عزف أول أوركسترا في العالم بكاميرات مراقبة وتقنيات الذكاء الاصطناعي
في تجربة فنية غير مسبوقة، شهد العالم أول عرض أوركسترالي تُعزف فيه الموسيقى باستخدام كاميرات مراقبة مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، دون وجود آلات موسيقية تقليدية أو قائد أوركسترا بشري. هذا الحدث الفريد، الذي نُفّذ في السويد من قبل شركة "أكسيس للاتصالات"، لم يكن مجرد استعراض تقني، بل تجربة فنية متكاملة أعادت طرح أسئلة جوهرية حول معنى الإبداع، وحدود التعبير الفني في عصر الأتمتة، وفقًا لمجلة فوربس.
كيف تعمل أوركسترا الاستشعار البصري؟
المشروع الذي حمل عنوان "أوركسترا الاستشعار البصري" استخدم أربع كاميرات مراقبة ذكية، تم برمجتها لتصدر أصواتًا موسيقية عند رصد أجسام معينة مثل الكرات، الأكواب، أو حتى حركة الأيدي. كل كاميرا كانت موصولة بنظام صوتي يحوّل الإشارات البصرية إلى نغمات، ما يجعل الكاميرا نفسها "تعزف" عند رؤية حركة محددة. وقد تم تنسيق الأداء بواسطة المنتج الموسيقي السويدي "يوناس كوانت"، الذي وصف التجربة بأنها "تعاون بين الإنسان والآلة، حيث لا أحد يقود، لكن الجميع يتفاعل".
القطعة التي تم اختيارها للعزف كانت مقتطفًا من مقطوعة "هكذا تكلّم زرادشت" للمؤلف الألماني "ريتشارد شتراوس"، وهي واحدة من أكثر الأعمال الموسيقية ارتباطًا بفكرة المستقبل والكون، وقد استخدمت في فيلم "أوديسة الفضاء 2001". اختيار هذه المقطوعة تحديدًا يعكس وعيًا فنيًا عميقًا برسالة المشروع، التي تتجاوز حدود الأداء إلى التأمل الفلسفي.
ردود الفعل: بين الإعجاب والقلق
ووفقًا لمجلة "ذا فيرج"، أثار العرض ردود فعل متباينة بين النقاد والجمهور. البعض وصفه بأنه "مذهل من حيث التنسيق والدقة"، مشيدين بقدرة النظام على التفاعل اللحظي مع الحركة، واعتبروه خطوة جريئة نحو دمج التكنولوجيا بالفنون. في المقابل، عبّر آخرون عن قلقهم من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الفنون قد يُفقدها روحها الإنسانية، ويحوّل الأداء إلى تجربة باردة وخالية من العاطفة.
وأشار تقرير "ذا فيرج" إلى أن هذه التجربة تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الأداء الحي: هل يمكن للآلة أن تُبدع؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفسّر النية الفنية أو يعبّر عن المشاعر؟ فبينما أظهرت الكاميرات قدرة مدهشة على التنسيق اللحظي، إلا أنها تفتقر إلى الحس الإنساني الذي يجعل من الموسيقى تجربة وجدانية، لا مجرد تتابع من الأصوات.
وأضاف التقرير أن هذه التجربة قد تكون بداية لحقبة جديدة من "الفن التفاعلي"، حيث لا يكون الجمهور مجرد متلقٍ، بل جزءًا من الأداء نفسه، من خلال تفاعله مع أنظمة ذكية تستجيب لحركته أو صوته أو حتى حالته المزاجية. هذا النوع من الفن قد يفتح آفاقًا جديدة أمام العروض الحية، لكنه في الوقت نفسه يهدد بإزاحة الفنان البشري من مركز العملية الإبداعية.
من الأمن إلى الفن: إعادة توظيف التكنولوجيا
الهدف من المشروع لم يكن فقط استعراض قدرات الذكاء الاصطناعي، بل أيضًا إعادة تخيّل استخدامات كاميرات المراقبة، التي غالبًا ما ترتبط بالرقابة والسيطرة. في هذا السياق، صرّح متحدث باسم "أكسيس للاتصالات" أن "الكاميرات يمكن أن تكون أدوات للإبداع، وليست فقط للمراقبة"، مشيرًا إلى أن المشروع يهدف إلى إثارة النقاش حول إمكانات التكنولوجيا في مجالات غير تقليدية.
هذا التحوّل في وظيفة الكاميرا من أداة رقابة إلى أداة تعبير فني يعكس تحوّلًا أوسع في نظرتنا إلى التكنولوجيا: من كونها تهديدًا للخصوصية إلى كونها وسيطًا للإبداع. لكن هذا التحوّل لا يخلو من التحديات، خاصة في ظل المخاوف المتزايدة من الاستخدامات غير الأخلاقية للذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى.
بداية جديدة للموسيقى؟
رغم أن العرض لا يزال في طور التجريب، إلا أنه يسلّط الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل الفنون. فبدلًا من أن يكون مجرد أداة مساعدة، بات الذكاء الاصطناعي فاعلًا مباشرًا في الأداء الفني. هذا يطرح تساؤلات عميقة: هل يمكن للآلة أن تُبدع؟ وهل سيأتي يوم تُستبدل فيه الأوركسترات البشرية بأنظمة ذكية بالكامل؟ وهل سيظل الجمهور قادرًا على التفاعل عاطفيًا مع أداء لا ينبع من قلب بشري؟

وأشارت مجلة "فوربس" إلى أن هذه التجربة قد تكون مقدّمة لمشاريع مستقبلية أكثر طموحًا، تشمل استخدام الذكاء الاصطناعي في التأليف الموسيقي، أو حتى في التفاعل مع الجمهور في الزمن الحقيقي، عبر أنظمة تتعرّف على تعبيرات الوجه أو نبضات القلب لتعديل الإيقاع أو النغمة.
استمرار السباق بين الإبداع الفني والابتكار التكنولوجي
تمثل "أوركسترا التفاعل البصري" لحظة فاصلة في تاريخ العلاقة بين التكنولوجيا والفن. فهي لا تُلغي دور الإنسان، لكنها تدفعه لإعادة التفكير في موقعه داخل منظومة إبداعية تتسع لتشمل الآلة. وبينما قد لا تحل الكاميرات محل العازفين في القريب العاجل، فإنها بالتأكيد أطلقت نغمة جديدة في سيمفونية المستقبل، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة، بل شريكًا في الإبداع.