الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

داعش يحاول إعادة إنتاج نفسه في السودان بعد فقدانه مناطق نفوذ في العراق وسوريا

الرئيس نيوز

كثف تنظيم داعش جهوده لإعادة إنتاج نفسه بعد فقدانه مناطق نفوذ أساسية في العراق وسوريا بفعل الضربات العسكرية المكثفة. 

ومع تراجع حضوره في المشرق العربي، يوجّه التنظيم أنشطته نحو مناطق تعاني من هشاشة أمنية وضعف مؤسسات الدولة، مثل ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي وصولًا إلى السودان.

 وتشير تحليلات المجلات العسكرية المتخصصة إلى أن السودان يشهد مؤخرًا تصاعدًا ملحوظًا في دعوات التنظيم للجهاد، ما يعكس رغبته الواضحة في استغلال حالة الاضطراب السياسي والاجتماعي التي تعيشها البلاد، وفقا لمجلة "لونج وور جورنال" المتخصصة في شؤون الدفاع.

ويواجه السودان اليوم وضعًا معقدًا يتمثل في انتقال سياسي هش، صراعات مسلحة في دارفور وكردفان، وأزمة اقتصادية خانقة، إضافة إلى تراجع ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة. 

تخلق هذه العوامل مجتمعة فراغًا أمنيًا وسياسيًا يجعل البلاد عرضة لاختراق الجماعات المتطرفة. ويعتبر داعش السودان فرصة استراتيجية بسبب موقعه الجغرافي الذي يربط شمال إفريقيا بشرقها، ويجاور دولًا مضطربة مثل ليبيا وتشاد وإثيوبيا، فضلًا عن ضعف الرقابة على الحدود الطويلة والمتداخلة، والانقسامات العرقية والدينية التي تسهّل استغلال التنظيم لخطاب المظلومية لتجنيد عناصر جديدة.

ولا يقتصر تكثيف الدعوة للجهاد على الخطاب الدعائي عبر الإنترنت، بل يتخذ أشكالًا متعددة. يستخدم التنظيم منصاته الإعلامية لنشر مقاطع فيديو وبيانات تحريضية تستهدف الشباب السوداني المحبط من الوضع الاقتصادي والسياسي، ويستغل التحديات المعيشية لتعزيز شعور الظلم والإحباط بين الفئات الفقيرة.

 كما يبني روابط مع جماعات مسلحة صغيرة وشبكات تهريب لتأمين الدعم اللوجستي والتمويل، ويستغل المدارس الدينية غير الخاضعة للرقابة لزرع أفكاره في المجتمعات الريفية والنائية، ما يعزز من نفوذه الاجتماعي ويزيد من قدرة التنظيم على الوصول إلى فئات جديدة من الشباب والشابات.

ويشكل وجود داعش في السودان تهديدًا ليس فقط للداخل السوداني، بل للأمن الإقليمي بأكمله. فقد يتحوّل السودان إلى ممَرّ للمقاتلين والأسلحة نحو مصر وليبيا، مما يعيد تنشيط خلايا نائمة هناك.

 ويتيح قرب السودان من إثيوبيا والصومال للتنظيم التواصل مع جماعات مثل "الشباب"، ما يعزز شبكة الإرهاب العابرة للحدود. كما أن أي تمدد لداعش في السودان يقوّض جهود الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لإرساء السلام في المنطقة، ويزيد من صعوبة التعامل مع النزاعات القائمة ويُعقد فرص التوصل إلى حلول سياسية مستدامة.

 

ويفتقر السودان حاليًا إلى استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب. ينشغل الجيش بالصراعات الداخلية، وتواجه السلطة الانتقالية أزمة شرعية، بينما يعاني الاقتصاد من الانهيار.

 تجعل هذه الظروف مواجهة تنظيم مثل داعش صعبة، خاصة مع غياب التنسيق الأمني بين الأجهزة المختلفة، وضعف التعاون الدولي نتيجة عزلة السودان السياسية، وانتشار الفساد الذي يعرقل جهود الإصلاح. 

كما تساهم ضعف البنية التحتية الاستخباراتية ونقص المعلومات الميدانية الدقيقة في تعقيد قدرة الدولة على التعرف على التحركات الدقيقة للتنظيم ووقف نشاطاته قبل توسعها، ما يترك فراغًا يمكن لداعش استغلاله لإعادة تأسيس قواعده ونفوذه.

 

ووفقا للمجلة، يجب على المجتمع الدولي التحرك بسرعة لمنع السودان من أن يصبح قاعدة جديدة لداعش.

 ويتطلب ذلك دعم المؤسسات الأمنية السودانية عبر التدريب والتجهيز، وتعزيز التنمية الاقتصادية لتقليل فرص تجنيد الشباب، وتكثيف التعاون الاستخباراتي الإقليمي لمراقبة تحركات التنظيم عبر الحدود.

 كما يستلزم دعم الجهود المحلية لمحو الفكر المتطرف من خلال حملات توعية وبرامج تعليمية مجتمعية تشجع على السلام والتعايش، إلى جانب تعزيز الشراكات مع المنظمات غير الحكومية والهيئات الإقليمية لمواجهة الإرهاب بطريقة مستدامة ومتكاملة.

وتستند دعوة داعش للجهاد في السودان إلى استراتيجية أيديولوجية أوسع، إذ يسعى التنظيم لإعادة إنتاج نفسه كحركة عالمية بعد خسارته السيطرة على أراضٍ واسعة في العراق وسوريا. ويعتبر السودان حلقة ضمن سلسلة تهدف إلى إثبات أن الخلافة لا تزال قائمة ولو بشكل رمزي، ما يمنح التنظيم قدرة على الاستمرار رغم الخسائر الميدانية. 

ويعمل التنظيم على ترويج فكرته بين الشباب المحبطين اقتصاديًا وسياسيًا، مستغلًا الاضطرابات الاجتماعية لتعزيز شعوره بالشرعية لدى أتباعه الجدد، وبث فكرة الانتماء إلى مشروع أيديولوجي عالمي رغم الهزائم الميدانية.

 

وعكس تكثيف داعش لدعوته للجهاد في السودان تحوّلًا خطيرًا في مسار التنظيم، ويكشف هشاشة الوضع السوداني الذي قد يتحول إلى ساحة جديدة للصراع بين الإرهاب والدولة.

 وإذا لم تُعالج هذه الظاهرة بجدية، فقد يصبح السودان نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من التهديدات الإرهابية في إفريقيا والشرق الأوسط. 

ويتطلب الأمر اليوم مواجهة سياسية، اقتصادية، واجتماعية إلى جانب الإجراءات العسكرية، إذ أثبتت التجارب أن داعش يزدهر في بيئة الفوضى، واستمرار هذه البيئة في السودان سيضاعف خطره على البلاد والمنطقة بأسرها.

 كما أن أي تأخير في الإجراءات الوقائية سيؤدي إلى توسع نفوذ التنظيم، وإعادة إنتاج شبكات إرهابية يمكن أن تمتد لاحقًا إلى مناطق أخرى في القارة الأفريقية، ما يزيد الحاجة إلى تعاون إقليمي ودولي فوري وفعّال.