تحذيرات من مخاطر فقاعات سعرية.. هل صعود البورصة يعكس تحسنًا حقيقيًا؟| عاجل
قال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن المكاسب المتتالية التي حققتها البورصة المصرية خلال الربع الرابع والأخير من العام لا يمكن فصلها عن حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، معتبرًا أن جزءًا كبيرًا من هذه الارتفاعات لا يعكس تحسنًا جوهريًا في الاقتصاد، بقدر ما يعكس تحركات سيولة ضخمة تبحث عن عائد سريع.
وأوضح النحاس، في تصريحات لـ«الرئيس نيوز»، أن القطاع المصرفي يشهد فوائض مالية كبيرة، ومع محدودية الفرص الاستثمارية التقليدية، اتجهت هذه السيولة إلى سوق المال باعتباره المسار الأسرع لتحقيق العوائد، مشيرًا إلى أن المشهد الحالي تحركه بالأساس المؤسسات وليس المستثمرون الأفراد، وهو ما يفسر موجات الصعود المتتالية.
مضاربات مؤسسية أم إعادة تسعير؟
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن التساؤل الرئيسي المطروح حاليًا يتمثل في ما إذا كانت هذه الارتفاعات تعكس نموًا حقيقيًا أم مجرد مضاربات مؤسسية، لافتًا إلى أن جزءًا معتبرًا من الصعود قائم على إعادة تسعير الأصول، وليس على نمو فعلي في الأرباح أو توسع تشغيلي مستدام.
وأضاف أن القطاعات القائدة للمؤشرات الرئيسية مترابطة فيما بينها، موضحًا أن استحواذ الدولة خلال الفترة الماضية على حصص في عدد من الشركات دفع إلى إعادة تقييم هذه الأصول ورفع أسعارها السوقية، باستثناء بعض الأسهم التي تمتلك توسعات حقيقية، خاصة في منطقة الخليج.
وأوضح النحاس أن عددًا من الأسهم لا يزال يتداول قرب مستوياته منذ عام، رغم تحقيقه نتائج أعمال جيدة، مستشهدًا بسهم البنك التجاري الدولي، الذي وصل في وقت سابق إلى 119 جنيهًا دون مبررات تشغيلية واضحة.
وفي المقابل، أشار إلى صعود سهم المصرية للاتصالات عقب حريق رمسيس، مرجعًا ذلك إلى ارتباط الشركة بوثيقة سياسة ملكية الدولة، واستثماراتها المتعلقة بحصة فودافون، ما جعل حركة السهم أكثر نشاطًا. لكنه شدد على أن تحركات بعض الأسهم غالبًا ما تسبقها معلومات داخل السوق تدفعها إلى الصعود المفاجئ.
سيولة محبوسة وسوق شبه مغلق
وأكد النحاس أن الدولة تبذل جهودًا واضحة لجذب الاستثمارات، لافتًا إلى أن العقل الرقمي للدولة يشهد تغيرًا منذ سنوات، إلا أن شريحة من المستثمرين لا تحقق عوائد تشغيلية حقيقية، وتعتمد في الأساس على الاحتفاظ بالأسهم لتحقيق مكاسب رأسمالية مستقبلية.
وأوضح أن عمليات البيع والشراء داخل السوق تتم في دائرة شبه مغلقة، حيث تدخل المؤسسات وتبقى السيولة محبوسة داخل السوق، محذرًا من أن أي خروج جماعي قد يؤدي إلى هبوط حاد، وهو نمط موجود في مختلف البورصات العالمية، وليس قاصرًا على السوق المصرية.
قروض بضمان الأسهم ومخاطر فقاعات سعرية
وأشار وائل النحاس إلى لجوء بعض رجال الأعمال إلى الحصول على قروض بضمان أسهمهم في ظل نقص السيولة، وهو ما يدفعهم إلى رفع أسعار هذه الأسهم للحصول على تمويل إضافي، محذرًا من أن هذا السلوك قد يؤدي إلى تكوين فقاعات سعرية قابلة للانفجار.
وأضاف أن تراجع حجم الاحتياطي لدى عدد من البنوك عن مستوياته الطبيعية، إلى جانب احتمالات خفض أسعار الفائدة، قد يؤثر سلبًا على القوة الشرائية ويخلق اختلالات داخل السوق.
تحذيرات من توظيف أموال التأمينات
وانتقد النحاس الاعتماد على أموال التأمينات في الاستثمار بسوق المال، مشيرًا إلى أن قانون التأمينات الجديد يوجه نحو 75% من هذه الأموال للاستثمار في أدوات الدين الحكومي، معتبرًا أن ذلك يعيد إنتاج أخطاء قديمة.
وأوضح أن الدولة التزمت برد أموال المعاشات حتى عام 2050 بإجمالي يقترب من 4 تريليونات جنيه، متسائلًا عن جدوى تكرار سياسات ثبت عدم ملاءمتها لطبيعة المواطن المصري غير القادر على تحمل مخاطر مرتفعة.
مخاطر على أموال المواطنين
وأكد الخبير الاقتصادي أن سوق المال لا يزال هشًا نسبيًا، ولا يصلح لتحميله أموال التأمينات، محذرًا من التضحية بأموال المواطنين لتحقيق مكاسب لمستثمرين دخلوا عند مستويات سعرية منخفضة وقد يخرجون بعوائد ضخمة.
وأشار إلى أن بعض الأسهم قفزت من 30 جنيهًا إلى 120 جنيهًا، أي بزيادة تقارب 400%، وهو ما يعكس، في بعض الحالات، نمطًا أقرب إلى المقامرة في ظل غياب عوائد تشغيلية حقيقية يمكن البناء عليها.
تدفقات جديدة تدعم الصعود مؤقتًا
واختتم النحاس تصريحاته بالتأكيد على أن التدفقات القادمة من شركات المقاولات، وتجار العملة، وسوق السيارات تمثل وقودًا جديدًا للبورصة، في محاولة لتعويض خسائر هذه القطاعات عبر سوق المال، محذرًا من أن هذا الدعم قد يكون مؤقتًا ما لم تصاحبه إصلاحات هيكلية حقيقية تعزز استدامة النمو.





