الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 الموافق 03 رجب 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

بين البلاغات وحرية النقد.. لماذا تحولت الصحافة إلى ساحة صدام مع المسؤولين؟

الرئيس نيوز

في ظل تصاعد البلاغات المقدمة من مسؤولين حكوميين ضد الصحفيين خلال الفترة الأخيرة، والتي كان آخرها، نظر محكمة الجلاء- جنح بولاق أبو العلا- أمس الإثنين، المعارضة في الحكم غيابيًا بحبس الزميل محمد طاهر، ستة أشهر مع الشغل، على خلفية نشره خبر عن تضرر متحفي شرم الشيخ والغردقة نتيجة الأمطار الغزيرة، يعود الجدل مجددًا حول حدود حرية الصحافة، وغياب المساءلة، وتأخر إصدار قانون حرية تداول المعلومات.

وبينما يرى كتاب ونقابيون أن الأزمة تعكس خللًا تشريعيًا وثقافيًا في التعامل مع الصحافة، تتباين الرؤى حول سبل الحل بين حماية حق النقد، وتفعيل حق الرد، وضمان وصول الصحفيين إلى المعلومات. 

وفي هذا السياق، يرصد موقع “الرئيس نيوز” آراء كل من الكاتب الصحفي عبدالله السناوي، وسكرتير عام نقابة الصحفيين جمال عبدالرحيم، والكاتب الصحفي والبرلماني مصطفى بكري، حول جذور الأزمة وسبل الخروج منها.

عبدالله السناوي: تجفيف متعمد لحرية الصحافة.. ووزراء يتصرفون كأنهم فوق المساءلة

يرى الكاتب الصحفي عبدالله السناوي، إن الفترة الأخيرة شهدت عدة وقائع متتالية، بتقديم مسؤولين لبلاغات ضد صحفيين، وأوضح إن هناك مفارقة كبيرة في هذا الأمر، مفسرا بأن الحكومة تعتقد أنها محسنة من السؤال.

وأضاف السناوي: "الحكومة تعتقد أنها طالما لا تُسأل في المجلس النيابي، ولا يوجد طلبات إحاطة حقيقية أو مساءلة أو استجواب في المجلس النيابي السابق، حتى أنه لم يتم أي استجواب تقريبًا لأي وزير من الوزراء، فيعتقدوا إنهم فوق المساءلة"، هذا رقم واحد.

وأكمل قائلًا: "رقم اتنين إن حرية الصحافة الحقيقة أصبحت في حالة تجفيف متعمد، وبالتالي فكرة المسائلة عبر وسائل الإعلام أو الصحافة بالذات هي فكرة مستغربة لدى الوزراء"، وقال: "رقم تلاتة القيود الموجودة على حريات الصحافة وحرية النقد وحرية التعبير، تصنع مجال من انعدام المساءلة، وهذا كله يدفع الوزراء إلى الذهاب إلى تقديم بلاغات".

وأشار السناوي، إلى أن ضعف ثقافة الاختلاف والتنوع والحق في مسائلة المسؤول التنفيذي، وغياب القواعد والأصول هو الذي يدفع إلى تقديم بلاغات، مشيرًا إلى أن المسألة تحتاج إلى منظومة مختلفة ومقاربة مختلفة.

وأكد ضرورة وجود بنية تشريعية تحمي حرية النقد والتفكير والتعبير، بالإضافة إلى إعمال مواد قانونية منها احترام حق الرد، بأن يكون في نفس المكان ونفس الفونت والمساحة، موضحًا أنه إذا ما فُعّل حق الرد فتكون كل الأمور محلولة، وهذا جوهر الأزمة الحقيقة".

وأوضح السناوي، أن قانون إتاحة المعلومات تأخر كثيرًا، ونسمع عنه منذ سنوات، ولكنه لم يصدر حتى اليوم، ما يساهم في زيادة هذه المشكلات بين الصحافة والمسئولين، قائلًا: "قانون حرية تداول المعلومات منصوص عليه في الدستور، وقبل ذلك طالبنا به لما يزيد عن 50 سنة، وهو طلب متكرر من نقابة الصحفيين ومن كبار الصحفيين، وفي مداخلات عديدة نطالب بقانون إتاحة المعلومات، وبالتالي يصبح المتاح الوحيد هو اتهام أي صحفي بأنه يشيع أخبار كاذبة".

وأضاف الكاتب الصحفي: "كل ما سبق يترتب عليه صنع بيئة غير صحية في المجتمع، فلا أنت لديك حرية صحافة تُحترم، ولا تمتلك مسؤولية تنفيذية تخضع للمسائلة، ولا يوجد لديك عندك برلمان يقوم بواجبه، فأنت في مناخ مكتوم، ويصبح المتاح لأي طرف أن يدعي ما يشاء ويذهب بالصحفيين للمحاكم"، قائلًا: "إحنا بعيد أوي عن البيئة الصحية للإعلام الحقيقي".

وختم السناوي: "إذا توفرت بيئة صحية للصحافة فسيكون الوضع أفضل كثيرًا للصحفي وأكثر أمانا، ومن حق المؤسسات أن تصدر البيانات كما تشاء للتعبير عن نفسها، لكن من حق الصحافة أن تسأل عن حقيقة هذا الكلام والتحقق من صحته، وفي هذا الحال لن يصدر بيانات خاطئة من المسؤولين ولا المؤسسات، ولذلك ما نحتاجه بنية تشريعية وصحفية مختلفة كل الاختلاف عما هو يجري حاليًا، لأننا أصبحنا في بيئة مسمومة".

جمال عبدالرحيم: 11 عامًا من تجاهل الدستور.. وتأخر قانون المعلومات يفاقم أزمة الصحافة

من جانبه، قال جمال عبدالرحيم سكرتير عام نقابة الصحفيين، إن عدم إتاحة المعلومات، يمثل الأزمة الخطرة التي تمر بها الصحافة في الآونة الأخيرة، موضحًا أن الصحفيين يطالبون منذ أكثر من 10 سنوات بإصدار قانون تداول المعلومات.

وأضاف عبدالرحيم: "بقالنا 10 سنوات تقريبًا، عندما يسأل الصحفي في الوزارات عن أي شيء، يقولوا له سنضع المعلومات في بيان على صفحة الوزارة، والصحافة تعمل بمنظور مختلف عن هذه الطريقة"، لافتًا إلى أن وزارة الداخلية على سبيل المثال ترفض دخول الصحفيين وتقوم بإرسال البيانات لهم فقط.

وانتقد سكرتير عام نقابة الصحفيين عمل الوزارات أو المؤسسات لجروبات على مواقع التواصل الاجتماعي ويضعون فيها رؤساء التحرير فقط، معطيًا مثال بالهيئة الوطنية للانتخابات التي أنشأت “جروب” وضعت فيه رؤساء التحرير للتواصل معهم بشكل مباشر، ما يلغي دور الصحفي المختص في هذا الشأن، معتبرًا أن ذلك عدم إتاحة معلومات وهو “مربط الفرس” في الأزمة، لأن فهم دور الصحافة نفسه أصبح غائب لدى المسئوولين والمؤسسات.

وأضاف عبدالرحيم: "رغم إن الدستور به نص صريح يلزم الدولة بسرعة إصدار قانون لحرية تداول المعلومات في دستور 2014، أي أنه مر عليه 11 عامًا وهو استحقاق دستوري، وبرغم ذلك لم يجري تفعيله وهذا يتسبب في زيادة الأزمة، ويجعل المسؤولين يتقدمون ببلاغات ضد الصحفيين، وهذا أمر غير مقبول".

وأشار إلى أن هناك أليات أخرى بدلًا من تقديم بلاغات، منها حق الرد، والتواصل مع المؤسسة، بالإضافة إلى التواصل مع نقابة الصحفيين، فهي الجهة الوحيدة طبقًا للقانون المنوط بها معاقبة أو التحقيق مع أعضائها، وهذا الأمر قد يصل إلى الشطب من سجلات النقابة، إذا كانت هناك مخالفة صارخة.

وقال عبد الرحيم: "المسؤول شخصية عامة فطبيعي جدًا يتم انتقاد أداؤه في الوزارة، وأداؤه في أي عمل وهذا أمر طبيعي، لكن فكرة كثرة البلاغات ضد الصحفيين وإخلاء سبيلهم بكفالة هذا أمر مرفوض، وخصوصًا أن لديك حق الرد، ولديك النقابة، لكن فكرة تقديم بلاغات زادت في الآونة الأخيرة بشكل مزعج جدًا ويؤثر على صورتنا"، وأضاف: دائمًا تسعى النقابة للحل بشكل ودي بالتواصل ع المسؤولين للتنازل عن البلاغات وهذا حدث أكثر من مره".

وتساءل عضو مجلس نقابة الصحفيين: لماذا يلجأون لتقديم بلاغات طالما توفرت لهم وسائل أخرى؟، موضحًا أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام نفسه لديه القدرة على اتخاذ إجراءات ضد الصحفيين في حال وجود أخطاء مهنية على الشاشة، مؤكدًا: "لو أن هناك قانون حرية تداول المعلومات فستنتهي هذه الأزمة تمامًا".

مصطفى بكري: الحل في القانون والحوار

في نفس السياق، أكد الكاتب الصحفي والبرلماني مصطفى بكري، أن ميثاق الشرف الصحفي يحدد ما يقال وما لا يقال، قائلًا: "الصحفي من حقه أن ينتقد المسؤول طالما كان ذلك في إطار هذا الميثاق الصحفي، والمسؤول من حقه أن يلجأ إلى القضاء طالما أنه وجد هناك خروج على ميثاق الشرف الصحفي".

وأشار بكري، أن كثيرًا من هذه المشاكل والأزمات تُحل بالطريق السلمي وبالحوار الموضوعي، ونقابة الصحفيين تلعب دورًا مهمًا في هذا الأمر، قائلًا: “لن نستطيع أن نحد الصحفي أو نمنع حريته من انتقاد المسؤول، ولن نستطيع أن نمنع المسؤول من اللجوء إلى القضاء، وطالما أن الصحفي لديه الوثائق التي تثبت صحة اتهامه فأعتقد أنه سيحصل على البراءة في أي قضية ترفع ضده، بعيدًا عن أي أساليب للتنكيل أو المغالاة”.

وأكمل بكري: "رئيس الوزراء وعد بأن قانون حرية تداول المعلومات، سيقدم في الدورة القادمة لمجلس النواب"،مشيرًا إلى أن الحكومة تأخرت كثيرًا في إصدار هذا القانون، وحان الوقت لأن يكون لدينا قانون لتداول المعلومات حتى يستطيع الصحفي والإعلامي الحصول على المعلومات الصحيحة من مصادرها الأصلية".