السبت 27 أبريل 2024 الموافق 18 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

كيف سيخرج الاقتصاد الروسي من تداعيات الحرب والعقوبات الغربية؟

الرئيس نيوز

أكد تقرير لوكالة بولمبرج أن محللي مجموعة "جي بي مورجات" بصدد بدء تقييم مستقل لحساب حجم الدمار الاقتصادي الذي سيلحق بالصادرات الروسية، في ظل العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية على موسكو، وكشفت التحليلات الاقتصادية المبدئية "انهيارًا" ربما يقارن بما حدث في 1998، عندما أفلست روسيا.

ويتوقع البنك الأمريكي الشهير انهيار الناتج المحلي الإجمالي لحوالي 11% "بما يماثل ما حدث في أزمة الدين عام 1998، وفي مذكرة من البنك للعملاء، لفت المحللون إلى أن فصل روسيا عن نظام السويفت العالمي، إلى جانب العقوبات المفروضة على البنك المركزي الروسي، من أبرز العوامل التي ستخلق معوقات أمام بيع النفط والغاز في روسيا، وقالوا: "ستتعرض أرباح الصادرات الروسية، وتخارج رأس المالي لضربة فورية، على الرغم من فائض حساب الميزان الجاري"، وأضاف البنك: "كما أن الواردات والناتج المحلي الإجمالي سيتعرضان للانهيار على المدى البعيد".

وتسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، بأوامر الرئيس فلاديمير بوتين، في ضربة لسوق النفط العالمي الذي ظل يعاني على مدار الأسبوعين الماضيين من عدم اليقين، مع محاولة المشترين معرفة ما سيفعلونه مع فرض روسيا والغرب عزلة على أسواق المال في روسيا ويعرض المتداولون النفط الخام الروسي بسعر منخفض، لجذب المشترين لإبرام عقوده علاوة على أن القيود غير المسبوقة المفروضة على البنك المركزي، قد كبلت قدرته على الدفاع عن الروبل، والذي أنهار بالفعل بكثر من 30% مقابل الدولار وبالتالي لجأ صانعو السياسة لمضاعفة معدل الفائدة، وتشديد القيود على رأس المال.

أفاد محللو جي بي مورجان: "الضغط الدافع للهبوط على الروبل، وهجرة رؤوس الأموال يدفعون البنك المركزي دفعا لرفع الفائدة بقوة، وزيادة القيود المفروضة على رأس المال كما تقلل العقوبات من العمودين القائم عليهما استقرار العملة الروسية، أي احتياطي النقد الأجنبي، والفائض في ميزان الحساب الجاري”.

وتوفر عوائد الغاز والنفط العملة الصعبة للاقتصاد الروسي، لأن مبيعات ونقل الطاقة لم تتعرض لاضطرابات مباشرة ويتوافر لدى روسيا فائض ميزان حساب جاري بحوالي 20 مليار دولار منذ بداية العام وما زالت إدارة بايدن ترفض فرض حظر على صادرات النفط من روسيا، على الرغم من أن هذا يضعها في موقف صعب بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري الراغبين في معاقبة روسيا وتكبيدها أكبر خسائر ممكنة على خلفية غزو أوكرانيا، ويتوقع محللو جي بي مورجان انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 7% هذا العام، معدلين التوقعات من هبوط بـ 3.5% ويرى البنك انكماش بنسبة 10% على أساس موسمي معدل مقارنة بالموسم المناظر العام الماضي، يتبعه انخفاض بـ 35% في الأشهر الثلاثة المعقبة، وأكد المحللون: "العقوبات ستترك بصمتها على الاقتصاد الروسي، والذي يبدو متجهًا صوب الركود".

ثمة خطوات متسارعة يشهدها الصراع الروسي الأوكراني، وبينما تشتد المواجهات العسكرية، ويمتد توغل القوات الروسية على الأراضى الأوكرانية وصولًا للعاصمة كييف وكخاركيف، وخرسون، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدين الهجوم الروسى ويدعو موسكو إلى سحب قواتها، وفى ظل تراجع احتمالات تدخل الغرب عسكريًا، وبينما تُثار التساؤلات حول جدوى الحلول الاقتصادية والدبلوماسية، فإن الشغل الشاغل للخبراء هو دراسة وتقييم حجم تداعيات العقوبات الأوروبية غير المسبوقة على الاقتصاد الروسى، وإلى أي مدى سوف تحدث تأثيرًا فعالًا على موسكو.
وقالت صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية: "قد يكون الغزو الروسي لأوكرانيا "عامل تغيير قواعد اللعبة" على مستوى الاقتصاد العالمي، ولفتت الصحيفة إلى أن أسعار الغاز المرتفعة والقرارات التجارية المتغيرة بسرعة تشير إلى أن أحداث الأسبوعين الماضيين ستظل محسوسة في كل مكان لسنوات، وتوقع ديفيد ج. لينش في تقريره للصحيفة أن الغزو الروسي لأوكرانيا والحسابات المالية التي فُرضت على موسكو ردًا على ذلك دليل على أن حملة العولمة المظفرة التي بدأت منذ أكثر من 30 عامًا قد وصلت إلى طريق مسدود.

قال خبراء اقتصاديون إن تداعيات القتال في أوكرانيا ستؤثر بشكل كبير على الانتعاش الاقتصادي العالمي هذا العام، وسيكون لها أكبر تأثير في أوروبا ومناطق أخرى من العالم ومن المحتمل أيضًا أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 110 دولارات للبرميل وتجدد اضطرابات سلسلة التوريد - بما في ذلك الصداع الجديد لصناعة السيارات - إلى تفاقم التضخم في الولايات المتحدة، الذي وصل بالفعل إلى أعلى مستوى في 40 عامًا.

لكن عواقب الحرب على المدى الطويل يمكن أن تكون أكثر عمقا حتى قبل أن يرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دبابات وصواريخ تندفع باتجاه أوكرانيا، أدت سنوات من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وفشل محادثات التجارة العالمية إلى توقف تكامل التمويل والتدفقات التجارية الذي كان متوقعًا خلال ذروة العولمة.

ما يأتي بعد ذلك من غير المرجح أن يعكس التكتلات المتميزة للحرب الباردة. حتى مع انهيار النظام الاقتصادي العالمي، لا توجد أيديولوجيات تتنافس على السيادة ويتعايش التحول الاستبدادي القاسي للصين في عهد الرئيس شي جين بينغ مع روابط تجارية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة وأوروبا واليابان ولكن الحكومات والشركات والمستثمرين جميعًا يتأقلمون مع الواقع الجديد.

قال مايكل سمارت، المدير الإداري لشركة روك كريك جلوبال أدفيزورز: "نحن نشهد نهاية حقبة وبداية أخرى، وهو شكل أقل اكتمالًا للعولمة مما كان لدينا في فترة ما بعد الحرب الباردة مباشرة وعلينا أن نفكر بشكل مختلف حول ما نعنيه بنظام التجارة العالمي فهناك متطلبات معينة، إذا لم تلبيها، فأنت لست جزءًا من النظام، ولا يمكنك أن تكون ضمن أعضاء النادي".

في أكثر من أسبوع بقليل، فرض الحلفاء الغربيون واحدة من أسرع حملات العقوبات تحركًا في التاريخ الحديث ضد روسيا وفي ظل توحيد المواقف من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وبريطانيا واليابان لمعاقبة روسيا بعقوبات مالية غير مسبوقة، أدت الحرب إلى حركة من إعادة ترتيب الأولويات الجيوسياسية على نطاق واسع، والأمر شبيه بصدمات هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وفقًا لمحللي سيتي بنك.

بين عشية وضحاها، مُنعت معظم البنوك الروسية الكبرى من نقل الأموال عبر الحدود كما تم إغلاق سوق الأسهم في موسكو لمدة أسبوع وصار العملاء الروس معزولين عن معظم التقنيات الأكثر تقدمًا في العالم، وتعمقت عزلة روسيا حيث منعت هيئة تنظيم الاتصالات في البلاد الوصول إلى موقع فيسبوك، وهو أحد مصادر المعلومات القليلة التي لم تسيطر عليها الحكومة الروسية بالفعل، قائلة إن المنصة مارست التمييز ضد وسائل الإعلام الروسية.

في واشنطن، بدأ كبار الديمقراطيين والجمهوريين يطالبون الولايات المتحدة بوقف استيراد النفط من روسيا، وهي خطوة من شأنها أن تزيد من محنة موسكو المالية إذا اتبعت الدول الأوروبية حذوها، في غضون ذلك، حذر صندوق النقد الدولي أمس السبت من أن الحرب والعقوبات المتراكمة بسرعة على روسيا سيكون لها "تأثير شديد على الاقتصاد العالمي".

قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم إتش باول للكونجرس الأسبوع الماضي: "يبدو أن هذا الحدث سيغير قواعد اللعبة وسيظل معنا لفترة طويلة جدًا".

وبالفعل عانى الاقتصاد الروسي أكثر من عقد من التآكل في ظل العولمة، بدءًا من الأزمة المالية لعام 2008 واستمر حتى صعود شي في عام 2012، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي بدأت في عام 2018، وفشل الدبلوماسيين المتكرر في الاتفاق على تحرير التجارة وأدت جائحة كورونا للعديد من المخاطر التي هددت خطوط الإمداد عبر المحيطات وتقييد السفر الدولي، إلى زيادة ضعف الروابط عبر الحدود، وتمثل روسيا وأوكرانيا معًا 3 في المائة من الناتج العالمي، وفقًا لـ جيه بي مورجان، وقال خبراء اقتصاديون ومسؤولون حكوميون إن الغزو الروسي سيكون له تداعيات اقتصادية واسعة النطاق.