محمد كمال يكتب.. وزير التربية والتعليم بين الرغبة في الإصلاح وتحديات التنفيذ على أرض الواقع
في حواره الموسع مع لميس الحديدي، وضع وزير التربية والتعليم السيد محمد عبداللطيف رؤيته ومحاور عمله في العام ونصف الماضيين أمام الرأي العام، مُجيبًا على أسئلة ملحة تمس كل أسرة مصرية.
جاء خطابه طموحًا وشاملًا، متراوحًا بين الرد الحاسم على قضايا طارئة مثل حماية الأطفال، وشرح مشروعات إصلاحية طويلة المدى كتغيير نظام الثانوية العامة. ونتناول فيما يلي أهم المحاور الإصلاحية المتشابكة التي تناولها الحوار مع طرح رؤية نقدية لها، وتحليل التحديات وصعوبات التنفيذ على أرض الواقع:
أول محور كان الحفاظ على سلامة الطفل: والذي جاء فيه الخطاب الوزاري حازمًا صارمًا، حيث أكد الوزير على أنها حوادث فردية تصل لعدة مدارس بين 62 ألف مدرسة ولا تمثل ظاهرة.
وهو ما سبق وأكده كاتب هذه السطور، ولخطورة هذا الأمر صدر 17 قرار لمواجهته، بالتنسيق مع الداخلية والعدل، ووضع المدارس المخالفة تحت الإشراف المالي والإداري المباشر للوزارة، الذي وصفه الوزير بأنه "أقوى من سحب الترخيص" وأقسى على المالك، وإن كنا نختلف معه فما زالت المدرسة ملك لصاحبها المهمل ويستفيد من إيراداتها، بينما سحب الترخيص ومنع الترخيص لصاحب المدرسة مرة أخرى يحمله جزء من نتائج إهماله.
كما أعلن وزير التربية والتعليم، عن خطة لتعميم كاميرات المراقبة في المدارس الحكومية وهو ما نأمل أن ينتقل إلى حيز التنفيذ رغم تكلفته الضخمة، فحماية أبنائنا أهم من أي تكلفة، ويظهر هذا التوجه من الوزير وعيًا بالذعر المجتمعي، لكن فعالية هذه الإجراءات الوقائية والرقابية مرهونة بالتنفيذ الدقيق ومحاسبة المقصرين فعليًا، وهو التحدي الأكبر.
ثانيًا: المعلمون ما بين الاعتراف بالمشكلة والوعود بالتحسين: كان توضيح وزير التربية والتعليم لسد العجز في المدرسين بنسبة كبيرة، وإن كان ذلك لم يمنع في رأينا استمرار وجود عجز يتم سد جزء منه عن طريق وجود 160 ألف معلم حصة وتغيير عدد حصص المواد الدراسية وتقليل بعضها.
وركز وزير التربية والتعليم على الأزمة المعيشية للمعلمين، وهي أحد أسباب تراجع جودة التعليم، فاعترف بتأخر صرف مستحقات بعض معلمي الحصة، ووعد بتحسين الأحوال بالتنسيق مع وزارة المالية، مستندًا إلى "تكليف رئاسي" بتحسين المستوى المعيشي والاجتماعي للمعلمين.
ولكن ثقة المعلمين - وهم حجر الزاوية في أي إصلاح - ستُبنى على التحسينات الملموسة والسريعة، وليس على الوعود وحدها وهى الثقة التي اهتزت بعد تنفيذ التكليف الرئاسي بصرف حافز ألف جنيه للمعلمين حيث فوجئ من صرف لهم بأنه أصبح 600 جنيه بعد الاستقطاعات وهو ما فرغه من مضمونه بشكل كبير، كما حرم منه الكثير من المسؤولين عن العملية التعليمية من أخصائيين لا يمكن إنكار دورهم وبدونهم لا تستقيم العملية التعليمية، ومدرسي المواد التي تم تخفيض حصصها فلم يحققوا النصاب المطلوب دون ذنب منهم، والمديرين وغيرهم من الفئات التي حرمت منه تمامًا.
ثالثًا: تطوير المناهج: حيث أعلن وزير التربية والتعليم عن استراتيجية مزدوجة لتطوير المحتوى التعليمي، من جهة، هناك توجه قوي لـ"تعريب" التعليم وتأكيد الهوية عبر جعل اللغة العربية مادة أساسية في المدارس الدولية، ورفع نسبة النجاح في التربية الدينية إلى 70% كـ"رسالة" لأهمية الأديان وضرورة الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية. ومن جهة أخرى، بزيادة تفعيل الشراكة الاستراتيجية مع اليابان والاعتماد عليها في تطوير مناهج الرياضيات والعلوم (لتصبح نسخة مطابقة للمناهج اليابانية خلال 5 سنوات)، وكذلك الاهتمام بالبرمجة وإبراز أهميتها وما تأمل الوزارة في تحقيقه من خلالها، وإن كان الوزير قد أسرف في أحلامه حتى وصلت إلى أن الطلاب لمجرد دراستهم البرمجة على المنصة سيتمكنون من الحصول على فرص عمل أونلاين حقيقية في مجال البرمجة بينما هى مهمة شاقة لخريجي الحاسبات والمعلومات.
كما اعتبر وزير التربية والتعليم أن إصدار كتب تقييمات مجانية لمكافحة "بيزنس الكتب الخارجية" المقدر بالمليارات إجراء عمليًا سيؤدي إلى ضعف الإقبال عليها، وهو ما نختلف معه فيه فالطالب لم يعد يعتمد على الكتب الخارجية فقط، بل بجوارها الكتب التي يطرحها مدرسي الدروس الخصوصية والسناتر.
رابعًا: تحويل جذري إلى نظام "البكالوريا" ونجاح محاربة الدروس الخصوصية: عدد الوزير مميزات نظام البكالوريا وعلى رأسها التخلص من "نظام الفرصة الواحدة" في الثانوية العامة مما يحد من رعب هذه الشهادة، وشرح الوزير النام، وأكد أن 92% من الطلاب اختاروه بكامل إرادتهم، وإن اعترف بممارسة بعض الضغوط من جانب بعض المديرين ويحمد له إدراكه لذلك، لكن الحقيقة أن الإجبار مورس بنسبة ليست قليلة، كما لم يتم شرح النظام بشكل كاف لأولياء الأمور والطلاب الذين تركوا فريسة لأصحاب المصالح.
كما ربط وزير التربية والتعليم بين عودة الحضور الطلابي للمدارس بشكل كثيف نتيجة انخفاض كثافة الفصول وهو إنجاز ضخم يحسب للوزارة، وبين انخفاض "بيزنس" الدروس الخصوصية بنسبة 50-60%، وإن كنا نتفق مع الوزير في أن نظام البكالوريا يفترض أن يقضي على بعبع الثانوية العامة، إلا أنه في الوقت ذاته لا يمكن الحكم عليه قبل تطبيقه، ومعرفة سلبياته وإيجابياته على أرض الواقع.
كما أن إصلاح نظام الثانوية العامة لا يقتصر على تطبيق نظام البكالوريا فقط بل يجب تغيير نظام الامتحانات ذاته وإلغاء الامتحانات الموضوعية التي تشجع وتسهل ظاهرة الغش والعودة للأسئلة المقالية والبابل شيت ومنع الغش الجماعي ولجان أولاد الكبار، كما أن الدروس الخصوصية لم تقل إطلاقًا بهذه النسبة على أرض الواقع. فهي ظاهرة ترجع لعوامل متعددة ليست قاصرة على عودة الطلاب للمدارس إجباريًا.
خامسًا: التعليم الفني والتكنولوجي: ظهر هذا المحور كأولوية واضحة في خطاب الوزير، انطلاقًا من ربطه المباشر بالتنمية الاقتصادية. حيث تحدث عن زيادة الإقبال على التعليم الفني بعد ربطه بسوق العمل، ورفع عدد مدارس التكنولوجيا التطبيقية إلى 115 مدرسة، مع تكليف بإدخال البرمجة وتوفير التابلت لطلاب التعليم الفني، الوعد بأن "قريبًا جدًا لن يتخرج طالب فني إلا بشهادة دولية" يعكس فهمًا لضرورة العالمية والمهارات القابلة للتطبيق. ويعد التعليم الفني نقطة الضوء الكبيرة التي ظلمت في خضم تغيير المناهج والبكالوريا ومشكلات المعلمين، ونرجو أن يتم زيادة الاهتمام بها، وبدلا من 115 مدرسة أن تصبح 1500 مدرسة فنية تربط التعليم بسوق العمل بشكل مباشر.
ختامًا فقد طبع وزير التربية والتعليم خطابه كله بـ سردية أخلاقية تركز على المسؤولية الدينية والوطنية. بعبارات مثل "سأقف أمام الله ويحاسبني على كل قرار" و"النقد من أهلنا على رأسنا" و"نعمل وفق توجيهات الرئيس المتابع بدقة"، وهى سردية تهدف إلى طمأنة الرأي العام وبناء شرعية لمشروعه الإصلاحي، وتقديمه كواجب يتحمله الوزير وليس مجرد سياسة ينتهجها، وهو مسلك وإن كان جيدًا إلا أنه يحتاج خطة استراتيجية ورؤية تفصيلية.
كما تمثلت نقاط القوة في طرح الوزير في الوضوح والشفافية في عرض التحديات مثل معاناة الأسرة من الثانوية القديمة، ووضع أهداف زمنية ما بين سنتين إلى ثلاث لتقديم تعليم "فوق الممتاز"، وخمس سنوات لمناهج الرياضيات اليابانية)، والتناول المتكامل الذي يربط بين حماية الطالب وتحفيز المعلم وتطوير المحتوى. لكن على الجانب الآخر فإن هناك تاريخ حافل لدى المصريين فيما يتعلق إصلاح التعليم ملئ بالخطط الطموحة التي تعثرت عند التنفيذ بسبب البيروقراطية أو ضعف الموارد.
بجانب نقص البيانات القابلة للتحقق مثل اختيار 92% للبكالوريا بإرادتهم الحرة، أو القضاء على عجز المعلمين حيث لا توجد بيانات تفصيلية وشفافة لتكون مقنعة، كما توجد تحديات لوجستية هائلة مثل تعميم الكاميرات على آلاف المدارس الحكومية، وتغيير وتدريب المعلمين على عشرات المناهج الجديدة، وتحسين أحوال مئات الآلاف من المعلمين – كلها مشروعات تستهلك موارد جبارة من وقت ومال وكفاءات إدارية ولم يتم توضيح كيف سيتم تدبير كل ذلك.
وبشكل عام فإن حوار وزير التربية والتعليم خطاب سياسي إصلاحي متقن، يلامس جراح الأسر ويقدم وعودًا بتضميدها، ولكنها تبقى حبرًا على ورق حتى تبدأ مؤشرات النجاح بالظهور على أرض الواقع: طالب يشعر بالأمان والعدالة، ومعلم راضٍ ومتحفز، وأسرة لم تعد تُفلس بسبب الدروس الخصوصية، ومنهج عصري يفهمه الطالب حقًا.
وفي الوقت ذاته يجب ألا نحمله مسؤولية منظومة منهارة تماما ومنذ عقود ونطلب منه ومن معاونيه حلولا فورية، فإصلاح جذري للتعليم لا يتم في عام او حتى خمسة بل يجب تخرج طلاب من المنظومة كاملة حتي يمكن الحكم عليها وتقييمها بشكل نهائي.





