الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

هل قدمت خطة ترامب للسلام خارطة طريق وضمانات جديدة؟

الرئيس نيوز

في مقاله الأخير، يرى جيريمي بوين، المحرر الدولي في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، أن دور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تحقيق وقف إطلاق النار في غزة كان حاسمًا بالفعل، لكنه لا يمثل بأي حال من الأحوال خريطة طريق نحو سلام دائم في الشرق الأوسط. فالرجل، الذي وصل إلى إسرائيل ومصر في جولة سريعة، بدا وكأنه يحتفل بانتصار سياسي شخصي أكثر من كونه يضع أسسًا لمستقبل آمن ومستقر للمنطقة. 

وأشارت بي بي سي إلى أن خطابات ترامب في الكنيست وفي قمة شرم الشيخ كانت مزيجًا من الثقة بالنفس والتمجيد الذاتي، إذ قدّم نفسه باعتباره «صانع الصفقة الكبرى» الذي أوقف الحرب وأعاد الرهائن، لكنه تجاهل أن ما تحقق لا يتجاوز هدنة مؤقتة قد تنهار في أي لحظة.

ويقرّ المقال بأن الوساطة الأمريكية لعبت الدور الحاسم في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقبول شروط الهدنة، بعد أن رفضها سابقًا. كما استخدمت قطر وتركيا ومصر نفوذها على حركة حماس لدفعها إلى القبول باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين. ومع ذلك، يؤكد بوين أن الاتفاق لا يُعد اتفاق سلام، ولا حتى بداية لمسار سلام، بل مجرد وقف مؤقت للأعمال العسكرية يفتقر إلى الضمانات الكافية لصموده. فخطة ترامب المكونة من عشرين بندًا تتحدث عن نزع سلاح غزة وإقامة لجنة فلسطينية تدير القطاع تحت إشراف «مجلس سلام» يرأسه ترامب نفسه، وهي تفاصيل لم تتضح آلياتها بعد، ولا يوجد توافق دولي أو فلسطيني حولها.

في المقابل، يشير المقال إلى أن الوضع الميداني لا يوحي بأن الهدنة راسخة. إذ ما زالت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي يحتل أكثر من نصف أراضي القطاع، وتحدثت تقارير عن مقتل فلسطينيين برصاص الجنود رغم وقف إطلاق النار. كما أن حماس أعادت الظهور بقوة في الشوارع، ونفذت عمليات إعدام بحق خصومها المحليين، ما يعكس غياب أي سلطة مدنية بديلة يمكن أن تتولى إدارة غزة. أما إسرائيل، فقد بدأت بتقليص المساعدات الإنسانية وإغلاق معبر رفح بعد أن تأخرت حماس في تسليم جثث بعض الرهائن، ما ينذر بتجدد التوترات قبل أن تعيد فتح المعبر من جديد بالتزامن مع استلامها 4 رفات لجثامين الرهائن.

ويرى بوين أن ما يزيد المشهد تعقيدًا هو انعدام الإرادة السياسية لدى الطرفين للذهاب نحو تسوية حقيقية. فالحرب لم تنتهِ بتسوية عادلة، بل بصفقة اضطرارية بين طرفين مرهقين. ويذكّر بأن نتنياهو كان قبل أسابيع فقط يسعى إلى حسم عسكري كامل يتيح لإسرائيل فرض شروطها، إلى أن أثار قصفه لقطر غضب ترامب، الذي اعتبر الحادث تجاوزًا لمصالح واشنطن وحلفائها. فبالنسبة لترامب، كما يقول بوين، المصالح الأمريكية أولًا، بخلاف سلفه جو بايدن الذي قدّم دعمًا غير مشروط لإسرائيل حتى على حساب نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.

ويخلص المقال إلى أن اتفاق غزة الحالي قد يكون إنجازًا دبلوماسيًا لترامب، لكنه لا يرقى إلى مستوى التحول التاريخي الذي يدّعيه. فصنع السلام، كما يذكّر بوين، لا يتحقق بالخطابات ولا بالصفقات السريعة، بل يتطلب إرادة حقيقية وتنازلات مؤلمة من الطرفين، وهو ما لا تلوح بوادره في الأفق. ومع بقاء الميدان هشًّا، وحماس مسلحة، والاحتلال قائم، فإن ما تحقق لا يتجاوز هدنة هشة قابلة للانهيار في أي لحظة، وليس «الفجر التاريخي» الذي وعد به ترامب.

وفي تحليلٍ آخر، تكشف رويترز تفاصيل إضافية حول ما وصفته بأنه «أصعب اختبار» ينتظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد نجاحه في إقناع بنيامين نتنياهو بقبول اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس. فرغم أن الاتفاق شكّل انتصارًا سياسيًا سريعًا لترامب أمام الكاميرات، إلا أن المرحلة المقبلة تتطلب منه ـ كما يرى دبلوماسيون ومحللون ـ الحفاظ على التزام نتنياهو بخطة السلام الأمريكية التي لم تتضح ملامحها التنفيذية بعد.

وتشير رويترز إلى أن الرؤساء الأمريكيين من بيل كلينتون إلى جو بايدن واجهوا صعوبات في التعامل مع نتنياهو بسبب طبيعته السياسية المتصلبة، لكن ترامب نجح في الضغط عليه مؤخرًا عبر مزيج من الإطراء والتهديد السياسي. فقد أجبره، بعد قصف إسرائيلي على الدوحة في سبتمبر، على الاتصال بأمير قطر لتقديم اعتذار رسمي، وهو تصرف غير مسبوق في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. هذا التحول، الذي وصفه بعض الخبراء بـ«ترامب الأكثر صرامة»، عزز نفوذ واشنطن على الحكومة الإسرائيلية وأظهر أن الرئيس الأمريكي مستعد لاستخدام القوة السياسية وليس فقط الدبلوماسية لتحقيق أهدافه.

ومع ذلك، تحذر من أن طريق ترامب نحو «سلام دائم» لا يزال مليئًا بالعقبات، إذ تواجه خطته ذات العشرين بندًا انقسامات حادة بين إسرائيل وحماس حول التفاصيل الجوهرية، وعلى رأسها نزع سلاح غزة ومستقبل إدارة القطاع. فبينما يرى ترامب أن حماس يجب أن تُستبعد من أي إدارة مستقبلية، تصر الحركة على لعب دور في الحكم بعد الحرب. هذا الغموض، الذي ساعد على توقيع الاتفاق، قد يتحول إلى نقطة انفجار لاحقًا، بحسب تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.

وتضيف رويترز أن المشهد السياسي الإسرائيلي يزيد الموقف تعقيدًا، فمع اقتراب الانتخابات العامة في 2026، يسعى نتنياهو إلى الموازنة بين ضغوط ترامب ومتطلبات تحالفه اليميني المتشدد. شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش هاجمت الاتفاق بشدة وهددت بالانسحاب من الحكومة، معتبرة أن أي هدنة دون «استسلام كامل من حماس» تمثل هزيمة سياسية لإسرائيل. ويرى نمرود غورين، رئيس مركز «ميتفيم» الإسرائيلي، أن العام الانتخابي القادم سيجعل نتنياهو أكثر ميلًا إلى القرارات الشعبوية التي تضمن بقاءه في السلطة، حتى لو كانت على حساب التفاهم مع واشنطن.

ومن النقاط التي تثير قلقًا واسعًا، كما تقول رويترز، البند المتعلق بـ«إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلًا»، وهو عنصر أساسي لإقناع الدول العربية بدعم الاتفاق. غير أن أي حملة انتخابية إسرائيلية ضد هذا المفهوم قد تضعف حماسة العواصم العربية، مثل القاهرة والدوحة والرياض، في الضغط على حماس للوفاء بالتزاماتها. ويقول السفير الأمريكي الأسبق في تل أبيب دان شابيرو إن رفض فكرة الدولة الفلسطينية «قد يفرغ الاتفاق من محتواه الإقليمي» ويعيد الصراع إلى نقطة الصفر.

أما داخل إسرائيل، فيظل ترامب أكثر شعبية من نتنياهو نفسه، وهو ما يمنحه ورقة ضغط قوية، بحسب الخبير الأمريكي جون ألترمان. ويرى الأخير أن الرئيس الأمريكي يستطيع «إما دعم مستقبل نتنياهو السياسي أو تقويضه بالكامل». وربما لهذا السبب، تعامل ترامب في خطابه أمام الكنيست بثقة لافتة، حين مازح رئيس الوزراء قائلًا: «الآن يمكنك أن تكون ألطف قليلًا يا بيبي، لأنك لم تعد في حرب»، وهي جملة اعتبرها بعض المراقبين دلالة على ميزان القوة الجديد بين الحليفين.

لكن، كما تختم رويترز، فإن الخطر الحقيقي على خطة ترامب لا يأتي فقط من تعقيدات الميدان، بل من تآكل الثقة السياسية في الداخل الإسرائيلي والفلسطيني معًا. فطالما بقيت البنود غامضة، والانتخابات قريبة، واليمين الإسرائيلي متأهبًا للانفجار، فإن إنجاز ترامب الدبلوماسي قد يظل مجرد هدنة مؤقتة بانتظار العاصفة.