الخميس 02 مايو 2024 الموافق 23 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

حكايات المصريين مع الأوبئة (4): الإسكندرية تتصدى لـ"الكوليرا".. ومحرم بك يفرض الحجر الصحي

الرئيس نيوز

تأسيس هيئة دولية للحجر الصحي في المدينة عام 1831.. و"كورنتينا" مشددة على دمياط ورشيد
محمد علي يمنع السفن التركية من دخول الموانئ المصرية.. وحجز البحارة والمسافرين لمنع الطاعون


طوال تاريخها، عاشت مصر فترات مظلمة مع الأوبئة التي حلّت ضيفا ثقيلا على المصريين، فأشاعت الموت والذُعر وحصت الأوراح بشكل جنوني.
فيروس كورونا المستجد "كوفيد- 19" ليس التجربة الأولى لمصر مع الأوبئة، إذ سبقه الكثير من الجوائح التي تحالفت معها عوامل تخلف كثيرة، جعلت الخسائر البشرية فادحة، ما أخذ يخف تدريجيا بفعل التقدم البشري عموما والطبي على وجه الخصوص.
من تلك التجارب القدرية القاسية، نسرد عدة حكايات من أرشيف المصريين مع الأوبئة وكيف تجاوزوها لتنتصر الحياة في النهاية.

"الهواء الأصفر" على الأبواب

برغم عشرات الآلاف الذين راحوا ضحية وباءي الطاعون والكوليرا اللذان ضربا مصر في القرن التاسع عشر، فإن الإجراءات التي اتخذتها السلطات آنذاك، حالت دون حدوث كوارث أكثر فداحة.
ففي عام 1812، بمجرد أن سمع محمد على باشا، والي مصر، بظهور وباء الطاعون في إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية، قرر فرض حجر صحي بحري على السفن التركية، في خطوة لافتة ضد بضائع الباب العالي نفسه، كانت نتيجتها أن الطاعون لم يدخل مصر في تلك السنة.
وفي كتابه "الأوبئة والتاريخ: المرض والقوة الإمبريالية"، الصادر عن المركز القومي للترجمة قبل سنوات، يشرح شلدون واتس خطوات الباشا لمكافحة الوباء، مثنيا على عقلية محمد علي التي "التزمت بمفهوم النظام" في زمن المرض.
يقول المؤلف، إن محمد علي تعامل مع مشكلة الأفراد والبضائع القادمة من موانئ الشرق الموبوءة بالطاعون، بتأسيس مستشفى للأمراض المعدية ومخزن بدمياط.
رغم ذلك، يروي "واتس" أنه وبرغم احتياطات الحجر الصحي التي اتخذت في عام 1834، دخل الطاعون الموانئ المصرية الواقعة على البحر المتوسط بقوة كبيرة في السنة التالية.
يحكي: "خلال الشهور الأولى، لم تتأثر إلا المناطق البعيدة بالقرب من الإسكندرية، ومع ذلك ضرب محمد علي كردونا صحيا حول المدينة، واتخذ تدبيرات مشددة، وقامت الشرطة والجيش بحبس ضحايا الطاعون في مستشفيات الأمراض المعدية وحرق متعلقاتهم الشخصية".
ويشبه مؤلف الكتاب إجراءات محمد علي بما كان يحدث في أوروبا آنذاك، حتى من ناحية التقسيم الاجتماعي، إذ أن "أهالي الإسكندرية من الطبقة المتوسطة أو العليا الذين كان يُشتبه في مرض أحد أفراد أسرتهم، كان يتم ترحيلهم مع عزل أهل البيت. وفي المقابل كان يتم تجميع أسر الطبقات الفقيرة المشتبه في إصابة أحد أفرادها بالطاعون ليلا ونقلهم إلى مراكز الحجر الصحي في حافة المدينة".

الإسكندرية تهزم الكوليرا

وفي محاولة لتكملة الصورة، نذهب إلى كتاب "كل رجال الباشا"، لأستاذ التاريخ د. خالد فهمي، والذي استعرض فيه إجراءات محمد علي الصحية المشددة، والتي جاءت بشكل أساسي على هامش تأسيسه لجيش حديث يحاول الحفاظ على أفراده.
يكشف لنا المؤلف أن غيطاني بك، طبيب محمد علي الإيطالي، هو من اقترح على الباشا "الحد من دخول السفن الآتية من إسطنبول" لمنع الطاعون من دخول مصر.
وعن العام التالي، 1835، والذي تسلل فيه الوباء إلى الأراضي المصرية، وخصوصا في الدلتا، يشير "فهمي" إلى أن محمد علي رغب في إقامة حجر صجي "كورنتينا" في الإسكندرية، يحجز المسافرين والبحارة الذين يصلون من مناطق مصابة بالطاعون، على أساس أنه من المحتمل أن يكون المرض قد أصابها أولا.
وبكشل خاص، كان محمد علي يهتم بالإسكندرية كونها مدينة ساحلية سريعة النمو تجاريا وسكانيا، لذلك، فإنه – كما يروي المؤلف – أمر عام 1828، زوج ابنته، محرم بك، الذي كان محافظا للإسكندرية آنذاك، بأن يستشير القناصل الأجانب في المدينة ليضع مسودة للوائح الحجر الصحي وينفذها هناك.
بخلاف ذلك، فُرض الحجر الصحي على ميناء دمياط عام 1829 ورشيد 1831، وهي السنة التي تطورت فيها الإجراءات بشكل لافت.
يكشف "فهمي" أنه في مواجهة تفشي وباء الكوليرا عام 1831، أقيمت هيئة دولية للحجر الصحي في الإسكندرية تتكون من مختلف القناصل الأجانب في المدينة، يعتبرها المحاولة الأولى من نوعها للسيطرة دوليا على المرض.