الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

بعد اتهامات السيسي| "دراما الكمباوندات" تشعل الجدل.. هل الفن المصري انفصل عن المجتمع؟

صناع الدراما في مواجهة "تشخيص الرئيس": أزمة السيناريست الغائب ودور الدراما في ارتفاع معدلات الطلاق

السيسي يُطلق شرارة الجدل.. والدراما على منصة الاتهام

عاد الجدل حول مصداقية الدراما المصرية وتأثيرها الاجتماعي ليحتل واجهة المشهد بقوة، بعد أن قدم الرئيس عبد الفتاح السيسي تشخيصًا رسميًا لنمط الأعمال الفنية. فقد اعتبر الرئيس أن نماذج العلاقات الاجتماعية المرفهة والمبالغ فيها التي تقدمها الدراما على مدار عقود لم تعكس واقع الأسرة المصرية وقيم الكفاح، بل ركزت على أنماط مبالغ فيها من الرفاهية والسكن في الفيلات والشقق الفارهة. هذه النماذج، بحسب الرئيس، ساهمت في رفع سقف التوقعات لدى الأجيال الجديدة، وأحدثت فجوة بين واقع الأسرة البسيطة والخيال المعروض على الشاشة، معتبرًا أن هذا التأثير قد يكون سببًا في ارتفاع معدلات الطلاق.

الرئيس السيسي: "هي نسب الطلاق زادت ليه؟... جايب لك (الدراما) قاعدين في فيلا وشقق غالية جدا يمكن تلتين المصريين ميقدروش يعملوه فحضرتك بتتفرجي على التليفزيون عايزة لما تيجي تشوفي كده، يبقى بيتك زيهم.. طب بيتك مش زيهم، فأنت مش راضية لا عن باباكي ولا عن جوزك."

في ظل هذا التشخيص الذي يرى أن الإصلاح يبدأ من "تشخيص دقيق وصحيح" لأسباب الخلل، يفتح "الرئيس نيوز" هذا الملف الشائك. نطرح التساؤلات على نخبة من النقاد: هل تحولت الدراما بالفعل لـ "دراما الكمباوندات"؟ وهل تكمن مشكلتها في الديكورات الفخمة أم في فقدان "العمود الفقري" لصناعتها؟

أزمة الواقعية.. هل الكمباوند انعكاس أم هروب؟

انقسم النقاد الفنيون حول مدى صحة وصف الدراما الحالية بـ "دراما الكمباوندات"، حيث رفض البعض هذا التصنيف واعتبره سطحيًا، بينما رآه آخرون دليلًا على أزمة مصداقية حقيقية في تناول البيئات الاجتماعية.

خيرية البشلاوي: الأزمة في "تفكيك الشخصية" وتراجع الكتاب

الناقدة خيرية البشلاوي، ترى أن ما يتردد حول تحول الدراما لـ "دراما كومباوندات" ليس سوى "تصور غير دقيق". وتؤكد أن الأزمة أعمق بكثير وترتبط بتراجع المجتمع نفسه.

تشير البشلاوي إلى أن "الكومباوند بقى جزء من المجتمع"، وأن وجوده في الدراما ليس انفصالا عن الواقع، بل انعكاس لتحول اجتماعي حقيقي، حيث أصبحت نسبة كبيرة من الناس تسكن فيها. وتستطرد أن الدراما من زمن "أيام أفلام التليفون الأبيض" كانت تقدم الشريحة العليا كجزء من الصورة الفنية.

وحول الانتقادات الموجهة للدراما التي تظهر موظفين عاديين يعيشون في فيلات أو يملكون سيارات فارهة، ترى البشلاوي أن المشكلة ليست في كون هذا المشهد غير واقعي تمامًا، بل في ما يحمله من دلالات: "الدراما مش لازم تعكس الواقع الاجتماعي بالحرف، فيه تطلعات موجودة عند الناس، ودي ممكن الدراما تستلهمها".

بالنسبة للبشلاوي، يكمن الخلل في الجوهر: "العمود الفقري للدراما هو السيناريست. لما جودة الكاتب تتراجع... الدراما نفسها لازم تتراجع". وتستعيد أسماء كتّاب كبار من الماضي متسائلة: "فين دلوقتي الكاتب اللي نقول عليه عظيم؟ مش لاقيين… حتى روائيين كبار زي نجيب محفوظ ويوسف السباعي ما اتكرروش".

تؤكد البشلاوي أن الجمهور لا ينزعج من مشاهدة الثراء أو الحياة الفارهة: "المشكلة مش في الفيلل ولا العربيات.. المشكلة في الجوهر. في الرسالة اللي العمل عايز يوصلها".

لكنها تحذر من الرسائل التي قد تمررها بعض الأعمال بشكل غير مباشر: "السؤال: إنت بتبشر بأيه؟ بتقدم شخصية فاسدة أو مرتشية على أنها نموذج ناجح؟ بترسخ إيه في ذهن المشاهد؟"، وتضيف أن المتفرج الواعي يشاهد بنقد، لكن الغالبية لا تشاهد بهذه الطريقة، ما يجعل التأثير السلبي أكثر وضوحًا.

وتشدد على أن الدراما قادرة على الإلهام كما هي قادرة على الإفساد: "لو الرسائل المطوية فاسدة، هتنعكس على المجتمع… ولو فيها أمل أو طموح، هتنعكس برضه".

اختتمت الناقدة حديثها بالتأكيد على ضرورة تحسين بيئة صناعة الدراما نفسها، بدءًا من تطوير الكتابة ومرورًا برفع مستوى الوعي الفني والثقافي داخل الصناعة وخارجها.

طارق الشناوي: الفن لا يُقاس بالديكورات

في السياق نفسه أكد الناقد الفني الكبير طارق الشناوي أن الجدل الدائر حول ما إذا كانت الدراما “تعكس معاناة الفقراء” أو “تُجسّد عالم الأغنياء” هو جدل غير منطقي من الأساس، مشدّدًا على أن الفن عبر تاريخه لا يُقاس بمستوى دخل الشخصيات، بل بقدرته على التعبير عن حياة المجتمع وتقديم قصص ممتعة وذات قيمة.

وقال الشناوي إن السينما المصرية منذ بداياتها قدّمت كل البيئات والشرائح الاجتماعية دون حساسيات، مستشهدًا بفيلم «غزل البنات» (1949) الذي دارت أحداثه بين قصر الباشا ومنزل يوسف وهبي والبار وغرفة ليلى مراد الراقية، ورغم ذلك لم يشعر الجمهور يومًا بأن الفيلم “يضر المجتمع” أو “غير واقعي”. وأضاف: "هل شعر أحد وقتها أن الفيلم طبقي؟ بالعكس.. الجمهور استمتع، وهذا هو الهدف الأول من الفن".

ورفض الشناوي فكرة تقسيم الأعمال الدرامية إلى “مسلسلات فقراء” و“مسلسلات أغنياء”، موضحًا أن هذا التصنيف يتجاهل طبيعة الفن الذي يملك القدرة على التحرك بين جميع البيئات، وأن نجاح العمل يتوقف على جودة الحكاية وليس مستوى معيشة الشخصيات.

وأشار الناقد البارز إلى أن تاريخ الفن المصري مليء بقصص تتجاوز الفروق الطبقية، مثل فيلم «بنت الأكابر» الذي جمع بين عالم الباشوات والفئات البسيطة، ولم يجد فيه الجمهور أي حرج، بل تابعوه بشغف وحب.

وأكد الشناوي أن دور الناقد هو تقييم العمل فنيًا دون تسييس الدراما أو تحميلها ما لا تحتمل، خاتمًا حديثه بالقول: "الفن الحقيقي يُقاس بالصدق والمتعة.. وليس بمستوى الرفاهية في مواقع التصوير".

المبالغة الفجة تهدد المصداقية

في المقابل، أكد مخرجون ونقاد أن المبالغة في مستوى المعيشة أدت إلى فقدان الأعمال لمصداقيتها وتأثيرها المباشر على الجمهور العريض.

ويرى المخرج والناقد أيمن عبدالرحمن أن أزمة الدراما تتلخص في "غياب المصداقية مع المشاهد"، موضحا أنه ليس من المنطقي أن نقدم نموذجًا لشخص يعمل "موظف أيًا كان منصبه، من طبقة متوسطة، ويسكن في فيلا بملايين ويركب سيارة بملايين". هذا الانطباع غير الصادق يُبعد المشاهد الذي لا يرى نفسه في هذه النماذج. ويشير إلى أن المسلسلات التي قدمت "نماذج من الواقع" كانت في مقدمة الأكثر مشاهدة.

فيما أكدت الناقدة سارة القصاص أن البذخ الكبير في الديكورات والسيارات يجعل المجتمع متضررًا، حيث أصبحت نسبة الـ "هاي كلاس" في الدراما "فجة بنسبة كبيرة". كما أشارت الناقدة ماجدة موريس إلى أن الدراما أصبحت تعبر عن الطبقة العليا فقط، وتتجاهل العديد من طبقات المجتمع التي يجب النظر إليها.

مخاطر الدراما.. بين "الإفساد" و"رفع سقف التوقعات"

وتطرق النقاد إلى تأثير هذا النمط الفني على قيم المجتمع ووجدانه، خاصة في ظل تحذيرات الرئيس السيسي من رفع سقف التوقعات لدى الأسر.

وحذرت الناقدة ماجدة موريس من أن الدراما الحالية تساعد على "إفساد النفوس بالفعل"، لأنها تجعل الجميع يفكر في "الطرق السهلة للوصول للطبقة العليا" بدون النظر لأي شيء آخر. وهي الفكرة التي أيدها الرئيس السيسي ضمنيًا عندما ربط بين النمط المرفه ورفض الواقع.

ماجدة خيرالله: طبقة “الهاي كلاس” غلبت على الدراما

فيما أكدت الناقدة ماجدة خيرالله أن 90% من الموضوعات المتناولة حاليًا بدون فائدة وتتناول طبقة الأثرياء فقط، مما يدل على ضعف الموضوعات، مشيرة إلى أن الممثل في بعض الأعمال "لديه مغارة على بابا".

وأضافت: طبقة الهاي كلاس غلبت على الدراما الحالية وهذا يدل على ضعف الموضوعات، فلابد أن يكون هناك طفرة كبيرة في الموضوعات التي يتم تقديمها لأن الأمور أصبحت ليست على ما يرام، معقبة أن الدراما تقدم لكل فئات المجتمع.