الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"لا بد أن نمنعه ولو بالقوة".. أسرار غضب رجال السادات من "زيارة الكنيست"

الرئيس نيوز


 

- السادات صارح إسماعيل فهمي بالفكرة لأول مرة في "سيناء الرومانية".. وتناقشا فيها 8 ساعات متصلة

- أسامة الباز انفجر قائلا: "هذا جنون لن أذهب معه إلا جثة هامدة".. ومحمد البرادعي عارض الفكرة بأسلوب أقل عنفاً

- الجمسي صرخ في مجلس الأمن القومي: "الكنيست لأ لأ".. وعرفات صُدم: "هل دعوتموني لأسمع هذا الكلام؟!"

- الرئيس طلب حذف من الرقابة حذف العبارة من خطاب البرلمان.. وقال لوزير خارجيته: "زلة لسان يا إسماعيل"


19 نوفمبر 1977.. تاريخ لا يُنسى من قصة الصراع العربي الإسرائيلي، عندما حطت طائرة الرئيس الراحل أنور السادات في مطار اللُد بالأراضي المحتلة، معلنة وزيارة أول رئيس مصري وعربي إلى إسرائيل.

القنبلة التي زلزلت العالم العربي آنذاك وحظيت باهتمام عالمي واسع النطاق، أطلقها السادات على الملأ لأول مرة في 9 نوفمبر، ثم جرت الأمور بسرعة رهيبة ليقوم بزيارته الشائكة بعد 10 أيام فقط، في 19 من نفس الشهر.

كواليس وأسرار كثيرة تحيط بهذه الزيارة التي يمر اليوم 42 سنة عليها، والتي مثلت أول اعتراف عربي بدولة الاحتلال الإسرائيلي، ومهدت لاتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام فيما بعد.

وسنركز هنا على ردود فعل الدائرة المحيطة بالسادات، من كبار قادة الدولة، حول قراره الذهاب إلى القدس، ومتى أعلن علن الفكرة لأول مرة في جلساته مع وزرائه، وذلك اعتمادا على كتاب "التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط"، مكتبة مدبولي، 1985، لإسماعيل فهمي، وزير خارجية مصر في الفترة من 1973 إلى 1977، والذي استقال قبل ساعات من الزيارة، التي كان معارضا لها لأبعد حد.

 

"سيناء" الرومانية.. هنا أفصح السادات عن الفكرة

يروي إسماعيل فهمي أنه في نهاية أكتوبر، قام السادات بجولة خارجية شملت رومانيا وإيران والسعودية، وهبطت طائرته في بوخارست يوم 28 أكتوبر، حيث التقى الرئيس الروماني نكولاي شاوشيسكو، ثم توجه رفقة الوفد المصري إلى قرية رومانية اسمها "سيناء"، على اسم شبه الجزيرة المصرية.

يوضح "فهمي: "هي قرية تبعد حوالي مائة كيلومتر من العاصمة الرومانية.. وكان لهذه القرية الرومانية جاذبية رومانسية خاصة عند الرئيس السادات، فقد سميت باسم سيناء المصرية، كذلك لانها كانت منتجعا مليئا بالخضرة".

ثم يضيف عبارة سنفهمها فيما بعد قائلا: "ولكن وآسفاه فالمأساة التي مزقت جهود السلام بدأت في سيناء".

ويكشف وزير الخارجية الأسبق أن أول مرة فاتحه فيها السادات بفكرة زيارة القدس كانت في قصر الضيافة في قرية سيناء، وكان الرئيس "ما زال في ملابس النوم"، وهو هنا ينفي ما ذكرة السادات فيما بعد في عدة مناسبات أو في مذكراته "البحث عن الذات"، من أن الفكرة جاءته في الطائرة فوق تركيا متجهين إلى إيران.

ويعقب "فهمي" على ذلك بأن "أن كل ما في الأمر أنه (أي السادات) أراد تغليف مبادرته المزعومة بهالة من الغموض".

أُسقط في يد وزير الخارجية بمجرد سماعه الفكرة، إذ لم يكن أحد يتصور أحد آنذاك أن يقدم رئيس مصر على هذه الخطوة الشائكة للغاية، والتي ستعني ضمنيا أشياء كثيرة، وأخذ يناقش الرئيس في الفكرة لما يقرب من ثماني ساعات دون توقف.

يقول إسماعيل فهمي: "ذكرت السادات بأنه ليس لدينا إلا كارتان نلعب بهما!! أحدهما الاعتراف بإسرائيل والثاني إنهاء حالة الحرب.. لو أنا ركبنا طائرة وذهبنا بها إلى القدس فهذا عمل ينطوي تلقائيا على الاعتراف بإسرائيل وإنهاء حالة الحرب.. فنحن نلعب بكارتين أساسيين في السياسة دون أن نجني أي شيء".

 

ردة فعل أسامة الباز ومحمد البرادعي

خرج وزير الخارجية من مقر إقامة السادات وذهب إلى استراحته، وهناك وجد مدجير مكتبه أسامة الباز مدير مكتبي، ومحمد البرادعي الذي كان مستشارا قانونيا في وزارة الخارجية آنذاك، وهو المديرالعام لوكالة الطاقة الذرية ونائب رئيس الجمهورية فيما بعد.

يحكي "فهمي" "(كانا) ينتظراني بفارغ الصبر، وبعد أن استرحت قليلا قصصت عليهما شيئا فشيئا ما سمعته من الرئيس السادات، وما أن انتهيت حتى فنفجر أسامة الباز قائلا: هذا جنون؛ لا شك أن الرجل غير متزن.. لا بد من منع ذهابه إلى القدس حتى لو استعملنا القوة. ولم يختلف اعتراض البرادعي بالنسبة لفكرة السادات عن موقف الباز، ولكنه لم يعبر عن رأيه بنفس العنف".

بوحسب ما يرويه إسماعيل فهمي، فإن البرادعي وجه فجأة إلى أسامة الباز سؤالا قائلا له: ماذا تفعل لو أصر السادات على رأيه؟ هل تذهب معه؟! ولكن إجابة الباز كانت واضحة كل الوضوح: "لن أذهب إلى القدس إلا جثة هامدة".

 

انفعال الجمسي في مجلس الأمن القومي

انتهت الجولة الخارجية للسادات وعاد إلى مصر، فدعا مجلس الأمن القومي المصري في 5 نوفمبر ليقدم له ملخصا عن الرحلة، وهنا أفصح السادات بشكل عابر وخجول عن فكرته، حسبما يروي إسماعيل فهمي.

يقول وزير الخارجية الأسبق عن ذلك الاجتماع: "ابتدأ السادات ببيان عام عن الزيارات وخص بالتفصيل محادثاته مع الرئيس شاوشيسكو شارحا عرض وجهة نظر بيجين حول كيان فلسطيني، وفي النهاية وبطريقة عرضية.. كأنه يشير إلى ممثلي الشعب الفلسطيني قائلا: إني مستعد للذهاب إلى القدس وإلقاء خطاب في الكنيست لو كان في هذا إنقاذ لدم أبنائي".

ويكمل: "تبع البيان سكوت تام، والظاهر أن أحدا لم يأخذه مأخذ الجد. ولم يسترسل السادات في فكرة الذهاب إلى القدس، ولعل ذلك يعود إلى عدم اتخاذه القرار النهائي، أو لأنه كالعادة لا يريد منحنا فرصة للتعليق أو المناقشة لما يقول، وتبدد هذا السكون بالفريق الجمسي الذي رفع يده فجأة وصرخ قائلا "الكنيست كلا.. الكنيست كلا.. هذا غير ضروري".

ويعلق "فهمي" على انفعال الجمسي، بأنه "عادة رجل نظام فهو لا يتدخل في الحديث دون استئذان السادات ولكنه هذه المرة كان مضطرا خوفا من أن يعني السادات ما يقول"، لكن "مرة أخرى عاد السكون شديدا في الاجتماع، ولم ينطق أحد بكلمة، واستمر السادات يناقش مسائل أخرى كأنه لم يسمع الجمسي على الإطلاق".

نأتي إلى الخطاب الشهير أمام مجلس الشعب، والذي شهد الإعلان عن نية السادات الذهاب إلى إسرائيل أو الكنيست، بشكل عام على الملأ، إذ يقول إسماعيل فهمي إنه "كان من المفروض أن يلقي السادات في المجلس خطابا مكتوبا، غير أنه فجأة انحرف عنه، وأعلن منفعلا أنه على أتم الاستعداد للذهاب إلى أي مكان في العالم حتى إلى القدس ويلقي كلمة موجهة إلى الكنيست لو ساعد هذا على إنقاذ دم أبنائه".

ماذا كان رد الفعل إذن في المجلس، يتابع: "صُدم ياسر عرفات (الذي كان حاضرا بدعوة من مصر) وتساءل "ما معنى هذا الكلام؟!.. هل يتعمد السادات هذا القول في حضوري.. هل دعوتموني إلى القاهرة لأسمع هذا الكلام"، وأكدت له أنه لم يكن هناك أي خطط لذلك، وأن هذه زلة لسان، ولكني شخصيا لم أكن متأكدا".

ويلفت إلى أنه "قليل جدا من الأفراد شك في أن بيان السادات لم يكن إلا نوعا من البلاغة.. وكان ياسر عرفات واحدا منهم، وكان الآخر الفريق الجمسي وزير الدفاع الذي همس في أذني قائلا "لقد أعادها مرة ثانية""، في إشارة إلى المرة الأولى التي ذكر فيها السادات الفكرة في مجلس الأمن القومي وشهدت رفض القائد العام للقوات المسلحة.

بعد نهاية الخطاب وقعت حادثة غريبة للغاية، إذ يروي إسماعيل فهمي: "ذهب السادات وأعضاء الوزارة إلى ردهة الاستراحة بعد إلقاء الخطاب في مجلس الشعب، وناداني هناك أمام الجميع صارخا: "هذه زلة لسان، أرجو يا إسماعيل أن تمنعها الرقابة منعا باتا".

ويتابع: "أمرت فورا بحذف الجملة الخاصة برحلة القدس والكنيست من خطاب السادات، وبناء على ذلك لم يظهر في صحف الحكومة في اليوم التالي أي إشارة إليها غير أن المراسلين الأجانب الذين حضروا مجلس الشعب أبرزوا هذه الفقرة بالذات في برقياتهم".