الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل

هل اقترب توني بلير من تولي رئاسة السلطة الانتقالية في غزة بموجب تفويض أممي؟

الرئيس نيوز

يعود اسم توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بقوة إلى دائرة الأضواء في الشرق الأوسط، بعد أن اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يقود بلير الهيئة الانتقالية المزمع إنشاؤها في قطاع غزة. وبالفعل، عمل بلير على مدار عدة أشهر على وضع إطار لإدارة مرحلة ما بعد الصراع وإعادة الإعمار، مستفيدًا من خبرته السابقة كمبعوث رباعي في المنطقة. لكن هذا الاقتراح يثير شعورًا بالإهانة والجرح بين الفلسطينيين، بالنظر إلى التاريخ الاستعماري البريطاني ووعد بلفور الذي مهّد الطريق لإقامة دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، وفقًا لصحيفة توفيما دوت كوم اليونانية.

 

وتشمل خطة ترامب إنشاء هيئة انتقالية دولية لغزة بقيادة بلير، مع إشراف عربي وإسلامي، واستبعاد حماس من السلطة، والإبقاء على الفلسطينيين في القطاع. تهدف الخطة إلى الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس مقابل إطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين، وبدء سحب تدريجي للقوات الإسرائيلية. وتؤكد واشنطن بوست أن الخطة تهدف إلى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار وإعادة بناء مؤسسات الحكم الفلسطيني.

 

إهانة الماضي والجرح النفسي

وصف الكاتب اليوناني جورجيوس كوستاكوس النوايا الرامية إلى تعيين بلير بأنها تمثل إهانة للسيادة الفلسطينية وجرحًا جديدًا في الذاكرة الوطنية، مستندًا إلى التورط البريطاني التاريخي في المنطقة منذ وعد بلفور. 

 

وأضاف أن خبرة بلير الدبلوماسية لا تمحو الأثر النفسي والسياسي الناتج عن قرارات الماضي، مثل دعمه لغزو العراق عام 2003، وعلاقاته بزعماء مستبدين مثل بشار الأسد، ما يثير شكوكا حول حياديته وقدرته على كسب ثقة الجميع.

 

وكانت صحيفة الجارديان البريطانية قد ركزت على الجانب الإنساني، مشيرة إلى أن الوضع في غزة كارثي، مع توقف منظمة أطباء بلا حدود عن أنشطتها بسبب محاصرة عياداتها من قبل القوات الإسرائيلية. الصحيفة أكدت أن أي تأجيل في تنفيذ الخطة سيزيد من الخسائر البشرية ويعقد إمكانية الوصول إلى حل دائم.

 

دور بلير بين الخبرة والجدل

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن عناصر خطة ترامب تعكس تجربة دولية سابقة في إدارة النزاعات المعقدة، مثل نموذج البوسنة والهرسك بعد اتفاق دايتون، حيث لعب الممثل الدولي دورًا حاسمًا في المرحلة الانتقالية. لكن التطبيق في غزة أكثر تعقيدًا بسبب الانقسامات الفلسطينية، والمواقف الإقليمية المتباينة، والضغوط الداخلية في إسرائيل، مع معارضة نتنياهو وائتلافه اليميني لأي تهدئة قبل القضاء على حماس.

 

وحقق سجل بلير بعض التوازن بين النجاح والجدل؛ فهو معروف باتفاق الجمعة العظيمة الذي ساعد على إنهاء النزاع في أيرلندا الشمالية، لكنه مثار جدل عالمي بسبب دعمه للحرب في العراق، ما يجعل بعض الحكومات والمنظمات الدولية تشكك في حياديته. هذه التجربة تعكس التحدي الكبير أمام أي محاولة لإنجاح المرحلة الانتقالية في غزة، خصوصًا في ظل الإهانة التاريخية والجرح النفسي العميق لدى الفلسطينيين.

 

تفاصيل الخطة الأمريكية

وفقًا للصحيفة اليونانية، تهدف الخطة إلى إنشاء هيئة انتقالية دولية تتمتع بالسيطرة على مؤسسات غزة، مع إشراف عربي وإسلامي، وفترة انتقالية تمتد لسنوات قبل العودة إلى حكم السلطة الفلسطينية. تشبه هذه الخطوة دور الممثل الدولي في البوسنة والهرسك، حيث يمنح سلطة واسعة لاتخاذ القرارات السياسية والإدارية خلال المرحلة الانتقالية.

 

وأوضحت الجارديان أن الوضع الميداني في غزة معقد، مع استمرار الضربات الإسرائيلية، ونزوح السكان، وانهيار البنية التحتية، مع مخاوف من أزمة إنسانية غير مسبوقة. الصحيفة شددت على أن أي خطة دولية لإدارة الانتقال يجب أن تراعي الحساسيات الإنسانية، وتضمن حماية المدنيين وإعادة بناء مؤسسات الدولة، مع التركيز على العدالة الاجتماعية.

 

ولفتت صحيفة واشنطن بوست إلى أن ثقة الفلسطينيين بشخصيات غربية، حتى لو كانت ذات خبرة، ليست مضمونة، وأن تعيين بلير قد يواجه اعتراضات واسعة ويزيد من شعور الإهانة التاريخية والجرح النفسي. الصحيفة أكدت أن البعد الرمزي لهذا التعيين يمثل حساسية قصوى، خصوصًا مع التاريخ البريطاني في المنطقة، بدءًا من وعد بلفور مرورًا بالانتداب.

 

وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد أشارت إلى أن عناصر الخطة تتضمن إعادة بناء قطاع غزة، بما في ذلك تحسين الخدمات الأساسية، وتوفير فرص العمل، وإعادة تشغيل مؤسسات التعليم والصحة، تحت إشراف دولي كامل لضمان العدالة والشفافية. 

 

وأكدت الصحيفة الأمريكية أن التنفيذ يحتاج إلى تعاون دولي وإقليمي واسع، وقدرة على التكيف مع التطورات الميدانية، مع الالتزام بحقوق الفلسطينيين والشرعية الدولية.

 

الخيار الأمثل للقيادة الانتقالية

شدد الكاتب اليوناني كوستاكوس على أن الحلول الغربية التقليدية قد تفشل إذا لم تراعي السياق التاريخي والسياسي للمنطقة، خاصة الإهانة التاريخية والجرح النفسي للسكان. وأشار إلى أن الخيار الأفضل قد يكون اختيار شخصية محايدة من الجنوب العالمي، تتمتع بقبول محلي ودولي، مع حس إنساني عميق لضمان تقليل المقاومة الشعبية وتحقيق نوع من المصالحة والثقة مع السكان المتضررين.

 

وأبرزت الجارديان أهمية المصداقية والحيادية في قيادة المرحلة الانتقالية، مشيرة إلى أن أي دور خارجي يجب أن يكون مكملًا للجهود الفلسطينية، وليس بديلًا عنها، مع احترام كامل للحقوق الوطنية. الصحيفة أكدت أن التوازن بين الأمن، الحقوق الإنسانية، وإعادة بناء المؤسسات هو المفتاح لنجاح أي خطة، وأن تجاهل هذا البعد قد يؤدي إلى فشل كامل وزيادة حدة الصراع.

 

وشددت واشنطن بوست على أن خبرة بلير وحدها لا تكفي لضمان نجاح المرحلة الانتقالية، بل يجب أن يكون هناك إشراف متعدد الأطراف، وتعاون عربي وإسلامي ودولي، مع التزام كامل بحقوق الفلسطينيين. أي خطوة تتجاهل البعد الرمزي والجرح النفسي ستواجه مقاومة قوية.

 

وذكرت نيويورك تايمز أن إعادة تصميم آليات الحكم الانتقالي بطريقة أكثر استجابة للحاجات المحلية يمنح الفلسطينيين فرصة المشاركة في صنع القرار، ما يقلل من آثار الإهانة التاريخية ويحد من شعور الجرح النفسي، ويزيد من فرص تحقيق استقرار طويل الأمد. الصحيفة أضافت أن هذه العملية تتطلب تنسيقًا دقيقًا ومرونة للتعامل مع التحولات الميدانية والسياسية.

 

ويشير خبراء الشرق الأوسط إلى أن خطة ترامب، رغم دعمها بخبرة توني بلير، تواجه تحديات ضخمة ومعقدة، تتراوح بين الانقسامات السياسية، والضغوط العسكرية، والمقاومة الشعبية، مع وجود حساسية تاريخية عميقة حول الإهانة والجرح النفسي الناتج عن التاريخ الاستعماري البريطاني، ما يعني أن النجاح لن يتحقق إلا من خلال رؤية شاملة، وحساسية سياسية عالية، وتعاون دولي وإقليمي محكم، مع احترام تاريخ ومعاناة غزة وسكانها.