ما تأثير الشراكة الدفاعية المصرية – التركية الجديدة على موازين القوى الإقليمية؟
تدخل مصر وتركيا مرحلة جديدة من التعاون الدفاعي، بعد سنوات من التوتر السياسي، لتتحول العلاقة الثنائية إلى شراكة ذات أبعاد استراتيجية قد تُعيد رسم موازين القوى في الشرق الأوسط.
ففي معرض الدفاع الدولي (EDEX 2025) الذي استضافته القاهرة مطلع ديسمبر، شاركت نحو ثمانين شركة تركية في تقديم أحدث تقنياتها، فيما أعلنت شركة الصناعات الدفاعية التركية "أسيلسان" عن افتتاح مكتب إقليمي دائم في مصر تحت اسم "أسيلسان مصر"، بهدف تعزيز التعاون المباشر مع الشركاء المحليين وتطوير مشاريع مشتركة في مجالات التكنولوجيا العسكرية والأنظمة الدفاعية. هذه الخطوة وُصفت بأنها "فصل جديد" في خدمة الشركاء المصريين عبر حضور دائم، بما يعكس عمق التحول في العلاقات الثنائية، وفقًا لموقع ميدل إيست مونيتور اللندني.
ويهدف المكتب الجديد إلى دعم تقديم الخدمات والمساعدة الفنية للقوات المسلحة المصرية والعملاء المحليين، مع التركيز على التطوير والإنتاج المشترك لأنظمة الدفاع، عبر الجمع بين خبرة "أسيلسان" في الإلكترونيات العسكرية وقدرات مصر التصنيعية المتقدمة.
وقد تم بالفعل توقيع اتفاقات أولية مع ثلاث شركات مصرية، يُنتظر أن تتطور إلى إنتاج مشترك وأنشطة طويلة الأمد، مع الإعلان عن منتجات دفاعية جديدة خلال الدورة المقبلة لمعرض EDEX في عام 2027. هذه الخطوة لا تقتصر على التعاون الفني، بل تحمل في طياتها بعدًا استراتيجيًا يتمثل في توطين التكنولوجيا الدفاعية داخل مصر، وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الاكتفاء الذاتي الإقليمي في الصناعات العسكرية.
ويعكس هذا التعاون زخمًا متصاعدًا في العلاقات المصرية – التركية منذ عام 2023، عقب استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة وتبادل الزيارات الرئاسية، وهو ما انعكس بوضوح على مستوى التعاون في الصناعات الدفاعية. المشاركة الواسعة للشركات التركية في المعرض الأخير تؤكد عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتبرز رغبة مشتركة في بناء قاعدة صناعية دفاعية محلية قادرة على المنافسة إقليميًا ودوليًا. كما أن هذه الشراكة تحمل دلالات سياسية مهمة، إذ تشير إلى تقارب في الرؤى حول ضرورة بناء منظومة إقليمية أكثر استقرارًا، وتؤكد أن الاقتصاد والدفاع باتا يشكلان قاطرة رئيسية لإعادة صياغة العلاقات الثنائية.
وينظر العديد من الخبراء في العلاقات الجيوسياسية إلى الشراكة الدفاعية المصرية – التركية الجديدة كإعادة تموضع استراتيجي يهدف إلى تعزيز القدرات العسكرية لمصر، وتوسيع نفوذ تركيا عبر شراكة مع أكبر دولة عربية من حيث القوة العسكرية. هذه الخطوة قد تُعيد رسم ملامح التوازنات في الشرق الأوسط، وتؤكد أن القاهرة وأنقرة تسعيان إلى بناء محور جديد يقوم على المصالح المشتركة ويعيد صياغة قواعد اللعبة الإقليمية.
ووقّعت الهيئة العربية للتصنيع اتفاقًا مع شركة الدفاع التركية "هافيلسان" لإنتاج طائرات مسيّرة ذات إقلاع وهبوط عمودي داخل مصر تحت إشراف تقني تركي، بما يفتح الباب أمام توطين صناعة الطائرات غير المأهولة ويعزز قدرة القاهرة على دخول سوق التكنولوجيا العسكرية الحديثة.
كما شهد معرض الصناعات الدفاعية الدولي (EDEX 2025) مشاركة وفد تركي ضخم يضم 81 شركة، وناقش مع المسؤولين المصريين فرص التعاون في مجالات الإلكترونيات الدفاعية والأنظمة البرية والجوية، وهو حضور كثيف يعكس أن التعاون لم يعد مقتصرًا على صفقات محدودة بل يتجه نحو بناء قاعدة صناعية مشتركة.
وإلى جانب ذلك، أشار تقرير صادر عن المجلس الأطلسي إلى أن هذا التعاون يتجاوز البعد الصناعي ليشمل تنسيقًا في ملفات إقليمية مثل القرن الأفريقي وشرق المتوسط.
فيما أوضح مركز مجلس الشرق الأوسط للعلاقات العالمية Council on Global Affairs أن القاهرة وأنقرة تبنتا نهجًا براجماتيًا يقوم على إدارة الخلافات بدلًا من الصراع الصفري، وهو ما يجعل الشراكة الدفاعية مدخلًا لتخفيف التوترات في ملفات مثل ليبيا والسودان، ويؤكد أن هذه العلاقة تحمل أبعادًا جيوسياسية قد تُعيد رسم التوازنات في المنطقة.