يزن 42 ألف طن.. إنجاز ملاحي جديد لقناة السويس بعبور الحوض العائم العملاق «جرين دوك 3»
نجحت قناة السويس في تسجيل إنجاز ملاحي جديد حين عبر الحوض العائم العملاق "جرين دوك ٣" المجرى الملاحي في عملية استغرقت أربعًا وعشرين ساعة متواصلة، مؤكدة مرة أخرى قدرتها على التعامل مع أصعب التحديات وأكثرها تعقيدًا.
هذا العبور لم يكن مجرد حدث تقني، بل رسالة استراتيجية واقتصادية للعالم بأن القناة ما زالت الشريان الأهم للتجارة الدولية، وقادرة على استيعاب الوحدات البحرية غير التقليدية مهما بلغ حجمها، وفقًا لمجلة كونتينر نيوز المتخصصة في شؤون الشحن البحري.
تفاصيل عملية عبور الحوض العائم العملاق «جرين دوك 3»
قاد الحوض العائم خمس قاطرات بحرية، حيث تولت القاطرة "بيرسيستنس" السحب من المقدمة، بينما أحاطت أربع قاطرات تابعة لهيئة قناة السويس بجوانب الحوض ومؤخرته لتأمين المسار وضبط الاتجاه.
تحرك الحوض ضمن قافلة الجنوب، وهو ما تطلب تنسيقًا دقيقًا بين المرشدين وأطقم القاطرات لضمان ثبات المسار داخل المجرى الملاحي. يبلغ طول الحوض مئتين وتسعين مترًا، وعرضه سبعة وخمسين مترًا، وغاطسه ثمانية أمتار، فيما يصل وزنه إلى اثنين وأربعين ألف طن، ما يجعله واحدًا من أكبر الأرصفة العائمة غير ذاتية الدفع التي تعبر القناة على الإطلاق.
انطلق "جرين دوك ٣" من إندونيسيا، وقطع البحر الأحمر مرورًا بباب المندب، قبل أن يدخل قناة السويس متجهًا إلى تركيا.
هذه الرحلة الطويلة تؤكد أن القناة ما زالت الرابط الحيوي بين آسيا وأوروبا، وأنها الخيار الأمثل للوحدات البحرية الخاصة في ظل التوترات الأمنية التي تشهدها بعض الممرات البديلة.
نجاح العبور في هذا التوقيت الحساس يطمئن المجتمع الملاحي العالمي بأن الملاحة عبر القناة آمنة ومستقرة، ويعزز ثقة شركات النقل البحري الكبرى في الاعتماد عليها كمسار رئيسي.
أشاد الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، بجهود المرشدين وأطقم القاطرات الذين أداروا العملية بكفاءة عالية، مؤكدًا أن العبور "يثبت قدرة القناة على التعامل مع الوحدات البحرية غير التقليدية ويطمئن الخطوط الملاحية العالمية بأن الملاحة في المنطقة آمنة ومستقرة".
هذه التصريحات تعكس إدراك الهيئة لأهمية الحدث، ليس فقط من الناحية التقنية، بل من حيث الرسائل السياسية والاقتصادية التي يوجهها إلى العالم.
ساهمت التحسينات الهندسية التي شهدتها القناة خلال السنوات الأخيرة في إنجاح العملية، وعلى رأسها مشروع قناة السويس الجديدة الذي وفر مسارًا أكثر استقامة وأقل انحناءً، إلى جانب توسعة القطاع الجنوبي بمقدار أربعين مترًا، ما يسمح بمرور الوحدات الأكبر بأمان.
هذه التعديلات لم تكن مجرد توسعة، بل إعادة تصميم وظيفي للمجرى الملاحي بما يتناسب مع متطلبات العصر، خصوصًا مع تزايد أحجام السفن والمنشآت البحرية العائمة.
الأثر الاقتصادي والبيئي
يختصر عبور "جرين دوك ٣" عبر قناة السويس نحو ستة آلاف ميل بحري مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح، أي ما يعادل ثمانية وأربعين في المئة من إجمالي المسافة، مما يقلل استهلاك الوقود ويخفض تكاليف التشغيل بشكل كبير.
كما أن هذا المسار يساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية بما يقارب تسعمائة وستة وتسعين طنًا من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يجعل القناة خيارًا بيئيًا مستدامًا يتماشى مع توجهات الصناعة البحرية نحو تقليل البصمة الكربونية.
هذه الأرقام تؤكد أن القناة لا تقدم فقط حلولًا اقتصادية، بل تساهم أيضًا في دعم الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
شهادة دولية تعزز الثقة
الكابتن فيكتور كيشليان، قائد القاطرة "بيرسيستنس"، أكد أن الرحلة كانت آمنة وسلسة، وأن القناة وفرت ظروفًا مثالية من حيث الوقت والتكلفة.
كما وصف القناة بأنها "أفضل طريق بين الشرق والغرب"، مشيرًا إلى أنها "ضرورية للتجارة العالمية".
هذه الشهادة الدولية تعكس ثقة الأطقم الأجنبية في كفاءة القناة، وتؤكد أن نجاح العملية لم يكن مجرد إنجاز محلي، بل حدث عالمي يعزز مكانة مصر كمركز ملاحي رئيسي.
يمثل عبور "جرين دوك ٣" نقطة تحول في تاريخ القناة، إذ يفتح الباب أمام المزيد من العمليات الخاصة مثل عبور الأرصفة العائمة والمنشآت النفطية والوحدات الصناعية البحرية.
هذا التنوع في الخدمات يزيد من جاذبية القناة التجارية، ويعزز مكانتها كممر ملاحي قادر على استيعاب مختلف أنواع الوحدات البحرية.
كما أن نجاح العملية سيدفع شركات الشحن العالمية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها اللوجستية، والاعتماد بشكل أكبر على القناة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه طرق التجارة الأخرى.
وأكدت المجلة أن عبور الحوض العائم العملاق "جرين دوك ٣" عبر قناة السويس لم يكن مجرد عملية ملاحية، بل حدث تاريخي يعكس تفوق القناة ويؤكد أنها ما زالت القلب النابض للتجارة العالمية.
هذا النجاح يضع مصر في موقع متقدم على خريطة الملاحة الدولية، ويمنحها ثقة إضافية في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية.
قناة السويس، بهذا الإنجاز، تثبت أنها ليست مجرد ممر مائي، بل رمز للقوة والقدرة على مواجهة المستقبل، وركيزة أساسية في منظومة التجارة العالمية.





