تركيا في أفريقيا.. دبلوماسية ناعمة تتقاطع مع طموحات عسكرية مثيرة للجدل
تواصل تركيا نسج خيوط نفوذها في القارة الأفريقية، مستندة إلى مزيج من الدبلوماسية النشطة والتوسع العسكري المثير للجدل. فبينما ترفع أنقرة راية التعاون الاقتصادي والثقافي، تتسلل صادراتها من الطائرات المسيّرة والأسلحة إلى ساحات النزاع، ما يثير تساؤلات حول أهدافها الحقيقية في القارة السمراء.

رؤية تتجاوز الاقتصاد
ترجّح مجلة فورين بوليسي أن التحركات التركية في أفريقيا تتجاوز الأبعاد الاقتصادية والدبلوماسية التقليدية، وتعكس طموحًا لإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي وفقًا لما تصفه أنقرة بـ"الاستقلال الاستراتيجي".
فتركيا تسعى إلى بناء شبكة نفوذ متعددة الأبعاد تشمل التجارة والأمن والتعليم الديني، مستفيدة من إرثها العثماني في بعض المناطق، ومن خطابها المناهض للهيمنة الغربية.
هذا التوجه يضعها في مواجهة تنافسية مباشرة مع فرنسا وروسيا، ويمنحها موطئ قدم مؤثر في ملفات مثل مكافحة الإرهاب، والهجرة، والسيطرة على الممرات البحرية الحيوية.
دبلوماسية نشطة
منذ مطلع الألفية، ضاعفت أنقرة عدد سفاراتها في أفريقيا من 12 إلى أكثر من 44 سفارة، في مؤشر واضح على رغبتها في ترسيخ حضور سياسي واقتصادي دائم.
وقد شهدت السنوات الأخيرة زيارات مكثفة لمسؤولين أتراك إلى دول مثل الصومال وتشاد والنيجر، حيث أبرمت اتفاقيات تعاون في التعليم والبنية التحتية والدفاع.
وفي مشهد رمزي على هذا التداخل بين الدبلوماسية والقوة، رست سفينة حربية تركية في ميناء مقديشو في أبريل 2024، لتؤكد أن العلاقات التركية الأفريقية باتت تتخذ طابعًا استراتيجيًا متقدمًا.
من الشراكة إلى التسلّح
تشير فورين بوليسي إلى أن تركيا لم تعد تكتفي بالدعم التنموي، بل توسعت في استخدام أدوات القوة الصلبة عبر تصدير طائراتها المسيّرة من طراز بيرقدار، التي أصبحت رمزًا لصناعتها الدفاعية.
ولعبت هذه الطائرات دورًا حاسمًا في النزاعات المسلحة في ليبيا وإثيوبيا، حيث ساهمت في تغيير موازين القوى على الأرض.
كما تستغل أنقرة الفراغ الذي تركته القوى الغربية لتقدّم نفسها كبديل "أقل تدخلًا وأكثر احترامًا للسيادة"، وهي رسالة تلقى قبولًا لدى بعض الحكومات الأفريقية، لكنها تثير قلقًا لدى منظمات حقوق الإنسان التي تحذّر من استخدامها في عمليات قمع داخلي أو نزاعات غير منضبطة.

قواعد تدريب واتفاقيات أمنية
في الصومال، تدير تركيا واحدة من أكبر قواعد التدريب العسكري في شرق أفريقيا، حيث يتلقى الجنود الصوماليون تدريبات بإشراف ضباط أتراك.
وترى المجلة أن هذه القاعدة ليست مجرد منشأة تدريبية، بل نقطة ارتكاز استراتيجية تعزز النفوذ البحري لأنقرة في المحيط الهندي.
كما وقّعت تركيا اتفاقيات أمنية مع النيجر وبوركينا فاسو، تشمل توريد معدات عسكرية وتبادل معلومات استخباراتية، ما يعكس تحول العلاقة مع هذه الدول من تعاون مدني إلى شراكة أمنية متكاملة.
سباق النفوذ.. وأفريقيا بين الشركاء والخصوم
تبدو أفريقيا اليوم ساحة مفتوحة لتجاذب القوى الكبرى، من فرنسا وروسيا إلى الصين وتركيا، في سباق على النفوذ والموارد.
وبينما ترى بعض الحكومات الأفريقية في أنقرة شريكًا بديلًا عن الهيمنة الغربية التقليدية، تحذر أصوات حقوقية من أن تمددها العسكري قد يتحول إلى عبء أمني إذا لم يُضبط وفق معايير الشفافية والمساءلة.