بشار في المنفى.. عزلة فاخرة ومحاولات العودة لطب العيون
بعد أربعة عشر عامًا من الحرب الأهلية التي مزقت سوريا، وأودت بحياة نحو 620 ألف شخص وشردت قرابة 14 مليونًا، انتهى حكم بشار الأسد في ديسمبر 2024 بهروبه المفاجئ من دمشق بمساعدة الجيش الروسي.
وفر الرئيس السوري السابق بشار الأسد وعائلته في ساعات الفجر الأولى، تاركًا وراءه نظامًا منهارًا وحلفاء مذهولين، ليبدأ حياة جديدة في عزلة فاخرة داخل موسكو.
وبحسب صحيفة موسكو تايمز الروسية، يعيش الأسد اليوم حياة مترفة لكنها في عزلة، بعيدًا عن السياسة، محاطًا بالترف، لكنه منبوذ من الكرملين الذي لم يعد يراه شخصية مؤثرة أو حتى مثيرة للاهتمام.
وتشير صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن عائلة بشار الأسد في روسيا تقيم في حي روبليوفكا الراقي غرب موسكو، وهو مجتمع تحيطه الأسوار يضم نخبة روسيا وأثرياءها، ويُعتقد أن الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش يعيش فيه أيضًا.
حياة مترفة
حياة مترفة، ينغمس فيها بشار الأسد وزوجته أسماء هناك، يقضيان معظم وقتهما في التسوق وتأثيث منزلهما بقطع فاخرة، بينما تكشف بيانات مسربة عن عضوية ابنته زين في نادٍ رياضي مرموق وتسجيلها في صالون تجميل راقٍ.
ورغم هذه الرفاهية، فإن العائلة تكافح للاندماج في المجتمع الروسي، إذ كان ظهورهم العلني الوحيد خلال العام الماضي في حفل تخرج زين الأسد من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية (MGIMO)، وهو حدث لم يحضره الأسد نفسه.
بعيدًا عن السياسة، يحاول بشار الأسد إعادة اكتشاف ذاته عبر العودة إلى مهنته الأصلية كطبيب عيون، فقد ذكرت الجارديان أن الأسد يدرس اللغة الروسية ويحضر دورات تنشيطية في طب العيون، وهي المهنة التي تدرب عليها في لندن ومارسها في دمشق قبل أن يصبح رئيسًا.
أحد أصدقاء العائلة أكد أن "الطب هو شغفه، ومن الواضح أنه لا يحتاج إلى المال"، مشيرًا إلى أن مرضاه المحتملين قد يكونون من نخبة موسكو الثرية.
هذه العودة إلى الطب تحمل دلالة رمزية، إذ تعكس محاولة الأسد لإعادة تعريف نفسه بعيدًا عن السلطة التي فقدها، وربما لتقديم صورة جديدة عن ذاته كطبيب عيون لا كديكتاتور سابق.
لكن هذه المحاولات لا تخفي حقيقة العزلة التي يعيشها بشار الأسد في روسيا. فبحسب موسكو تايمز، لم يعد الأسد يحظى بأي اهتمام من الكرملين، حيث ينظر إليه فلاديمير بوتين باعتباره شخصية فقدت تأثيرها ولم تعد تستحق حتى دعوة إلى مأدبة عشاء.
مصدر مقرب من الكرملين قال للصحيفة إن بوتين "لا يملك صبرًا على القادة الذين يفقدون قبضتهم على السلطة"، وهو ما يفسر تهميش الأسد بشكل كامل.
ورغم محاولاته للظهور الإعلامي، فإن روسيا منعت بشار الأسد من أي نشاط سياسي أو إعلامي، فقد أكد السفير الروسي لدى العراق، إلبروس كوتراشيف، أن الأسد "قد يكون مقيمًا هنا، لكنه لا يملك الحق في الانخراط في أي نشاط سياسي أو إعلامي". هذه القيود جعلت الأسد يعيش عزلة شبه تامة، بعيدًا عن حلفائه السابقين وحتى عن بعض أفراد عائلته الممتدة الذين تُركوا لمصيرهم عند سقوط النظام.
وتكشف الجارديان تفاصيل إضافية عن هروب بشار الأسد، إذ فرّ مع أبنائه في الساعات الأولى من يوم 8 ديسمبر من العام الماضي، بينما كان شقيقه ماهر الأسد يحاول التواصل معه دون جدوى.
ترك بشار حلفاءه في دمشق لمصيرهم، فيما ساعد ماهر آخرين على الهروب. هذه الرواية تعكس صورة زعيم بلغ حد الانهيار فلم يعد يهتم إلا بسلامته الشخصية، وهو ما زاد من شعور حلفائه السابقين بالخيانة.
زيارة الإمارات بشكل متكرر
وإلى جانب إقامتهم في موسكو، تواصل عائلة الأسد زيارة الإمارات العربية المتحدة بشكل متكرر، حيث كانوا يأملون في الانتقال إليها بشكل دائم. لكن حتى الإمارات، التي تستضيف العديد من الشخصيات المثيرة للجدل، لم تُبدِ استعدادًا لاستضافة الأسد بشكل دائم، ما جعل العائلة عالقة بين عزلة موسكو ورحلات متقطعة إلى أبوظبي ودبي.
وتشير بيانات مسربة إلى أن أبناء بشار الأسد، خاصة الابنة زين، يواصلون نمط حياة مترف، بين التسوق والاشتراك في النوادي الرياضية، بينما يحاولون التكيف مع واقع جديد بعيدًا عن كونهم "العائلة الأولى" في سوريا.
القصة كما ترسمها صحيفتا الجارديان وموسكو تايمز هي انعكاس لنهاية مرحلة سياسية طويلة وبداية حياة جديدة في عزلة، حيث يحاول الأسد أن يجد لنفسه مكانًا بين نخبة موسكو، لكن دون أن يملك أي تأثير سياسي أو اجتماعي حقيقي.
وبينما يسعى بشار الأسد لإحياء مهنته القديمة كطبيب عيون، يبقى محاطًا بقيود صارمة تمنعه من أي ظهور علني أو حتى دعوته إلى مأدبة عشاء، ليظل حاضرًا في ذاكرة السوريين كديكتاتور سابق أكثر منه طبيبًا عاد إلى مهنته.