الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

مبعوث ترامب يرفض الشروط المسبقة ويواصل مساعي إنهاء الصراع في السودان

الرئيس نيوز

تتزايد التحركات الدولية لإنهاء الحرب المشتعلة في السودان، مع إعلان المبعوث الأمريكي مسعد بولس رفضه القاطع لـ“شروط مسبقة” طرحها الجيش السوداني مقابل التعامل الإيجابي مع المقترح الأمريكي للهدنة. 

وكان بولس قد شدد خلال مؤتمر صحفي في أبوظبي على أن تلك الشروط “مستحيلة التطبيق”، مؤكدًا أن الأولوية الآن هي إيقاف الكارثة الإنسانية التي تضرب البلاد منذ اندلاع القتال في أبريل 2023، وذلك وفقًا لصحيفة آراب ويكلي اللندنية.  

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لم تتوقف محاولات الوساطة الدولية والإقليمية، لكن معظمها اصطدم بتعقيدات داخلية وتشابك مصالح خارجية. 

الخطة الأمريكية الأخيرة، التي أعيد طرحها بعد مقترح مماثل في سبتمبر الماضي، تسعى إلى فرض هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يليها وقف دائم لإطلاق النار، ثم مرحلة انتقالية تمتد لتسعة أشهر تؤدي إلى حكم مدني. هذه الخطة تحمل في طياتها تصورًا واضحًا لإبعاد الجيش والدعم السريع عن المشهد السياسي بعد الحرب، وهو ما يثير رفضًا شديدًا من المؤسسة العسكرية التي ترى في ذلك تهديدًا لدورها التاريخي في إدارة الدولة.  

ورغم أن الخطة لم تواجه اعتراضات جوهرية من الطرفين، فإن كلًا من الجيش والدعم السريع لم يقدما قبولًا رسميًا لها. قوات الدعم السريع أعلنت هدنة من طرف واحد استجابة للضغوط الدولية، بينما أكد الجيش أنه صدّ هجومًا جديدًا في غرب كردفان، في دلالة على استمرار المعارك رغم لغة الدبلوماسية. هذا التناقض بين الخطاب السياسي والواقع الميداني يعكس عمق الأزمة، حيث لا تزال الثقة معدومة بين الطرفين، وكل طرف يحاول تحسين موقعه العسكري قبل أي تسوية محتملة.  

في تصريح لافت، نفى بولس اتهامات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بوجود “انحياز” أمريكي، مؤكدًا أن البرهان “استند إلى معلومات غير صحيحة” وأن واشنطن لم تقدم أي مقترح بالصيغة التي يزعمها. هذا الموقف يعكس رغبة أمريكية في الحفاظ على صورة الحياد، رغم أن بعض القوى السودانية ترى أن واشنطن تميل إلى دعم المدنيين على حساب المؤسسة العسكرية. لاحقًا، طلب مجلس الأمن والدفاع السوداني من “الجهات المختصة” الرد رسميًا على المقترح الأمريكي، في تراجع نسبي عن التصعيد السابق، ما يشير إلى أن الجيش لا يريد قطع الجسور مع واشنطن بشكل كامل.  

إقليميًا، دخلت الإمارات على خط الأزمة عبر تصريحات أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، الذي أكد دعم بلاده للجهود الأمريكية لإنهاء الحرب، مشددًا على أن مستقبل السودان “لن تحدده جماعة الإخوان أو أي مجموعات مرتبطة بها”. هذه التصريحات جاءت ردًا على اتهامات الجيش السوداني للإمارات بتسليح قوات الدعم السريع، وهي اتهامات نفتها أبوظبي مرارًا. الموقف الإماراتي يعكس رغبة في لعب دور الوسيط، لكنه أيضًا يضعها في مواجهة مع المؤسسة العسكرية السودانية التي ترى في نفوذ الإسلاميين داخل الجيش ورقة ضغط ضد أي تسوية مدعومة من الخارج.  

على المستوى الدولي، شدد المتحدث باسم الأمم المتحدة على أن “المعيار الحقيقي هو حماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات بلا قيود”. هذا الموقف ينسجم مع رؤية واشنطن التي ترى أن أي هدنة يجب أن تكون إنسانية بالدرجة الأولى، قبل أن تتحول إلى اتفاق سياسي شامل. لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن المساعدات تواجه عراقيل كبيرة، سواء بسبب المعارك المستمرة أو بسبب سيطرة الأطراف المتحاربة على طرق الإمداد.  

ومع دخول الحرب عامها الثالث، يتواصل الانهيار الإنساني في السودان: عشرات الآلاف من القتلى، ونحو 12 مليون نازح، واتفاقات هدنة عديدة انتهت جميعها بالفشل. هذا الوضع الكارثي يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية مضاعفة، حيث لم يعد ممكنًا الاكتفاء بالبيانات الدبلوماسية، بل بات مطلوبًا ممارسة ضغوط حقيقية على الأطراف المتحاربة لوقف النزيف.  

ولفتت الصحيفة إلى أن التحرك الأمريكي الأخير يعكس إدراكًا متزايدًا بأن الوقت ليس في صالح السودان. كل يوم يمر يزيد من معاناة المدنيين ويعقد فرص الحل. لذلك، فإن رفض بولس للشروط المسبقة ليس مجرد موقف سياسي، بل محاولة لتسريع الوصول إلى أرضية مشتركة يمكن البناء عليها. واشنطن تراهن على دبلوماسية مرنة ترفض الإملاءات وتفتح الباب أمام حوار شامل، في وقت تبدو فيه الأزمة السودانية واحدة من أعقد الملفات في المنطقة، تتطلب صبرًا وتنسيقًا دوليًا واسعًا حتى لا تتحول إلى نزاع مزمن يهدد استقرار القرن الأفريقي بأكمله.  

في المقابل، لا يمكن تجاهل أن القوى الإقليمية مثل مصر والسعودية تتابع الأزمة عن كثب، إذ تخشى من انعكاساتها على أمن البحر الأحمر واستقرار الحدود. مصر، على سبيل المثال، ترى أن أي تسوية يجب أن تراعي مصالحها الاستراتيجية، خصوصًا في ما يتعلق بملف سد النهضة والعلاقات مع إثيوبيا. أما السعودية، فهي تدرك أن استمرار الحرب يهدد مشاريعها الاقتصادية في البحر الأحمر، ما يجعلها حريصة على دعم أي مبادرة توقف القتال.  

وباتت الأزمة السودانية ساحة اختبار للدبلوماسية الدولية والإقليمية. المبعوث الأمريكي بولس يحاول كسر الجمود عبر رفض الشروط المسبقة وطرح خطة واضحة للانتقال السياسي، لكن نجاح هذه الجهود يتوقف على استعداد الأطراف السودانية لتقديم تنازلات حقيقية، وعلى قدرة المجتمع الدولي على فرض إرادته في مواجهة تعنت العسكريين والمصالح المتشابكة للقوى الإقليمية. وحتى الآن، يبدو أن الطريق إلى السلام في السودان لا يزال طويلًا، لكن التحركات الأخيرة قد تمثل بداية مسار جديد إذا ما توافرت الإرادة السياسية والضغط الدولي الكافي.