الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

نافست "الوفد" ومنعت حالات "الطلاق".. قصة "جليلة" فتوة الجيزة من الخناقات إلى التوبة

فتوة قديمة من القاهرة-
فتوة قديمة من القاهرة- الفنانة فريدة سيف النصر في مسلسل "الف

لم يكن عالم الفتونة في مصر مقصورا على الرجال فقط، إذ أن النساء كان لهن باع في هذا "الكار"، بل إنهن تفوقن كثيرا على الرجال، وأصبحت لهم اليد العليا في العديد من الأحياء.


ومؤخرا، ظهرت شخصية الفتوة السيدة في أحداث مسلسل "الفتوة" الذي يُعرض حاليا، من خلال شخصية "الحاج أحمد"، التي أدتها الفنانة فريدة سيف النصر، لتجسد في عدة مشاهد قصة ليست بعيدة عن الحقيقة.

كتاب "تاريخ فتوات مصر.. ومعاركهم الدامية"، لمؤلفه سيد صديق عبد الفتاح، والصادر عن مكتبة مدبولي عام 1995، خصص فصلا لقصص الفتونة النسائية، نسرد واحدة منها في السطور التالية.

في عام 1957، فوجئ أهالي محافظة الجيزة، وخصوصا في حارة "سوق الأحد" بالمعلمة جليلة، تفتتح قهوة بلدي، لتودع عالم النبوت والفتونة إلى أجواء الشيشة والمشاريب.

كلفت القهوة الجديدة جليلة 500 جنيه، ادخرتها لتكون طريقها لـ"التوبة" عن المشاكل، وأصبح من روادها كل أولاد البلد من كل مكان، ومنهم الغرباء الذين كانوا يريدون فقط رؤية الفتوة القديمة التي كانت تتمتع بشهرة كبيرة.

في تلك الأيام، كانت جليلة تردد بعصبية: "خلاص.. خلي الواحد يعيش كده أحسن، أحسن من الضرب والقرف اللي جاب لنا المصايب".
كان السبب في نهاية قصة جليلة من "الفتونة" إلى "المعلمة" حدثا مؤلما للغاية كلفها الكثير، لكن دعونا  نرويها من البداية.

 اشترطت على عريسها فض مشاجرة للموافقة

ينقل المؤلف عن أهل الحي أن جليلة تزوجت في شبابها من شخص اسمه "عباس"، فبعد أن شاهدها في معركة وأُعجب بالقوة التي كانت تتمتع بها، ذهب إلى أخيها ليطلب يدها، لكنها وضعت شرطا واحدا للعريس.
يحكي المؤلف أن جليلة طلبت من عباس أن يثبت قوته وشجاعته لترتبط به، فأخذته إلى مشاجرة، وطلبت منه أن يخرج لفضها، وإذا استطاع أن يفضها فستكون زوجته، وإذا لم يستطع فلن تتزوجه.

وبالفعل، دخل عباس المشاجرة واستطاع بفضل قوته البدنية أن يفضها في سهولة تامة، فقبلت جليلة به زوجا، وأصبحا زوجين سعيدين للغاية.
وفي الحي، كانت جليلة تفرض قانونها الخاص، الذي لا يخلو من شهامة وجدعنة. يقول المؤلف إنها كانت "لا تدخل أي مشاجرة لمجرد الخناق فقط، ولكنها كانت تدخل المشاجرات بدافع الشهامة، وحماية الضعيف من القوي".

"علقة" منها لكل رجل يعتدي على زوجته

والشيء اللافت في قصة جليلة هو تأثيرها الاجتماعي في محيطها، إذ روى أهل منطقتها أن نسبة الطلاق في الحارة كانت نادرة للغاية، إذ أن "فتوة حتتهم" كانت تذهب إلى أي زوج يتشاجر مع زوجته في الحال، وعندما تتأكد أنه ظلم زوجته تتصدى له وتضربه "علقة" لا يعود بعدها إلى الاعتداء على حقوق زوجته.

بخلاف ذلك، كانت مشاجرات حارة جليلة قلّما تصل إلى أقسام البوليس، لأن الفتوة دائما ما كانت تنهيها قبل تدخل رجال الأمن، وتعاقب الظالم.

مرشح "الوفد" طلب من البوليس الحماية بسببها في الانتخابات

أدوار جليلة في منطقتها تعدت ذلك عام 1950، عندما لعبت دورا بارزا في معركة سياسية إبان الانتخابات البرلمانية آنذاك.
ويروي المؤلف أن "أحد أبناء الحي قد قام بترشيح نفسه أمام مرشح معروف من حزب الوفد، فتعصبت جليلة لابن حتتها وبدأت تقوم بحملة دعاية واسعة النطاق له".
أثناء الحملة الانتخابية تلك ضد الحزب الأكبر شعبية وقتها، كانت جليلة "تلبس ملابس الرجال، وتزين صدرها بشريط مثل الذي يلبسه المحامون، وكانت تركب العربة "الكارو" بعد أن تضع الشال على رقبتها، وتطوف في الشوارع مع جيرانها وهي تصفق بحياة ابن حيها".

في المقابل، أدرك حزب الوفد أنه ينافس جليلة بعد تدخلها لصالح ابن منطقتها، فأرسل المرشح الوفدي إليها وفدا من أنصاره يحاولون مساومتها لكسبها إلى صفهم، لكنها رفضت ذلك وتمسكت بمساندة ابن حيها في الانتخابات.
وردا على محاولة المساومة تلك، أخذت جليلة تهاجم المرشح الوفدي في كل مكان يذهب إليه، وبكل الوسائل، "حتى أن هذا العضو في يوم الانتخابات طلب بنفسه الحماية منها في البوليس، واضطر إلى أن يؤلف لجنة لمحاربة الدعاية التي كانت تقوم بها جليلة وأعوانها".
ويشير المؤلف إلى أن أول الحملات المعنوية من مرشح الوفد للنيل من جليلة، كان التشنيع عليها، فأطلق أنصاره عليها لقب "سكسكة" في محاولة للسخرية منها، بل إنهم راحوا يؤلفون شعرا هجائيا فيه بلغة ذلك العصر، فكانوا يرددون: "يا رب أهلك سكسكة في يوم حرب مهلكة".

اعترفت على أبنائها في جريمة قتل

بعد 7 سنوات من ذلك التاريخ، وقعت حادثة جعلت جليلة تكره عالم الفتونة والمشاكل، عندما فقدت أخوها ودخل أبناؤها الثلاثة السجن.
يروي المؤلف أن مها، زوجة أخيها مرسي، تشاجر مع ابن جليلة الأكبر محمد،  ولما صل الخبر إلى مرسي ذهب إلى القهوة التي يعمل بها أبناؤها الثلاثة, وبدأ يعاتب محمد فتطور العتاب إلى مشاجرة بالكراسي والسكاكين، وانتهت المعركة بقتل مرسي، ودخول أولادها الثلاثة السجن.
وينقل المؤلف أن جليلة كانت تتذكر هذه القصة وعيناها تدمعان قائلة: "أنا أصلي أحب الحق حتى لو على أولادي.. وعشان كده ساعدت الحكومة في القبض عليهم، وشهدت ضدهم قدام النيابة".