الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

أحمد الطنطاوي يكتب: "حزب مستقبل وطن.. وعجائب السياسة السبعة"

الرئيس نيوز

بعد أيام من عملية نقل ناجحة للممول الأول لحزب مستقبل وطن رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة إلى حزب الشعب الجمهوري، وذلك استمرارا لعمليات الفك والتركيب وإعادة هندسة المشهد السياسي والحزبي بطريقة بائسة، وفي إطار عملية تصنيع معملي لأحزاب الموالاة، والمعارضة من داخل الموالاة في نفس الوقت.. أعلن المكتب السياسي لحزب مستقبل وطن بيانا ليس له مثيل في دول العالم المتقدم أو المتخلف، وفي الأحزاب الديكتاتورية أو الديمقراطية، انتقال رئيس الحزب إلى موقع الأمين العام، وتعيين رئيس جديد للحزب الذي جاء تعليقه على الصور الأولى لاجتماع رئيسه بقياداته أنه "اجتماع للتعارف"، ولم لا وهو وافد جديد على كيان هو الآخر مستحدث غيَّر من يديرونه ثلاث رؤساء في 6 أعوام منذ تحويل "حملة مستقبل وطن" إلى حزب بنفس الاسم، قبل أن يندمج مع "جمعية من أجل مصر"، لينتج الكيان الجديد الذي يرتكب بشكل منتظم العديد من المخالفات المنصوص عليها قانونًا دون حساب، وكأنه في مأمن من العقاب.

وقد استطاع حزب مستقبل وطن خلال السنوات الماضية أن يعيد للمواطنين الصورة الأسوأ من تجربة الحزب الوطني الديمقراطي بشكل أقل كفاءة وأكثر فجاجة، بالاعتماد على الفرز الثاني وحتى العاشر من سياسات وقيادات ما قبل الثورة.

ومن بين الأعاجيب التي أدخلها الحزب الوليد بعمره، الكبير بما يلقاه من دعم، والذي يمكن أن يتلاشى خلال شهور محدودة إذا تم الاستغناء عنه وأوكلت مهمته لحزب أو مجموعة أحزاب أخرى.. نذكر لكم سبعة:
١- في أغسطس ٢٠١٤ قُدم إلى لجنة شئون الأحزاب ٥٣٧٥ توكيلا حولت "حملة مستقبل وطن" إلى حزب بدعم وتمويل سخي من رجل الأعمال المثير للجدل أحمد أبو هشيمة، قبل أن يندمج الحزب بعدها مع "جمعية من أجل مصر"، وعندها جرى إعادة توزيع المواقع القيادية بين قيادات الحزب والجمعية، في سابقة ربما تكون الأولى تاريخيًا في التزاوج بين حزب سياسي وجمعية أهلية.
٢- على طريقة الحزب الوطني، لكن هذه المرة بالمخالفة للدستور قام الحزب الوليد بالاستحواذ على عدد كبير من نواب الأحزاب الأخرى غير المرضي عنها مثل المصريين الأحرار والحركة الوطنية، وغيرها من الأحزاب، وأكثر منهم من المستقلين، ليتحول الحزب الحائز على ٥٣ مقعدا جاء بهم في المركز الثاني بين الأحزاب في الانتخابات البرلمانية، وبفارق كبير جدًا عن المستقلين، إلى حزب الأغلبية (المصطنعة).

٣- إذا كانت العديد من الأحزاب قد تولت عملية صناعة الكثير من النواب في موسم استقطاب المرشحين والإنفاق عليهم، فقد تولى مستقبل وطن في النهاية جني الثمار تحت شعار "الحزب المدعوم"، ويعرف رجل الشارع كما يعرف أعضاء الحزب أنفسهم أن زوال هذه الصفة عن الحزب تعني البدأ فورًا في سيناريو معتاد من الهجرة العكسية للحزب "المدعوم" الجديد، والحقيقة أن هذا الأمر تحديدًا ليس بمستحدث على الحياة الحزبية منذ الانتقال من تجربة الحزب الوحيد (الاتحاد الاشتراكي) إلى الحزب الواحد (الحزب الوطني) ثم الائتلاف الواحد (دعم مصر)، وأذكر أنني صرحت خلال الأيام الأولى من عمل البرلمان أنه سيجري في الكواليس الإعداد لعودة الحزب الواحد عندما يتم الاستقرار على من سيوكل إليه أداء هذا الدور.

٤- مسؤولية الحزب بحكم امتلاك الأغلبية العددية داخل قاعة مجلس النواب عن تقديم منتج برلماني جعل الناخبين يترحمون على أيام الحزب الوطني، ومسؤوليته كذلك عن العديد من المخالفات الدستورية كان آخرها تعطيل استحقاق دستوري تمثل في قانون الإدارة المحلية الذي أدرج بالفعل في جدول أعمال الجلسة العامة بعد ما يقارب ٤ سنوات من انتهاء لجنة الإدارة المحلية من مناقشته وإقراره.. بما يترتب على ذلك من ترك الفوضى تعم الإدارات المحلية وعدم انتخاب مجالس شعبية، وكما كان يتردد في الأحاديث الجانبية بين نواب الحزب: "ليه نوقع نفسنا في مطب نختار مين ونزعل مين من اللي عايزين يترشحوا؟ وليه نجيب ناس تنافسنا في دوايرنا من الأساس؟ والمحليات مقبرة النواب"، وهي المبررات التي تنطوي على التضحية بمصلحة الوطن والمواطنين لحساب مصالح شخصية وحزبية أنانية.

٥- ممارسة بعض نواب الحزب لدور المعارضة الشكلية فقط أثناء النقاشات داخل المجلس قبل التزام الأغلبية الساحقة منهم عند كل تصويت بتأييد الحكومة بشكل كامل، وحرمان المجلس من القيام بأعمال الرقابة الحقيقية الفعالة على أعمال السلطة التنفيذية بما يحقق الصالح العام ويضمن الفصل والتوازن بين السلطات في الدولة.

وإذا كان المواطن يهمه النتائج ويحمل المسؤولية عنها للمجلس مجتمعًا، فإن هذه النتائج هي مسؤولية الأغلبية صاحبة القرار، بينما تُسأل المعارضة عن تقديم البدائل ومحاولة إقناع الأغلبية بها، والقاعدة الصحية هنا يجب أن تكون: "أغلبية تحكم ولا تتحكم.. وأقلية تعارض ولا تعاند"، وذلك لحين الاحتكام مجددًا للناخبين، وربما تتبدل عندها المواقع.

٦- اختار الحزب منذ ثلاثة أيام رئيسًا جديدًا لم يعرف عنه قبلها بدقائق أي صلة تربطه بالحياة السياسية بصفة عامة أو بهذا الحزب على وجه الخصوص، وهو أمر طبيعي كونه كان رئيسًا للمحكمة الدستورية ويمنع عليه ممارسة العمل الحزبي، لكن غير الطبيعي والذي لم أسمع به في حياتي أن يتم تعيين رئيس لحزب من قبل مكتبه السياسي وليس انتخابه من مؤتمره العام، وأن ينشر الحزب صور اللقاء الأول للتعارف بين رئيس الحزب وقياداته وهو أسلوب يحدث أحيانًا في الشركات التي تستقدم مديرين من خارجها لكني لا أعرف حزبًا في مصر أو غيرها تسمح لائحته بذلك، وإذا كانت لائحة حزب مستقبل وطن طبيعية مثل باقي أحزاب الدنيا فما هو موقف لجنة شئون الأحزاب من ذلك؟ وما هو موقفها لو قام حزب تيار الكرامة مثلًا بنفس الأمر؟.

٧- يعمل الحزب جاهدًا على تأميم الحياة السياسية عبر الترويج لإجراء الانتخابات المقبلة بنظام القائمة المطلقة، وهو النظام الانتخابي الذي يجمع بين عيوب كلا النظامين المتعارف عليهما في كل دول العالم -عدا مجموعة تعد على أصابع اليد الواحدة- وهما الفردي والقائمة النسبية أو الجمع بينهما، والهدف هو استكمال الديكور الديمقراطي علي حساب التعبير الحقيقي عن إرادة الناخبين والتمثيل الواقعي نيابيًا لكل الاتجاهات السياسية في المجتمع، وهو أمر جد خطير وقد يدفع المواطنين للانسحاب الكامل من العملية الانتخابية بعد حالة الانسحاب الواسع من الحياة السياسية ومن الانخراط في الأحزاب علي عكس ما نص عليه الدستور في مادته الخامسة، خاصة ونحن نرى التطورات السلبية التي تجعل من كل انتخابات تشهدها البلاد خطوة إلى الوراء عن التي سبقتها، وذلك على معايير النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص وحياد السلطة وعدم استخدام أجهزة ومؤسسات الدولة -التي هي ملك للشعب كله- لحساب فريق وضد الآخرين من أبناء الوطن، وكل ذلك يمثل تراجعًا مخيفًا على طريق التحول الديمقراطي المتعثر أصلًا.

وأخيرًا.. فإننا نطالب الجميع بإعلاء المصلحة الوطنية واحترام الدستور وسيادة القانون، فمصر العزيزة بتاريخها العريق لم يعد يليق بها أن تظل أسيرة مشهد سياسي مأزوم يتم صناعته وإدارته من غرف مغلقة في معزل عن الناخبين الذين نخشى أن يقولوا هم هذه المرة "خليهم يتسلوا".