الخميس 28 مارس 2024 الموافق 18 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

بعد الانسحاب الأمريكي.. تحولات استراتيجية تملأ فراغ الشرق الأوسط

الرئيس نيوز

أدى الانسحاب المهين للولايات المتحدة من أفغانستان وفك الارتباط الذي يتصوره المراقبون للولايات المتحدة عن الشرق الأوسط أو على الأقل التركيز المنخفض الذي يبديه جو بايدن للمنطقة إلى قيام دول الخليج والدول الأخرى بإعادة تقييم مواقفها ومحاولة إصلاح العلاقات فيما بين المتنافسون القدامى.

ويعتقد المحلل جون سولومو، في تقرير نشرته صحيفة ديفي ديسكورس، أن ثمة تحولات مفاجئة في السياسة الخارجية بين العديد من دول الشرق الأوسط ويتزامن ظهور تلك التحولات مع ارتفاع احتمالات المزيد من الاستقرار والتناغم في الخليج. على الرغم من أن الإدارة الأمريكية تقول إنها لا تزال معنية بقضايا الشرق الأوسط، فلا شك في أن المزيد من الاهتمام في السياسة الخارجية للولايات المتحدة ينصب اليوم على الصين وروسيا والشرق الأقصى ونتيجة لذلك، تتساءل الدول العربية، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، عن مدى موثوقية الولايات المتحدة كضامن للأمن.

ولفت التقرير إلى تعليق جونول تول، مدير مركز الدراسات التركية بمعهد الشرق الأوسط على علامات انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، والتي كان أبرزها الانسحاب المتسرع من أفغانستان، وكان الانسحاب من العوامل التي "حطمت الإيمان بدور واشنطن الإقليمي" وهذا ما جعل العديد من قادة الشرق الأوسط يدركون أنه في غياب الدرع الواقي الأمريكي، يجب عليهم دفن الأحقاد مع الأعداء القدامى أو على الأقل خفض عدد الدول المعادية التي يتعين عليهم مواجهتها ولذلك قرروا إعطاء فرصة للدبلوماسية ورؤية ما سيحدث.

وألقى التقرير نظرة على التغييرات الكبيرة التي تحدث في العلاقات بين الدول في الشرق الأوسط، فلأول مرة في التاريخ، زار رئيس وزراء إسرائيلي دولة الإمارات العربية المتحدة وقام نفتالي بينيت الأسبوع الماضي بزيارة رسمية إلى الإمارات وأجرى محادثات في أبوظبي مع ولي العهد الشيخ محمد بن زايد وناقش الجانبان إمكانيات التعاون في مجالات الزراعة والأمن الغذائي والتكنولوجيا المتقدمة والصحة والطاقة المتجددة.

وقال بينيت إنه يعتقد أن البلدين يمكن أن "تضربا مثالا لكيفية صنع السلام في الشرق الأوسط" ويأتي هذا الاجتماع بعد خمسة عشر شهرًا فقط من توقيع البلدين، في سياق اتفاقات إبراهام، على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات في فورة النشاط الدبلوماسي الذي يحدث في المنطقة، من جهة أخرى قرر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على ما يبدو أن تحاول المملكة العربية السعودية حل المشكلات مع الدول التي كانت على خلاف معها في السابق، فزار الدوحة في 8 ديسمبر الجاري وأجرى محادثات مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وأعلن الجانبان عن استعدادهما لتعزيز التعاون بين بلديهما ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة وتجدر الإشارة إلى أن محمد بن سلمان هو أحد أضلاع الرباعي العربي الذي قاطع الدوحة في عام 2017 بسبب دعمها للإرهاب، وأعاد الرباعي العربي العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وأنهى المقاطعة في 5 يناير 2021.

قام محمد بن سلمان بالفعل بزيارة الإمارات والبحرين والكويت في محاولة لتقليص الخلافات الجيوسياسية والاستراتيجية القائمة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة في علاقاتها مع إيران وتحافظ الكويت وقطر على العلاقات مع إيران، بينما تحاول السعودية والإمارات والبحرين وقف نفوذ إيران في المنطقة.

سمحت المصالحة التي تحققت بين دول الخليج لتركيا، الحليف الوثيق لقطر، ببذل جهود لإعادة العلاقات مع الإمارات ومصر والسعودية، وقام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى الإمارات في فبراير الماضي وحاول البدء من جديد في العلاقات بين البلدين. في نوفمبر، قام ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بزيارة إلى تركيا، وهي أول زيارة من نوعها منذ تسع سنوات منذ تجميد العلاقات بين البلدين في عام 2012، ولدى الإمارات العربية المتحدة وتركيا وجهات نظر مختلفة على نطاق واسع حول مسألة الإخوان المسلمين وتدعمان أطرافًا مختلفة في الصراع الليبي كما ألقى أردوغان باللوم على الإمارات لدعم انقلاب 2016 في تركيا ومن المؤشرات الواضحة على فتح صفحة جديدة في العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي الإعلان عن تخصيص دولة الإمارات لصندوق قيمته 10 مليارات دولار للاستثمارات الاستراتيجية في تركيا، التي ينهار اقتصادها في ظل هبوط غير مسبوق في سعر صرف الليرة التركية.

في الآونة الأخيرة، تحاول تركيا جاهدة استعادة علاقاتها الفاترة مع مصر، رغم أن أردوغان هاجم القاهرة لفظيًا مرارًا ووصفت الخارجية المصرية بدورها حكم أردوغان بأنه "قمعي وسلطوي" ورد وزير الخارجية المصري سامح شكري على مبادرات تركيا بالقول إن "مصر حريصة على إيجاد حل وصيغة لإعادة العلاقات مع تركيا، لكن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به"، ويمكن أن يحدث تغيير كبير في المنطقة إذا أدت المحادثات التي تجري بشكل متقطع بين المملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة وإيران إلى ذوبان الجليد في علاقاتهما وربما إنهاء الحروب بالوكالة في اليمن وأماكن أخرى ولذلك، من الواضح أن كارثة الولايات المتحدة في أفغانستان هزت حلفاءها في العالم العربي والشرق الأوسط بشكل عام وأجبرت حكوماتهم على إعادة تقييم مواقفهم وخصوماتهم ومحاولة إيجاد حلول سلمية لمشاكل قائمة منذ فترة طويلة.

كما يشير الكاتب أمين سيكال، الخبير في شؤون الشرق الأوسط: "لقد هزت كارثة أفغانستان العديد من حلفاء أمريكا في جميع أنحاء العالم، مما جعلهم يتساءلون عن مصداقية الولايات المتحدة كشريك... لقد بدأ الفشل الذريع لأمريكا في أفغانستان في تحريك سلسلة من عمليات إعادة الاصطفاف في المنطقة وهي توضح أن أمريكا التي هيمنت على الشرق الأوسط لمعظم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية يتم تفكيك نفوذها تدريجياً ومن المتوقع أن تتسارع العملية مع وعد الرئيس جو بايدن بسحب 2500 جندي أمريكي من العراق بنهاية هذا العام.