ومنظر بوابات القصر وما فيها من مشغولات زخرفية، وفهم من حديثهم أن هذه البوابات والجدران- بفضل التقدم العلمى الحديث- يمكن نقلها من مكان لآخر. فأضاءت الفكرة رأسه".

بحسب الكتاب، فإن "الوقاد" كان موهوبا وتاجرا فى صنعة شغل الخيرزان خاصة الكراسى والكنب والأسرّة، ومهارته حققت له شهرة وكفلت له دخلا ماديا لا بأس به، ولما كبر في السن عهد إلى أولاده بالعمل.

ويلفت المؤلف إلى أحفاد "الوقاد" المعروفين للمصريين، فيقول إنه جد الشهيد نبيل الوقاد، أحد أبطال الصاعقة المصرية وأول شهيد في حرب اليمن، كما أنه جد الكابتن محمود بكر، المعلق الرياضي الراحل والذي كان ضابطا في الجيش المصري أيضا، وخرج على رتبة "عقيد".

تفرغ الشيخ علي الوقاد للتأمل في ملكوت الله، والاهتمام بالآخرة بعد الموت. ومن أجل ذلك، اشترى على الوقاد 10 آلاف فدان في منطقة صحراء المماليك بالقرب من الجمالية، وزرعها بالفاكهة، ليتخذها مقرا لأيامه الأخيرة في الدنيا، وجاءت فكرة شراء أجزاء من قصر العيني لتكمل تصوره.


بستان يحفظ قطعة معمارية مذهلة

رسا المزاد على "الوقاد" واشترى بالفعل أجزاء من القصر، و"طبقا للخطة قام المهندسون الفرنسيون بشق الجدران بالمناشير إلى شرائح صغيرة. وأشرفوا على تحميلها على عربات الكارو بطريقة فنية مدروسة، كل شريحة تحمل رقمًا، ثم تابعها المهندسون إلى مقرها في بستان علي الوقاد في مقابر المجاورين".

وفي أرض "الوقاد"، ركب المهندسون أجزاء القصر على نفس النسق الذي كانت عليه في مكانها الأصلي، لتشكل مجموعة بوابات تُفضي إلى عمق البستان الذي زرعه صاحبه.

بجانب ذلك، كان "الوقاد" اشترى بعض محتويات القصر، مثل حوض استحمام من المرمر لا يزال موجودا إلى الآن. ثم بنى مسجدا ومن ورائه مقبرة ليُدفن فيها.

ويشيد الكاتب بما فعله الشيخ علي الوقاد، قائلا إنه حفظ قطعة معمارية مذهلة، لافتا إلى أن البوابات ما زالت على وضعها حتى الآن بعد نحو 200 سنة، دون أن تتأثر حتى بزلزال 1992 الذي دمر عددا كبيرا من مباني مصر آنذاك.