الأربعاء 31 ديسمبر 2025 الموافق 11 رجب 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

حوار| جميلة إسماعيل: برلمان 2025 ولد بخلل بنيوي.. وشاركنا للبقاء على قيد السياسة (1-2)

الرئيس نيوز

رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل في حوارها لـ"الرئيس نيوز": 

الغياب عن الاستحقاقات النيابية أخطر من المشاركة الواعية

شاركنا لكسر حصار 13 عاما ومكسبنا ليس المقاعد بل البقاء على قيد السياسة 

الانتخابات بنظام القائمة المغلقة كارثة ديمقراطية.. والعملية الانتخابية تحولت لتعيين

منشور الرئيس فيتو أعترف بالأزمة لكن الجرائم الانتخابية قُيدت ضد مجهول

خوضنا حربا على 12 مقعدا لكسر القطيعة القسرية مع الشارع

برلمان 2025 ولد بخلل بنيوي.. و«الجواب بيبان من عنوانه»

«لسنا كومبارس».. اخترنا الاستقلال السياسي ودفعنا عدم التنسيق مع «مهندسي الانتخابات»

إغلاق المجال العام يخلق فراغا سياسيا يُملأ ببدائل غير صحية

تحالفنا مع «المحافظين» محاولة لفتح ثغرة في جدار الإغلاق السياسي

بين مطرقة «هندسة الانتخابات» وسندان «الإقصاء السياسي» قرر حزب الدستور قطع الصمت السياسي بالمشاركة في انتخابات مجلس النواب 2025 بعد قطيعة استمرت 13 عاما منذ تأسيس الحزب في 2012، فيما وصفته جميلة إسماعيل رئيسة الحزب بـ«كسر القطيعة القسرية مع الشارع» على الرغم من ما وصفته بالخلل البنيوي لنسخة برلمان 2025.

قالت رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، إننا قررنا المشاركة في الانتخابات البرلمانية لأول مرة بعد 13 سنة من المقاطعة منذ تأسيس الحزب في 2012، لأن الغياب الكامل أصبح أخطر من المشاركة الواعية، مؤكدة أن مكسب الحزب لا يُحسب بعدد المقاعد.

وأضافت جميلة إسماعيل في حوارها لـ"الرئيس نيوز" أن التجربة لم تكن مجرد سباق على المقاعد، بل فرصة لتعزيز الوجود السياسي وبناء قواعد شعبية حقيقية، موضحة أن اختيار المرشحين تم عبر عملية منظمة تضمن عدم إقصاء أي عضو راغب في الترشح.

وأكدت أن تعليق الرئيس عبدالفتاح السيسي على انتخابات مجلس النواب 2025 يعكس اعترافا بوجود إشكاليات كبيرة في العملية الانتخابية، وإن التدخل حد من بعض التجاوزات وكشف مخالفات، لكنه لم يضمن محاسبة أحد من مرتكبي الجرائم الانتخابية. إلى نص الحوار..

بداية.. لماذا شارك حزب الدستور في الانتخابات البرلمانية لأول مرة بعد 13 سنة من المقاطعة منذ تأسيسه فى 2012؟

حزب الدستور قرر المشاركة بعد سنوات من المقاطعة لأن الغياب الكامل أصبح أخطر من المشاركة الواعية، ولأننا نرى أن الحزب لابد أن يقطع خطوات في طريق الانتقال من مجرد منصة احتجاج إلى عمل سياسي أكثر وأوسع تأثيرًا، لم ندخل الانتخابات لأن الظروف مثالية، بل لكسر القطيعة مع الشارع التي فرضها إغلاق المجال العام، ولإثبات أن القيود لن تمنعنا من حقنا في السياسة، المشاركة كانت فرصة للوجود خارج المقرات وصفحات السوشيال ميديا، وكسر حاجز الخوف الذي يمنعنا من بناء قواعد شعبية والتواصل المباشر مع المواطنين، باختصار مكسبنا لا يحسب بعدد المقاعد.

برغم عدم حصول الحزب على مقاعد ولكنك تصفي تجربة المشاركة بالناجحة.. كيف ذلك؟

بالقطع تجربة ناجحة رغم صعوباتها على كل الأحزاب والسياسيين الذين يعملون خارج السيطرة، ونضيف بالنسبة للدستور محاولات تحكم جهة الإدارة (لجنة الأحزاب السياسية) في الحزب، والتجربة كانت حرب بالمعنى الحرفي على ١٢ مقعدا ولم يتوقع أكثر الداعمين أننا سنخوض في أول مشاركة معارك بامتداد هذا العدد الذي لم يصل إليه أحزاب معارضة ممن لها خبرات سابقة في الانتخابات، ولم يكن ممكنًا أن نخوض هذه المعارك بدون مرشحين يتمتعون بالجسارة، مثلوا بالنسبة لنا قيادات طبيعية في مناطقهم وكانوا خير مشاركين في كسر القطيعة القسرية مع الشارع، حملاتهم وصلت مباشرة إلى المواطنين وشكلت بذرة قوية لتكوين قواعد شعبية حقيقية رغم ضيق الوقت والموارد، وكافة عناصر تحويل الانتخابات إلى مسابقات في الفساد السياسي.

فالمشاركة لم تكن من أجل وهم الفوز السريع في ظل بيئة مضادة لحق الناس في الاختيار، بل من أجل تحقيق أهداف استراتيجية للحزب، في ظل واقع سياسي معقد وقوانين انتخابية غير عادلة، التجربة على بعضها ستُراجع وتُقيّم لتعزيز التنظيم والحفاظ على استمرار الحزب وقدرته على العمل السياسي الذي يعتمد على قيادات طبيعية تستطيع تكوين شبكات تواصل قوية.

ما التحديات التي واجهها الحزب فى الانتخابات البرلمانية؟

كانت التحديات هائلة منذ البداية، بدءًا من استطلاع رأى الأعضاء فى المشاركة من حيث المبدأ وبعد سنوات طويلة من المقاطعة لكل الاستحقاقات، ثم تحدى قرار المشاركة مع عدم إجراء ترتيبات مع الأجهزة التي تدير العملية الانتخابية أو "تهندسها"- كما يُقال الآن- والتي أصبحت خلال الفترة الأخيرة هي شرط غير مكتوب للمشاركة، وأيضًا بدون أية ضمانات لقبول المرشحين باسم حزبهم رغم أحقيتهم، أضف إلى ذلك الجو العام المسموم الذي يفقد الجميع الثقة ببعضهم، وتعلو فيه نغمة الاتفاقات التحتية على كل ما يتعلق بالانتخابات، والتي يصفها البعض بالمسرحية، بالإضافة إلى منع الأحزاب من التواصل مع محيطها الشعبي، كل هذا كان أكبر تحدٍ دفعنا للمشاركة لكسر الحصار.

ولا أخفيك سرا، عندما قررنا المشاركة، قال البعض إننا منسقون مع مهندسي الانتخابات، وبعد النتائج قيل إننا فشلنا، وتخيل أنه في هذا المناخ العبثي، لو نجحنا في بعض المقاعد، ماذا كانوا سيقولون؟ هذا العبث هو نتيجة العجز والبؤس الذي وصل إليه المشهد السياسي، وليس انعكاسًا لتقصير من الحزب أو المرشحين.

وبعيدًا عن المشهد العبثي، واجهنا على الأرض تحديات إجرائية واضحة منذ البداية، منها ضيق الجدول الزمني، ضعف الإمكانيات، صعوبة الحركة، مناخ عام لا يشجع على المشاركة، مع تضييقات مباشرة وغير مباشرة، وعدم التزام بعض المرشحين وأحزابهم بحدود الإنفاق على الدعاية، حشد الأصوات بالمال، وتجاوزات كبيرة خلال يومي الانتخابات.

رغم كل ذلك، أصر المرشحون على الاستمرار حتى النهاية، ونجحوا في مهمتهم بالخروج من المقرات إلى الشارع، مؤكدين أن هناك بدائل حقيقية لسياسات تُقدَّم لنا على أنها القدر أو الخيار الوحيد المتاح.

وما الذي استفاده الحزب من المشاركة؟

مرة أخرى هذه التجربة لم تكن مجرد سباق على المقاعد، بل فرصة لتعزيز الوجود السياسي، وبناء قواعد شعبية حقيقية، وإثبات أن العمل السياسي المنظم، حتى في ظروف صعبة، قادر على مواجهة الإقصاء وتوسيع مساحة المشاركة المجتمعية.

كيف تم اختيار مرشحي حزب الدستور؟

تم اختيار مرشحي الحزب عبر عملية منظمة تضمن عدم إقصاء أي عضو راغب في الترشح، بدأنا بتقديم استمارة لكل من يرغب في الترشح، تتضمن مجموعة من الأسئلة التي ساعدتنا في تقييم مدى قدرة الأعضاء على تمثيل الحزب وخوض الانتخابات والمنافسة بفعالية، واستند التقييم إلى عدة معايير وهي مدى توافر الدعم الشعبي للمرشح، والخبرات السابقة، والتجارب العملية، والأهم كان الصلابة والإرادة والاستعداد والقدرة على مواجهة تحديات التجربة، خاصة في ظل الظروف الصعبة جدًا التي تمر بها العملية السياسية حاليًا. 

ما تقييمك للانتخابات البرلمانية في ظل نظام القائمة المغلقة؟

كارثة بكل مقاييس الديمقراطية، حتي في الدول التي تتخذها شكلا فارغا، نظام القائمة المغلقة يجعل العملية الانتخابية شكلية وأقرب إلي التعيين، فهو يفرغ الانتخابات من مضمونها الديمقراطي، ويحد من قدرة الناخب على اختيار ممثليه بحرية. 

هذا النظام يضع الأحزاب والمواطنين في خانة المتلقي للأسماء والخيارات المفروضة، ويحدّ من إمكانية بناء ممثلين عن الشعب باختيارهم وتعبيرا عن مصالحهم، لهذا اخترنا بالنسبة لحزب الدستور، المشاركة على المقاعد الفردية لتحقيق الهدف من مشاركتنا.

لماذا لم تتحالف أحزاب المعارضة في قائمة واحدة؟

كانت هناك محاولات ولم تنجح لأسباب كثيرة، فى كل الأحوال السياسة تقوم على الاختلاف والتنافس، لا على الاصطفاف القسري، كل حزب له رؤيته وأولوياته، ولا يمكن فرض موقف موحد على الجميع تحت شعار "الوحدة".

ما تقييمك لتجربة أحزاب الحيز المتاح في الانضمام لقائمة الموالاة؟ 

لا نحب استخدام توصيف "الموالاة"، الأدق هو الحديث عن أحزاب سلطة وأحزاب تعلن أنها معارضة، جوهر الاختلاف هنا أن المعارضة، كما نفهمها، لا تتحرك بتعليمات، بل تختار مواقفها وفق رؤيتها المستقلة من كل فعل سياسي.

لكل حزب حساباته، ونحن اخترنا طريق الاستقلال السياسي حتى لو كان الأصعب، دون مزايدة على أحد، هناك من يفضّل العمل داخل هوامش آمنة، وهناك معارضة مستقلة تدفع ثمن مواقفها، الحكم في النهاية للناس، لا للشعارات، في حزب الدستور اخترنا ألا نكون جزءًا من قائمة واحدة تُذيب الاختلاف، وهو الأصل في السياسة التي تقوم على التعدد والتنافس، لا على الاصطفاف القسري، ودفاعًا عن معنى السياسة نفسه.

وما تقييمك لتحالف الطريق الحر مع حزب المحافظين؟

تحالف «الطريق الحر» مع حزب المحافظين كان تحالفًا انتخابيًا، جاء في سياق واقع سياسي خانق لا يترك للأحزاب المستقلة سوى هوامش ضيقة للحركة، كان الهدف كسر العزلة ومحاولة فتح ثغرة في جدار الإغلاق الكامل.

ونقيّم التجربة سويًا الآن بناءً على ما اختبرناه فعليًا على الأرض، وفي جانب مهم فإن خوض المعركة الانتخابية، بكل ما صاحبها من صراع وضغوط، أتاح احتكاكًا مباشرًا بالشارع، وسيضيف إلى بلورة مواقف سياسية من جانب الحزبين منحازة للفئات المهمشة خارج المشاركة، عبر ممارسة سياسية حية، لا بالاكتفاء بالشعارات أو البيانات.

وفي هذا السياق، السياسة ليست ترفًا يُمارَس من داخل مقرات محاصرة، بل محاولة مستمرة للبقاء والتأثير في ظروف قاسية، وأي قراءة تتجاهل ذلك تساهم ـ حتى بحسن نية ـ في إفراغ السياسة من معناها، وفي مستوى مختلف ندرس جيدًا تجاربنا في التحالف السياسي والانتخابي والتفكير في طرق تتسع فيها دائرة تأثيرنا في قضايا بعينها تهم قطاعات وكتل شعبية واسعة.

هل تدخل الرئيس السيسي بفيتو اعتراضي على ما تم في الانتخابات بالمرحلة الأولى ساهم في توقف التجاوزات في المرحلة الثانية؟

منشور الرئيس يعكس اعترافًا بوجود إشكاليات كبيرة في العملية الانتخابية، التدخل كان نتيجة ارتباك المؤسسات المسؤولة، لكنه حدّ من بعض التجاوزات وكشف مخالفات، رغم أنه لم يضمن محاسبة أحد من مرتكبي الجرائم الانتخابية وهي جرائم بحسب نص الدستور والقانون، لكنها تتحول إلى ضد مجهول ويهرب مرتكبيها من الحساب، والمأساة أن يصبح تدخل الرئيس شرطًا لقيام المؤسسات بدورها، وهذا يوضح ضعف المنظومة المؤسسية أكثر من أي شيء آخر.

كيف تقيمي أداء برلمان 2020؟ وهل تتوقعي أن أداء برلمان 2025 سيكون أفضل؟

أداء برلمان 2020 كان ضعيفًا جدًا، وبعيدًا عن أصوات معارضة تم حصارها، صدر في ظله قوانين ستزيد من أعباء المواطن وتسحب منه الفتات المتبقى من حقوقه، وبرلمان 2025 لن يكون أفضل، لأنه تشكّل بعيدًا عن إرادة شعبية حقيقية، وفي ظل كل الممارسات والانتهاكات التي صاحبت العملية الانتخابية وفى كل الأحوال سننتظر ونراقب رغم أن الجواب بيبان من عنوانه.

وختاما.. لماذا فقدت الأحزاب شعبيتها في الشارع وحقق المستقلين نجاحا أكبر في برلمان 2025؟

كيف ممكن تقييم أداء أحزاب ممنوعة من الحركة، تعقد اجتماعاتها تحت حصار أمنى يخاف أغلب أعضائها من الاعتقال، ويعتبر قادتها يتمتعون بالشجاعة لمجرد أنهم يخرجون قليلا عن النص الذي ترضى عنه السلطة، يكتمل هذا بحملات شيطنة لكل مختلف وشعور الجميع من يمارسون السياسة أنهم تحت طائلة الخوف. 

في هذا المناخ، مجرد الاستمرار والوجود هو بحد ذاته مكسب سياسي، بل أنه من البداية لا يستطيع حزب ممارسة السياسة إلا بالموافقة، رغم النص الدستوري الذي ينص علي أن الأحزاب تعلن بالإخطار، كل هذا جعل الأحزاب مشغولة بالموافقات ومواجهة التهديدات وتوقيف الاختراقات والأزمات المفتعلة أكثر من أى شيء أخر، وضع لا يمكن أن يدفعنا خطوة للأمام، بل يجعلنا أمام فراغ يكبر كل يوم ويكاد يلتهم طاقتنا الحيوية.

في المقابل، نجاح المستقلين يعود لظاهرة أوسع، هي اللقاء المباشر عبر السوشيال ميديا بين السياسي والجماهير، لقاء لا يحتاج موافقة ولا يتطلب تصريحًا أو فاتورة باهظة يدفعها المشاركون في الأطر التقليدية في السياسة، هذا الوضع يضع تحديات جديدة على الأحزاب السياسية ويمنحها في الوقت نفسه رئة للتنفس بعيدًا إذا طورت أدواتها بحثًا عن أدوات أكثر تأثيرا وأوسع انتشارًا.

حقيقة أرى إن السلطة ارتكبت أخطاء جسيمة في إدارة حرية الرأي والتعبير: إغلاق منافذ العمل السياسي أمام الأحزاب، وتضييق الحركة، وتغليظ عقوبات النشر، وفتح قضايا رأي، في مقابل غياب قانون حرية تداول المعلومات، لا يمكن معاقبة الناس على معلومات يُقال إنها كاذبة بينما تُحجب المعلومات الصحيحة أصلًا، هذا ليس حماية للدولة، بل إضعاف للنقاش العام والثقة.

إغلاق المجال العام أمام الأحزاب والنقابات ليس مجرد تنظيم، بل مؤشر أزمة سياسية حقيقية، استمرار هذا الوضع لا ينتج مشاركة أو استقرارًا، بل فراغًا سياسيًا يُملأ ببدائل غير صحية انتخابيًا، ما جرى لم يكن مجرد تزوير أو شراء أصوات، بل خلل بنيوي في تصميم وتنفيذ النظام الانتخابي نفسه، رغم وجود حلول ومقترحات لم يُستمع إليها.