هل تنسحب واشنطن من الشرق الأوسط أم تعيد تموضعها؟
كشفت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025، التي أصدرها البيت الأبيض في عهد الرئيس دونالد ترامب، عن تقليص ملحوظ للتركيز الأمريكي على الشرق الأوسط، مدفوعًا بانخفاض الاعتماد على الطاقة الإقليمية بعد تحول الولايات المتحدة إلى مصدر صافٍ للطاقة، بالإضافة إلى تحول المنافسة الدولية نحو الصراع مع القوى الكبرى مثل الصين وروسيا.
ويركز التقرير على مصالح أمريكية أساسية محدودة في المنطقة، مثل أمن إسرائيل، حرية الملاحة حول شبه الجزيرة العربية، وأمن الطاقة، ومكافحة الجماعات الإرهابية، مع الإشارة إلى إضعاف دور إيران كعامل رئيسي لعدم الاستقرار بفضل العمليات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر 2023 وعملية "مطرقة منتصف الليل" الأمريكية في يونيو 2025 التي أضعفت البرنامج النووي الإيراني، وفقًا لتقرير منظمة "سوفان سنتر" الأمريكية غير الربحية، والمتخصصة في البحوث والتحليلات في مجالات الأمن العالمي والسياسات الخارجية.
المنافسة الجيوسياسية العالمية
ويعكس هذا التحول انتقالًا من بناء الدول إلى التركيز على المنافسة الجيوسياسية العالمية، مع الاستمرار في دعم الحلفاء دون التزام عسكري مطول، مما يشير إلى إعادة تموضع استراتيجي بدلًا من انسحاب كامل.
إعادة تموضع القوات الأمريكية في سوريا
أما عن سوريا، فقد أعلنت الولايات المتحدة في أبريل 2025 عن خطط لإعادة تموضع قواتها وتقليص عددها هناك، عقب اتفاق مع دمشق يتضمن تخفيف العقوبات مقابل ضمانات أمنية، مما يمثل نموذجًا لتعقيدات إدارة الترتيبات الأمنية في بيئة متعددة الأقطاب.
وشملت الخطة سحبًا جزئيًا للقوات الأمريكية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار، في حين أدت الجهود الدبلوماسية إلى رفع بعض العقوبات على سوريا ودعم الانتخابات، مما ساهم في تحسين الدرجة الأمريكية في سياسة الشرق الأوسط خلال الربع الثالث من 2025.
كما يتضمن التقرير دعمًا للانتقال في لبنان وسوريا، مع تمويل عسكري بقيمة 230 مليون دولار للجيش اللبناني مقابل تعهدات بنزع سلاح حزب الله، بينما يظل الوضع في اليمن مترديًا دون عمليات كبرى ضد الحوثيين.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوات تعكس إعادة تموضع لتجنب الالتزامات المكلفة، مع الاعتماد على شركاء إقليميين مثل إسرائيل والدول الخليجية لمواجهة التهديدات الإيرانية والإرهابية.
وأدت الجهود الدبلوماسية الأمريكية إلى تقدم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث أدخل ترامب خطة من 20 نقطة في سبتمبر 2025 أدت إلى وقف إطلاق نار وإطلاق سراح الرهائن، مع نشر ما يصل إلى 200 جندي أمريكي لمراقبة الاتفاق، ومساعدات عسكرية إضافية لإسرائيل.
ورغم التحديات المستمرة مثل الجوع في غزة والعنف في الضفة الغربية، ساهم هذا في تحسين التقييم العام للسياسة الأمريكية، مع التركيز على بناء علاقات اقتصادية قوية بناءً على اتفاقيات إبراهام.
وفي الوقت نفسه، تتجنب الاستراتيجية الضغط على الإصلاحات الحقوقية في المنطقة، مفضلة التكامل الاقتصادي في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية، مما يعزز فكرة أن التغيير في الشرق الأوسط يجب أن يكون عضويًا دون تدخل أمريكي مباشر.
ويشير التقرير إلى أن هذا النهج قد يقلل من التوترات الإقليمية، لكنه يعتمد على افتراضات حول حل النزاعات المستمرة، مثل مخزون اليورانيوم الإيراني المخصب ومخاطر تجدد الصراعات.
ورغم الإنجازات، يظل التقييم العام للسياسة الأمريكية مختلطًا، مع درجات منخفضة في اليمن وإيران حيث يستمر "الضغط الأقصى" عبر العقوبات دون حلول جذرية، بينما يعكس التركيز على الشراكات الإقليمية تحولًا نحو إعادة تموضع يقلل من العبء العسكري الأمريكي.
ويحذر الخبراء من مخاطر عدم الاستقرار إذا لم تترجم اتفاقيات السلام إلى سلام دائم، مما يجعل السؤال عن انسحاب واشنطن أو إعادة تموضعها مرتبطًا بقدرة الشركاء الإقليميين على ملء الفراغ الأمريكي.