السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

أحمد الطنطاوي يكتب: يوميات نائب في الحظر.. استنهاض المجلس - المزايدة السياسية

الرئيس نيوز

في ظل إجازة إجبارية منحها مجلس النواب لأعضائه، ولاقتناعي بأن المسؤولية الوظيفية تجعلني من الفئات غير المخاطبة بنداء (خليك في البيت) والذي أطالب كل قادر عليه بالالتزام التام به.. فقد كان عليَّ أن أضع خطة لإدارة الوقت خلال تلك الأيام باعتبار أن الواجب الأخلاقي والمهني يفرضان القيام بكل ما بالإمكان للمساعدة في مواجهة هذه الأزمة الحرجة التي يعيشها الوطن ويعاني منها المواطنون.
دون تفكير طويل استقر رأيي على تكثيف الدور المعتاد في متابعة أنشطة الجهات التنفيذية التى نتمنى لها كل التوفيق -وبالأخص جميع الأبطال العاملين في القطاع الصحي- والعمل علي دعمها إذا ما أُتيح هذا، ومحاولة تقديم الحلول الممكنة للمشكلات التى تواجه السادة المواطنين، مع التركيز على مهمتين أساسيتين:
١- محاولة استنهاض مجلس النواب -كعضو به- للقيام بدور واجب للتصدي لتلك الأزمة.
٢- مشاركة القطاع الأهلي (جمعيات، مؤسسات، لجان زكاة، مبادرات مجتمعية) في الدور الرائع الذي تؤديه خلال تلك الأزمة، ودائمًا.
في المهمة الأولى: 
تابعت القرارات الحكومية التي صدرت تباعًا لمحاولة احتواء الوباء ومواجهة الآثار والتداعيات المترتبة عليه، في المقام الأول طبيًا، ثم اقتصاديًا واجتماعيًا.
ومع اعترافي بأن الكثير مما هو مطلوب بإلحاح الآن ليس هناك إمكانية لتحقيقه في ظل أمر واقع خلقه حجم الأزمة من ناحية، والقدرات المتاحة حاليًا للاستجابة لها في ظل أولويات الإنفاق المختلة لسنوات طويلة من الناحية الآخري، وبينما طالبت السادة المواطنين بالالتزام بكل قرار والامتثال لكل إجراء وتأجيل التقييم لما بعد انتهاء المعركة، فقد وصفت الإدارة الحكومية في مجملها بأنها جادة لكن غاب عنها بعض الإجراءات التي يمكن أن تتخذ فورًا ويكون لها آثار اقتصادية واجتماعية شديدة الأهمية.
من هذا المنطلق فقد تقدمت لمجلس النواب (باقتراح برغبة) لمناقشته في حضور الحكومة مطالبًا من خلاله وعلي وجه السرعة باتخاذ ثماني قرارات أرى أنها مفيدة جدًا اقتصاديًا، وضرورية بشدة اجتماعيًا، كما أنها متاحة ماليًا، سواء في ظل إعلان وزير المالية تخصيص مبلغ ١٠٠ مليار جنيه لمواجهة الأزمة، أو حتى بدون هذا الإعلان، والذي بالمناسبة ما كان يحق للحكومة أن تقره دون أخذ موافقة البرلمان احترامًا للدستور، وضمانًا لعدم انفراد السلطة التنفيذية باختيار أوجه انفاق المال العام، وهو أمر خاطئ بكل تأكيد.
بعد نشر الاقتراح بالصحف جاءني رد حكومي (شفهي) بأن الطلبات التي تقدمت بها ستكون محل دراسة، بعدها تمت استجابة جزئية لبعضها مثل زيادة الإعانة المخصصة لبعض (وليس كل) الفئات المتضررة من العمالة لتصبح لثلاثة أشهر بدلًا من شهر واحد، ثم تخفيض (مستغرب ومخيب للآمال) في أسعار بعض المواد البترولية بما لا يتناسب مع إنخفاض أسعار البترول لأقل من ثلث السعر المعتمد في الموازنة العامة للدولة، وبين القرارين جاءت استجابة جزئية أخري من البرلمان بالتبرع بمكافأة (وليس إجمالي ما يتقاضاه النائب) ثلاثة أشهر لصندوق تحيا مصر، كما أعلن رئيس الوزراء استقطاع ٢٠٪؜ من راتب رئيس الحكومة والوزراء لدعم العمالة غير المنتظمة، وهو الأمر نفسه الذي أعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء الاتفاق عليه في مجلس المحافظين، قبل أن تسير علي هذا النهج المحمود عدة جهات أخري.. إلا أن الرد المنطقي الذي انتظرته -وما أزال- كان دعوة السيد الأستاذ الدكتور رئيس المجلس للجنة النوعية المختصة للاجتماع العاجل والنقاش الجاد بين النواب والحكومة حول الطلبات الثمانية التي تقدمت بها للوصول إلى نتيجة محددة في كل طلب منها إما بالموافقة عليه كما هو، أو بعد إدخال تعديلات عليه، أو حتى برفضه سواء لعدم توافر الإمكانيات المادية أو لعدم الجدوى أو الأولوية.

وإذا كنت من موقع المسؤولية أجزم بأن هذه الطلبات لها أولوية قصوى بين الإجراءات العاجلة -علمًا بأنها لا تغني عن الخطط الاقتصادية متوسطة وطويلة الأجل- لمواجهة تداعيات الأزمة، وأن مصادر تمويلها متاحة دون تحميل المواطنين أية أعباء إضافية، ومن أبواب عدة أحدها يأتي من ناتج خفض سعر الفائدة الذي أقره البنك المركزي بمقدار ٣٪؜ وهو ما يوفر ١٥٠ مليار جنيه من إجمالي الإنفاق العام كان يجب توجيهها في رأيي لدعم المنظومة الصحية والدعم المباشر للأسر الأكثر احتياجًا بالطرق التي أوردتها في الاقتراح برغبة.. وعليه فإن حق المواطن أن يجد إجابة واضحة وصحيحة وإجرائية من خلال البرلمان: هل ما أطالب به ضروري وممكن، أم أنه مجرد دعاية أو حتي مزايدة سياسية؟
والمؤسف أن المزايدة السياسية حقيقة قد جاءت من بعض نواب الأغلبية الذين استغلوا قرار رئيس البرلمان ليس فقط علي طريقة المثل الشعبي: "إذا جاك الغصب خليه بجميلة"، ولكن أيضًا عبر محاولة إيهام المواطنين بأنهم: بادروا من تلقاء أنفسهم بالتبرع، وأنهم تبرعوا دون غيرهم من النواب، وأنهم تبرعوا بكامل رواتبهم وليست المكافأة فقط.. والثلاث رسائل كاذبة.

والذي حدث هو أن ثمانية من نواب التكتل -وأنا منهم- تقدموا لرئيس المجلس يوم ٢٢ مارس بإقرارهم فعلًا بالتبرع لصالح إنشاء صندوق لدعم المواطنين المتضررين من الأزمة مع مطالبة النواب جميعًا بالمشاركة، بعدها وفي ٣٠ مارس قدمت طلبي لرئيس البرلمان عملًا بحكم المادة ١٣٣ من الدستور والمادة ٢٣٤ من اللائحة الداخلية، ورغم أن ما أقره السيد الأستاذ الدكتور رئيس المجلس من حيث قيمة التبرع كان أقل كثيرًا مما طالبت به، إلا أنه كان أكثر توفيقًا من حيث الأسلوب الذي اختاره عندما خاطب النواب: "علي من لا يرغب من حضراتكم في تقديم هذا التبرع الاختياري التقدم بطلب كتابي يفيد ذلك لمكتب السيد المستشار الأمين العام  للمجلس في موعد غايته ثلاثة أيام من تاريخ نشر هذه الرسالة"، وهو يعرف طبعًا أنه لن يفعلها أي نائب.

وفي المهمة الثانية: 
ومع بداية التحرك، تلقيت نصيحة من بعض الأصدقاء بأهمية الظهور والإعلان عن المشاركة في بعض الأنشطة ذات الطابع الاجتماعي والتطوعي لأسباب منها الموضوعي مثل تشجيع آخرين على نفس السلوك، ومنها الشخصي لحرصهم على صورة صديقهم في أعين المواطنين.. إلا أنني وبعد التأكيد لهم على احترامي لمشاعرهم الصادقة وأسبابهم المنطقية قد اهتديت أن الأفضل هو القيام بواجبي في المساعدة والدعم من الصفوف الخلفية لسببين أولهما أن أي سياسي أو مسؤول يشغل وظيفة عامة هو شخص محل خلاف بين من يؤيده ويثق به ومن يعارضه ويتشكك فيه (هذا أمر طبيعي ويجب أن يتقبله الجميع بصدر رحب)، وأن الدور المجتمعي المطلوب الآن يجب أن يتوفر له ما يشبه الإجماع الشعبي على قبوله والمساهمة فيه بالمال والجهد، وهو أمر يتوفر أكثر في حالة تصدر المشتغلين بالعمل الاجتماعي وليس السياسي، وقد مارست الدورين وأعلم ذلك بحكم الخبرة.

أما السبب الآخر والذي لا يقل أهمية فهو أن حضور السياسي خاصة إذا كان شخصية عامة يطغي على حضور الاجتماعي وبالأخص إذا كان ممن يفضلون تقديم يد المساعدة لمن يستحقها بصمت وفي الخفاء.. وفي هذا تحويل لأنظار الناس إلى الأول وظلم لمجهود الثاني وهو الأهم والأفيد والأدوم علي مستوي هذا الدور، قبل هذه الأزمة وبعدها. ولذا فإن واجب السياسي خاصة لو كان يشغل موقع مسؤولية أن يدعم الاجتماعي ويوفر له الظروف والإمكانيات التي تساعده على استمرار دوره وتطويره.

وإذا كان مؤلمًا للنفس ذلك الاستغلال السياسي للأزمة من أي طرف وخاصة من تعاملوا معها كما لو كانت فترة دعاية انتخابية، فقد أسعدني وجدد الأمل داخلي الأدوار الكبيرة والمتنوعة التي يقوم بها أبناء وبنات البلد المعجونين بالطيبة والشهامة والكرم، خاصة الشباب ومنهم من اعتمدوا في جودهم على مصروفهم الشخصي.

إلا أنه ومن بين هؤلاء فقد لاحظت غياب من لم يغيبوا يومًا أو يتأخروا عن التسابق في الخير، ولأني أعرف من تواصلت معهم جيدًا فأنا أقطع بأنهم مواطنون صالحون يحبون وطنهم ويساعدون أهلهم ويحترمون الدستور ويلتزمون بالقانون إلا أن لهم وجهات نظر تندرج تحت عنوان المعارضة الوطنية التي يجب أن تكون مرحبًا بها؛ فالسلطة والمعارضة يفترض أن يُكونا معًا النظام السياسي.. ولما سألتهم عن السبب فقد أدمي قلبي إجابتهم بأنه الخوف من شبح السجن الذي طال غيرهم، وأنهم آثروا الخروج من ساحة العمل العام أيًا كان ميدانه لأنهم يرون أن هذه أسلم طريقة للحفاظ على أمانهم الشخصي واستقرارهم الأسرى وأمنهم الوظيفي.

وبصرف النظر عن ردي، ومدي اقتناعهم به من عدمه، فإن الأمر يعكس جانبًا هامًا من المشكلة التي نعيشها اليوم ويعيد طرح السؤال عن الإجراءات الواجبة من قبل الدولة على طريق الإصلاح السياسي الحتمي، والذي يجب أن يبدأ بفتح المجال العام، وحفظ الحقوق والحريات العامة، وضمان مهنية واستقلالية الصحافة والإعلام، وإزالة هذا الشبح المخيف لبعض المصريين الذين نحتاج إليهم في جميع ميادين العمل العام لبناء مصر الجديدة على أسس العدل والمحبة.