الثلاثاء 09 ديسمبر 2025 الموافق 18 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أخبار

نقوش يونانية وديكور فاخر.. اكتشاف أثري فريد بالإسكندرية يعود للعصر الروماني

حطام سفينة رومانية
حطام سفينة رومانية قبالة سواحل الإسكندرية

في كشف أثري بارز نقلته شبكة سي بي إس نيوز، أعلن المعهد الأوروبي لعلم الآثار تحت الماء عن العثور على حطام سفينة ترفيهية ضخمة قبالة سواحل الإسكندرية يعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادي، في موقع يُرجّح أنه جزء من ميناء «أنطيرهودوس» الملكي الغارق.

هذا الاكتشاف لا يُعد مجرد إضافة إلى سجل الآثار البحرية، بل يمثل نافذة جديدة على الحياة الاجتماعية والثقافية في مصر البطلمية والرومانية، حيث كانت الإسكندرية مركزًا عالميًا للعلم والفن والتجارة. 

وجود سفينة بهذا الحجم والفخامة يعكس أن البحر المتوسط لم يكن مجرد طريق للتجارة أو الحرب، بل فضاءً للترف والاحتفالات، وأن النخبة في المدينة كانت تستمتع برحلات بحرية فاخرة تعكس مكانتها وثراءها.  

تفاصيل الاكتشاف

أوضح الباحثون أن السفينة المكتشفة تجاوز طولها 115 قدمًا وعرضها 23 قدمًا، ما يجعلها واحدة من أكبر السفن الترفيهية التي عُثر عليها في البحر المتوسط. 

وقد تبيّن أن السفينة كانت تعتمد على المجاديف فقط، وهو ما يميزها عن السفن التجارية أو العسكرية التي كانت تستخدم الأشرعة. 

هذا التفصيل يعكس طبيعتها الترفيهية البحتة، إذ صُممت لتكون منصة للرحلات البحرية القصيرة والاحتفالات، لا لنقل البضائع أو خوض المعارك. 

كما أظهرت عمليات المسح أن السفينة كانت تضم مقصورة فاخرة مزينة بزخارف معمارية دقيقة، وهو ما يعكس الطابع الأرستقراطي للحياة في الإسكندرية القديمة.  

النقوش والهوية الثقافية

من أبرز ما عُثر عليه داخل الحطام وجود نقوش جرافيتي باليونانية على هيكل السفينة، يرجَّح أنها تعود للنصف الأول من القرن الأول الميلادي. 

هذه النقوش تدعم فرضية أن السفينة بُنيت في الإسكندرية نفسها، حيث كانت المدينة آنذاك مركزًا للتفاعل بين الحضارة المصرية واليونانية والرومانية. 

النقوش لا تحمل فقط قيمة أثرية، بل تكشف عن طبيعة الحياة اليومية للنخبة، وعن كيفية امتزاج الثقافات في المدينة التي كانت تُعرف بأنها "عاصمة البحر المتوسط".  

يمثل هذا الاكتشاف دليلًا حيًا على أن الإسكندرية لم تكن مجرد ميناء تجاري أو قاعدة عسكرية، بل مدينة متعددة الأبعاد، حيث امتزجت التجارة بالثقافة والترف. 

وجود سفينة ترفيهية بهذا الحجم يشير إلى أن النخبة في المدينة كانت تستثمر في بناء وسائل ترفيه بحرية، وأن البحر كان جزءًا من المشهد الاجتماعي اليومي. 

كما يعكس أن المصريين القدماء، في ظل التأثير اليوناني والروماني، لم ينظروا إلى البحر فقط كوسيلة للتنقل، بل كفضاء للاحتفال والطقوس الدينية وربما حتى المنافسات الرياضية البحرية.  

لفتت الشبكة الإخبارية إلى أن ميناء أنطيرهودوس، الذي غرق بفعل الزلازل والفيضانات، كان جزءًا من المجمع الملكي البطلمي، ويُعتقد أنه احتوى على قصور ومرافق ملكية. 

اكتشاف السفينة في هذا الموقع يعزز فرضية أن الميناء لم يكن مجرد منشأة اقتصادية، بل مركزًا للحياة الملكية والاحتفالات. 

ويشير بعض الباحثين إلى أن السفينة ربما كانت تُستخدم في مواكب بحرية تكريمية للآلهة أو للحكام، وهو ما يضيف بعدًا دينيًا وطقوسيًا إلى وظيفتها الترفيهية.  

هذا الاكتشاف لا يقتصر على إعادة كتابة التاريخ، بل يحمل أبعادًا معاصرة مهمة. فمن الناحية السياحية، سيعزز مكانة الإسكندرية كوجهة عالمية لعشاق التاريخ والآثار البحرية، خاصة أن المدينة لطالما ارتبطت بالأساطير والاكتشافات الغارقة. 

ومن الناحية العلمية، يفتح الباب أمام المزيد من الدراسات حول تقنيات بناء السفن في مصر القديمة، وكيفية دمج العناصر اليونانية والرومانية في العمارة البحرية. 

أما من الناحية الثقافية، فإنه يعكس أن مصر لا تزال تكشف عن طبقات جديدة من تاريخها، وأن البحر المتوسط كان جزءًا أساسيًا من حضارتها.

ويمثل العثور على حطام سفينة ترفيهية عمرها ألفي عام قبالة الإسكندرية حدثًا استثنائيًا يعيد تسليط الضوء على ملامح وتفاصيل الحياة البحرية في مصر القديمة. 

السفينة ليست مجرد أثر غارق، بل شهادة على أن البحر كان مسرحًا للترف والاحتفالات، وأن الإسكندرية كانت مدينة تجمع بين التجارة والترف والدين والثقافة في آن واحد.

وبينما يواصل الباحثون دراسة تفاصيل هذا الاكتشاف، يبقى المؤكد أن مصر لا تزال تحتفظ بأسرارها، وأن كل اكتشاف جديد يعيد صياغة فهمنا لأقدم حضارة عرفها العالم.