الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

"مذابح المسيرات".. الفاشر تغرق في دماء السودانيين وسط صمت دولي

الرئيس نيوز

في قلب إقليم دارفور، وتحديدًا في مدينة الفاشر، تتكشف فصول جديدة من المأساة السودانية، حيث تحوّلت الطائرات المسيّرة من أدوات استطلاع إلى آلات قتل جماعي، في مشهد دموي يعكس تصاعدًا خطيرًا في الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. 

خلال الأسبوع الثاني من أكتوبر 2025، غرقت المدينة في موجة من القصف الجوي بطائرات مسيّرة، أسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين، بينهم أطفال ونساء، ودمّرت أحياء سكنية بالكامل، في ما بات يُعرف محليًا بـ"مذابح المسيرات"، كما وصفتها صحيفة الإندبندنت البريطانية.

وبحسب تقارير ميدانية صادرة عن منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود، فإن الهجمات الجوية التي استهدفت الفاشر استخدمت طائرات مسيّرة مزودة بقنابل شديدة الانفجار، أُطلقت من مناطق خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. هذه الطائرات، التي كانت تُستخدم سابقًا لأغراض الاستطلاع، تحولت إلى أدوات قتل صامتة، تستهدف الأسواق الشعبية ومراكز الإيواء، حيث يتجمع النازحون هربًا من القتال.

إحدى سكان حي المطار في الفاشر قالت إنهم فوجئوا بسلسلة من الانفجارات المتتالية، دون أي إنذار أو تحذير. "كنا نعتقد أن الطائرات المسيّرة تُحلّق للمراقبة، لكننا اكتشفنا أنها تحمل الموت، وتضرب بلا رحمة"، تضيف وهي تشير إلى أن القصف طال حتى المناطق التي كانت تُعتبر آمنة نسبيًا.

ووفقًا لما نقلته رويترز عن مسؤولين في وزارة الصحة السودانية، فإن عدد القتلى تجاوز 80 شخصًا خلال يومين فقط، فيما أُصيب العشرات بجروح خطيرة، بعضها تطلب عمليات بتر عاجلة. المستشفيات الميدانية في المدينة غير قادرة على استيعاب المصابين، بسبب نقص المعدات الطبية وانقطاع الكهرباء، ما دفع الفرق الطبية إلى العمل في ظروف بدائية، وسط صراخ الضحايا وانعدام الاتصالات.

الصور التي خرجت من الفاشر تُظهر حجم الكارثة: جثث متناثرة في الشوارع، منازل مدمرة، وأحياء تحولت إلى ساحات حرب. فرق الإغاثة تواجه صعوبة في الوصول إلى المناطق المنكوبة، بسبب استمرار القصف وانعدام الأمن. أحد العاملين في منظمة إغاثية قال: "نحن نعمل في ظروف تشبه نهاية العالم، لا ماء، لا كهرباء، لا اتصالات، فقط صراخ وضحايا".

وفي تقرير نشرته قناة فرانس 24، أكدت مصادر دبلوماسية أن الهجمات الأخيرة تمثل تصعيدًا خطيرًا في استخدام التكنولوجيا العسكرية ضد المدنيين، وأنها قد ترقى إلى جرائم حرب بموجب القانون الدولي. الأمم المتحدة دعت إلى فتح تحقيق عاجل في هذه الانتهاكات، وسط صمت رسمي من طرفي النزاع، وعدم وجود أي مؤشرات على محاسبة المسؤولين عن هذه المجازر.

اللافت أن هذه الهجمات جاءت بعد أسابيع من إعلان وقف إطلاق نار جزئي في مناطق أخرى من السودان، ما يطرح تساؤلات حول جدية الأطراف المتحاربة في الالتزام بأي تسوية سياسية. كما أن استخدام الطائرات المسيّرة في استهداف المدنيين يعكس تحولًا نوعيًا في أدوات القتال، حيث باتت التكنولوجيا تُستخدم لإبادة جماعية دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة.

مدينة الفاشر، التي كانت تُعد من آخر معاقل الاستقرار النسبي في دارفور، باتت اليوم تحت الحصار الجوي. السكان يعيشون في حالة رعب دائم، لا يعرفون متى وأين ستضرب المسيّرات القادمة. الأحياء التي كانت تعج بالحياة، مثل حي السلام وحي المطار، تحولت إلى ركام، فيما يفر السكان سيرًا على الأقدام نحو مناطق أقل خطورة، دون ضمانات للنجاة.

أحد سكان المدينة قال: "نحن نبحث عن حياة وسط بحر من الأنقاض، كأننا موتى نتحرك، لا نعرف إلى أين نذهب، ولا من سينقذنا". شهادته تلخص حال آلاف العائلات التي فقدت كل شيء، ولم يبق لها سوى الأمل في أن يتوقف القصف، ولو مؤقتًا.

وفي حي السلام، كانت إحدى العائلات تستعد للفرار حين ضربت المسيّرة سقف المنزل، فانهار الطابق العلوي بالكامل. أحد أفراد الأسرة نجا بأعجوبة، لكنه فقد زوجته وطفليه. يقول: "لم أعد أصدق أن هناك شيء اسمه ملجأ أو منطقة آمنة، كل مكان في الفاشر أصبح هدفًا".

وفي تغطية نشرتها صحيفة الإندبندنت البريطانية، وُصف الوضع في الفاشر بأنه "انهيار إنساني شامل"، مشيرة إلى أن استخدام الطائرات المسيّرة ضد المدنيين في مناطق مكتظة بالسكان يُعد سابقة خطيرة في النزاع السوداني. الصحيفة نقلت عن مصادر محلية أن المسيّرات تُستخدم بشكل متكرر في ساعات الليل، ما يزيد من حالة الذعر ويمنع السكان من النوم أو التنقل.

ووصف أحد العاملين في المجال الإغاثي الوضع الراهن بأنه "انهيار شامل"، مشيرًا إلى أن فرق الإنقاذ تعمل دون معدات، وأن الطرق المؤدية إلى الأحياء المنكوبة إما مغلقة أو محفوفة بالخطر. وأضاف: "حتى لو أردنا إيصال الطعام أو الدواء، لا يمكننا ضمان سلامة المتطوعين، فالمسيّرات لا تميز بين مدني وعامل إغاثة".

وذكرت الصحيفة البريطانية أن ما يحدث في الفاشر هو نمط جديد من القتل الجماعي باستخدام الطائرات المسيّرة، في ظل غياب أي رقابة دولية أو مساءلة قانونية، مشيرة إلى أن "مذابح المسيرات" قد تكون بداية فصل أكثر دموية في تاريخ السودان الحديث، ما لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف هذا الانحدار، ومحاسبة من يستخدم التكنولوجيا العسكرية في أماكن تواجد المدنيين.