قانون الإيجار القديم يعود للواجهة.. ارتباك اجتماعي واعتراضات برلمانية على آليات التطبيق
عاد قانون الإيجار القديم إلى واجهة الجدل السياسي والمجتمعي مجددًا، عقب إقراره من مجلس النواب وتصديق رئيس الجمهورية عليه، وسط حالة ارتباك واسعة، لا سيما مع ضعف الإقبال على الوحدات السكنية البديلة، حيث لم يتقدم لها سوى نحو 55 ألف حالة حتى الآن.
انتقادات لطريقة تحريك الأجرة
وخلال ندوة نظمتها جبهة العدالة الاجتماعية «حق الناس» بمقر حزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، قالت ألهام عيداروس إن قانون الإيجار القديم، الذي بدأ تطبيقه بالفعل في 12 محافظة، جاء على خلاف توقعات المواطنين، وخاصة أنه حرر العلاقة بين المالك والمستأجر بشكل لم يكن ينبغي أن يحدث بهذه الصورة.
وأوضحت عيداروس أن القانون اعتمد على أسوأ آلية ممكنة لتحريك الأجرة، عبر تقسيم المناطق دون الاستناد إلى أسس تعاقدية واضحة، مكتفيًا بمعيار القيمة السوقية فقط، وهو ما خلق فجوة كبيرة بين رؤية المشرّع والبرلمان من جهة، وسعي المستأجرين للوصول إلى قيمة عادلة وحقيقية تُنهي الأزمة دون تحميلهم أعباء غير محتملة.
من جانبه، قال النائب فريد البياضي، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إن مناقشات قانون الإيجار كشفت عن خلل واضح في منهج عرض البيانات داخل البرلمان، مشيرًا إلى أنه تم التركيز على أعداد الوحدات السكنية المغلقة والمفتوحة، بدلًا من دراسة الأوضاع الاجتماعية للمواطنين المتأثرين بالقانون.
وأضاف البياضي: «لا أريد بيانات الحجر، أريد بيانات البشر»، متسائلًا عن أعداد أصحاب المعاشات، والفئات تحت خط الفقر، وقدرتهم الفعلية على سداد الإيجارات الجديدة، مؤكدًا أن البرلمان كان بصدد تشريع قانون يمس الأمن القومي الاجتماعي وحياة ملايين الأسر، وليس مجرد أرقام جامدة.
وأشار إلى أنه طالب بهذه البيانات داخل اللجنة المختصة، إلا أن الرد كان بعدم توافرها، قبل أن تُعرض لاحقًا في الجلسة العامة، ما دفعه للتشكيك في دقة الأرقام وشفافية عرضها.
فئات مستضعفة في مواجهة أعباء قاسية
وأكد البياضي أن القانون لا يمكن التعامل معه بوصفه تشريعًا قانونيًا مجردًا، لأنه يمس فئات واسعة من كبار السن وأصحاب الدخول المحدودة، متسائلًا: كيف لمن يتقاضى حدًا أدنى للمعاش لا يتجاوز 1500 جنيه – ويرتفع إلى 1700 جنيه – أن يتحمل إيجارات مرتفعة في ظل التضخم وغياب دعم حقيقي للدخل؟
وشدد على أن الاعتراض لا ينصب على مبدأ التعديل ذاته، وإنما على توقيته وحدّته وطريقة تطبيقه، معتبرًا أن التعديل جاء عنيفًا وغير متدرج، بما يهدد الاستقرار الاجتماعي.
جذور تاريخية للأزمة ومسؤولية حكومية
وتطرق البياضي إلى الخلفية التاريخية لقانون الإيجار، موضحًا أن تدخل الدولة في العلاقة الإيجارية بدأ عام 1941 في ظروف استثنائية مرتبطة بالحرب العالمية الثانية والتضخم، قبل أن تتوسع التشريعات لاحقًا في تثبيت الأجرة وتوريث العقود.
وأشار إلى أن هذه القوانين ألحقت ظلمًا بالطرفين، إلا أن كثيرًا من الملاك الذين أبرموا عقودهم في فترات لاحقة كانوا على علم بطبيعة العلاقة الإيجارية، مؤكدًا أن الحكومة تُعد طرفًا أصيلًا في الأزمة، ولا يجوز ترك المالك والمستأجر في مواجهة مباشرة دون حلول عادلة.
واختتم البياضي تصريحاته بالتأكيد على أن السكن ليس منّة، بل حق أصيل، داعيًا إلى حلول تدريجية تراعي البعد الاجتماعي وتحفظ حقوق جميع الأطراف.
مخاوف من فجوة التنفيذ والحلول المتأخرة
بدوره، حذر النائب علاء عبد النبي، وكيل لجنة الزراعة بمجلس الشيوخ، من تداعيات تطبيق قانون الإيجار القديم دون استعداد كافٍ، مؤكدًا أن حجم المشكلة يتطلب تحركًا مبكرًا لا حلولًا مؤجلة.
وأوضح عبد النبي أن محدودية عدد المتقدمين حتى الآن – نحو 55 ألف حالة – لا تعكس الواقع الحقيقي، مشيرًا إلى أن طبيعة المجتمع المصري تجعل غالبية المواطنين يؤجلون التحرك حتى السنوات الأخيرة من المهلة القانونية.
التمويل العقاري كحل عملي
وشدد وكيل لجنة الزراعة على أن الحل الجذري يكمن في توفير سكن بديل مناسب عبر التوسع في برامج التمويل العقاري، مع تقديم تسهيلات تمتد إلى 30 عامًا، معتبرًا أن هذا المسار هو الأكثر واقعية لضمان الاستقرار الاجتماعي.
وأضاف أن كثيرًا من المواطنين لن يكون بمقدورهم تحمل أعباء إضافية قد تصل إلى 15 ألف جنيه شهريًا، ما يستدعي تدخلًا جادًا لتخفيف الضغوط المعيشية وتجنب انفجار اجتماعي محتمل.




