الخميس 25 ديسمبر 2025 الموافق 05 رجب 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

تحديثات ملفات إبستين.. وثائق قديمة تفتح جراحًا سياسية في عهد ترامب

الرئيس نيوز

عاد ملف جيفري إبستين، الممول الأمريكي المدان بجرائم الاتجار الجنسي بالقاصرات، إلى صدارة المشهد السياسي في الولايات المتحدة، بعدما أفرجت وزارة العدل الأمريكية، أمس الثلاثاء، عن دفعة جديدة وضخمة من الوثائق المرتبطة بالتحقيقات التي طالت شبكته الواسعة من العلاقات، وفقا لمجلة نيوزويك.

هذه التطورات لم تكن مجرد استكمال لإجراءات قانونية متأخرة، بل تحولت سريعًا إلى قضية سياسية بامتياز، بعد أن تضمنّت الوثائق إشارات متكررة إلى الرئيس دونالد ترامب، ما أعاد فتح نقاش قديم حول علاقته بإبستين، وحدود المساءلة السياسية والأخلاقية في أعلى هرم السلطة.

وثائق وزارة العدل: حجم غير مسبوق ومضمون بالغ الحساسية

شملت الدفعة الثانية من الوثائق نحو 11 ألف ملف، بين سجلات محاكم، ومراسلات بريد إلكتروني، ووثائق تحقيق، وأجزاء من سجلات رحلات جوية، نشرت على دفعتين خلال شهر ديسمبر، في ظل ضغوط متزايدة من الكونجرس ومنظمات حقوقية طالبت بالشفافية الكاملة.

ورغم أن وزارة العدل شددت على أن النشر تم بعد مراجعات قانونية دقيقة، فإن طبيعة المعلومات الواردة، وكثرة الأسماء النافذة المذكورة، جعلت من الصعب حصر تأثيرها في الإطار القضائي فقط.

وأشار التقرير الذي نشرته مجلة نيوزويك، أمس الثلاثاء، بوضوح إلى أن اسم دونالد ترامب ورد في عدة مواضع داخل هذه الوثائق، دون أن يصل الأمر إلى توجيه اتهام جنائي مباشر، لكنه كان كافيا لإعادة إشعال الجدل العام.

سجلات الرحلات الجوية: علاقات اجتماعية أم مؤشرات مقلقة؟

من أكثر النقاط إثارة للاهتمام ما كشفته الوثائق بشأن سجلات رحلات طائرة إبستين الخاصة. فبحسب البيانات المنشورة، استقل ترامب الطائرة ثماني مرات على الأقل بين عامي 1993 و1996، في فترة كان إبستين خلالها شخصية اجتماعية معروفة في دوائر المال والنفوذ.

وتشير الوثائق إلى أن بعض هذه الرحلات ضمت على متنها جيسلين ماكسويل، مساعدة إبستين إضافة إلى أفراد من عائلة ترامب، من بينهم زوجته السابقة مارلا مابلز وابنته تيفاني وابنه إريك.

ورغم أن هذه الرحلات تعود إلى عقود مضت، ولا تشكل بحد ذاتها دليلًا على تورط جنائي، فإنها عززت صورة العلاقة الاجتماعية الوثيقة التي ربطت الطرفين في مرحلة مبكرة، وهو ما يتناقض مع محاولات ترامب اللاحقة لتصوير تلك العلاقة على أنها سطحية وعابرة.

إحدى الرحلات، بحسب الوثائق، تضمنت وجود شابة تبلغ من العمر 20 عامًا، دون الكشف عن هويتها لأسباب قانونية، وهو ما فتح الباب أمام تكهنات واسعة، رغم غياب أي اتهام موثق.

مار-آ-لاجو في قلب التحقيقات غير المباشرة

كشفت الوثائق كذلك عن مذكرة استدعاء صادرة في نوفمبر 2021 تطلب سجلات توظيف من منتجع مار-آ-لاجو المملوك لترامب، في سياق التحقيقات المتعلقة بقضية جيسلين ماكسويل. 

وزارة العدل أكدت أن هذه الخطوة كانت إجراءً روتينيًا لجمع المعلومات، ولا تعني توجيه اتهام للرئيس أو لمؤسسته.

ولكن سياسيًا، كان لاسم المنتجع دلالته الخاصة، خاصة في ظل شهادات سابقة لناجيات تحدثن عن أن أول احتكاك لهن بشبكة إبستين تم عبر وظائف خدمية في أماكن فاخرة يرتادها أصحاب نفوذ.

بلاغات غير مؤكدة ورسائل مزيفة

من النقاط التي أثارت جدلا واسعا أيضًا ما ورد بشأن بلاغات تلقاها مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل انتخابات 2020، تضمنت مزاعم متعلقة بترامب. ولكن وزارة العدل سارعت إلى التأكيد أن هذه البلاغات اعتبرت غير صحيحة ولا يمكن أن يتم بموجبها اتخاذ أي إجراء قانوني.

كذلك تضمنت الوثائق رسالة مزعومة من إبستين إلى لاري نصار تتحدث عن ترامب، قبل أن يؤكد مكتب التحقيقات الفيدرالية، ـFBI، لاحقا أنها رسالة مزورة بالكامل. ورغم هذا النفي، فإن مجرد إدراجها ضمن الملفات المنشورة غذّى حالة الشك العامة، في مناخ سياسي بات شديد الحساسية تجاه أي معلومة غير مكتملة.

من دعم ترامب إلى المطالبة بعزله

اللافت في هذه الجولة من تطورات القضية هو البعد الإنساني والسياسي المتداخل. فقد خرجت بعض الناجيات من شبكة إبستين، وبينهن نساء صوتن لترامب في انتخابات سابقة، للمطالبة بمساءلته سياسيًا، بل والدعوة إلى عزله، ليس استنادًا إلى اتهام جنائي مباشر، بل بسبب ما يعتبرنه فشلًا أخلاقيًا ومؤسسيًا في التعامل مع ملف العدالة.

هذا التحول في موقف جزء من القاعدة الانتخابية السابقة لترامب يحمل دلالة سياسية مهمة، إذ يعكس تآكل الثقة لدى بعض أنصاره في طريقة إدارة هذا الملف، ويضع الإدارة أمام تحدٍ أخلاقي يتجاوز النصوص القانونية.

أزمة ثقة تتجاوز شخص ترامب

كشفت تحديثات ملفات إبستين عن أزمة أعمق من مجرد علاقة اجتماعية قديمة أو وثائق متأخرة. إنها أزمة ثقة في المؤسسات، وفي قدرة النظام السياسي الأمريكي على محاسبة أصحاب النفوذ بلا استثناء، فبينما تؤكد وزارة العدل عدم وجود اتهامات مباشرة بحق ترامب، فإن استمرار الجدل، وضغط الرأي العام، وصوت الناجيات، يجعل من قضية إبستين جرحا مفتوحا في الوعي الأمريكي.

ويبقى السؤال الأهم: هل سيكون نشر هذه الملفات خطوة نحو إغلاق صفحة مظلمة من التاريخ الحديث، أم بداية لفصل جديد من الصراع السياسي والقانوني، حيث تختلط الحقيقة بالشك، والعدالة بالحسابات الانتخابية والسباق الأزلي المحموم بين الديمقراطيين والجمهوريين على أصوات الناخبين في كافة الاستحقاقات البلدية والتشريعية بل والرئاسية.