الثلاثاء 09 ديسمبر 2025 الموافق 18 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

الصفقة الإسرائيلية المتعثرة تدفع القاهرة نحو استيراد الغاز القطري.. التفاصيل كاملة

حقل غاز
حقل غاز

برزت مؤشرات قوية على أن القاهرة بدأت تعيد توجيه بوصلتها في ملف الطاقة، حيث تدرس بجدية خيار استيراد الغاز القطري بعد أن تعثرت صفقة كبرى مع إسرائيل لما يقارب ثلاثة أشهر، وفق تقرير نشره موقع ميدل إيست مونيتور، أمس الإثنين.

ويعكس هذا التحول ديناميكيات معقدة في سوق الطاقة الإقليمي، ويكشف عن حسابات سياسية واقتصادية دقيقة تقوم بها مصر في ظل التحديات الراهنة، خصوصًا مع سعيها للحفاظ على موقعها كمركز إقليمي لتسييل الغاز وتصديره إلى أوروبا في وقت يشهد العالم أزمة طاقة متفاقمة.  

تفاصيل الصفقة الإسرائيلية المتعثرة

الصفقة الإسرائيلية المتعثرة تعود إلى السابع من أغسطس، حين أعلنت شركة "نيو ميد إنرجي" عن توقيع اتفاق جديد لتزويد مصر بالغاز من حقل ليفياثان، وُصف بأنه الأكبر في تاريخ إسرائيل. الاتفاق كان يقضي بتصدير 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر حتى عام 2040، بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار، وهو ما كان سيضاعف حجم الصفقة السابقة الموقعة عام 2019 والتي شملت 60 مليار متر مكعب.

وواجهت الصفقة عقبات سياسية وأمنية، إذ نقلت صحيفة إسرائيل هيوم في الثالث من سبتمبر أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أمر بعدم المضي قدمًا في الاتفاق دون موافقته الشخصية، مبررًا ذلك بادعاءات أن مصر انتهكت الملحق الأمني لمعاهدة السلام الموقعة عام 1979 عبر زيادة انتشارها العسكري في سيناء، وهي اتهامات نفتها القاهرة بشدة واعتبرتها محاولة لتسييس ملف اقتصادي بحت.  

ومع تجميد الصفقة الإسرائيلية، سارعت قطر إلى استغلال الفرصة. ففي الثاني من ديسمبر، ذكرت القناة الإسرائيلية الثانية عشرة أن الدوحة عرضت على القاهرة إمدادات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال، بهدف تعزيز حضورها في السوق المصري الذي يُعد من أكبر أسواق الغاز في المنطقة.

تنويع مصادر الطاقة

ورجح الموقع اللندني جدية التفكير المصري في تنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن التعقيدات السياسية المرتبطة بإسرائيل، وأكد أن القاهرة تدرك أهمية بناء شراكات جديدة مع دول الخليج التي تمتلك قدرات إنتاجية هائلة.  

ولا ينفصل التحرك المصري نحو الغاز القطري عن طموحها في لعب دور محوري في تزويد أوروبا بالطاقة، خاصة بعد أزمة أوكرانيا التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى تقليل اعتماده على الغاز الروسي.

القاهرة تسعى لأن تكون منصة لتسييل الغاز وإعادة تصديره، وهو ما يجعلها بحاجة إلى مصادر متنوعة وموثوقة. الغاز القطري، بفضل وفرة إنتاجه وبنيته التحتية المتطورة، يمكن أن يعزز هذا الدور ويمنح مصر موقعًا تنافسيًا في السوق الأوروبية، خصوصًا أن أوروبا تبحث عن شركاء موثوقين في الشرق الأوسط لتأمين احتياجاتها.  

كما يحمل التحول نحو قطر أيضًا دلالات سياسية واضحة. فبينما يواجه التعاون مع إسرائيل حساسيات شعبية وإقليمية، فإن التعاون مع قطر يُنظر إليه باعتباره أكثر قبولًا في الشارع المصري والعربي. كما أن الدوحة لعبت دورًا بارزًا في ملفات إقليمية عدة، من بينها الوساطة في غزة، ما يجعل التعاون معها جزءًا من شبكة علاقات سياسية واقتصادية متشابكة. ومن الناحية الاقتصادية، فإن قطر تمتلك القدرة على تقديم عقود طويلة الأجل بأسعار تنافسية، وهو ما يمنح مصر هامشًا أكبر للمناورة في سوق الطاقة العالمي، ويعزز قدرتها على مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.  

الطريق أمام القاهرة ليس خاليًا من التحديات

ومع ذلك، فإن الطريق أمام القاهرة ليس خاليًا من التحديات. فهي بحاجة إلى تطوير بنيتها التحتية لاستقبال الغاز المسال بكميات أكبر، كما تواجه منافسة قوية من أسواق آسيوية وأوروبية على عقود الغاز القطري. إضافة إلى ذلك، فإن مصر مطالبة بالحفاظ على توازن علاقاتها مع إسرائيل، التي تبقى شريكًا في بعض مشاريع الطاقة الإقليمية، حتى وإن تعثرت الصفقة الأخيرة. إدارة هذا التوازن بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة القاهرة على المناورة في بيئة إقليمية مضطربة.  

ويعكس توجه مصر نحو الغاز القطري بعد تعثر الصفقة مع إسرائيل مرونة في إدارة ملف الطاقة، ورغبة في تنويع مصادرها لتأمين موقعها كمركز إقليمي ودولي. وبينما تبقى التحديات قائمة، فإن القاهرة تراهن على أن الغاز القطري سيمنحها دفعة جديدة في سباق الطاقة العالمي، ويعزز مكانتها في خريطة الاقتصاد والسياسة في الشرق الأوسط.