تقوده السعودية وفرنسا.. ماذا نعرف عن مؤتمر دعم حل الدولتين؟
استمرارا للجهود الدولية المتواصلة لإيجاد مخرج للأزمة الفلسطينية-الإسرائيلية، تستضيف الأمم المتحدة في نيويورك، ابتداءً من أمس الإثنين، مؤتمرًا دوليًا رفيع المستوى يهدف إلى دفع خطوات عملية نحو تحقيق حل الدولتين.
هذا المؤتمر، الذي جاء بتفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024، يُعد محاولة جديدة لإعادة إحياء المسار السياسي الذي بدا أنه يحتضر، وذلك في ظل غياب أفق سياسي ذي مصداقية والاشتباكات المستمرة في المنطقة، وفقا لبلومبرج.
يأتي المؤتمر برئاسة مشتركة من قبل المملكة العربية السعودية وفرنسا، وهما دولتان تلعبان أدوارًا دبلوماسية متزايدة الأهمية في الشرق الأوسط.
هذا الدور المشترك يعكس تلاقي الرؤى حول ضرورة إيجاد حل سياسي شامل للصراع. المؤتمر، الذي كان قد أُجل في يونيو 2025 بسبب التوترات الإقليمية، استأنف مساره ليؤكد على الأهمية التي توليها الرياض وباريس لتعزيز حل الدولتين كسبيل وحيد للاستقرار الدائم.
دعا وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، جميع الدول إلى دعم هدف المؤتمر المتمثل في وضع خريطة طريق واضحة المعالم لدولة فلسطينية مستقلة، مع ضمان أمن إسرائيل في الوقت نفسه. وتؤكد المملكة موقفها الثابت بأن أي تطبيع للعلاقات مع إسرائيل "لا يمكن أن يتم إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية".
هذا ما أكده الأمير فيصل، في تصريحات نقلتها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، مشيرًا إلى أن هذا الموقف يتسق مع الموقف الذي أعلنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل عام. هذا الموقف يعكس قناعة راسخة بأن السلام المستدام والتكامل الإقليمي الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بمعالجة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، على أن "الحل السياسي القائم على الدولتين هو الوحيد الذي سيساعد في الاستجابة للطموحات المشروعة للإسرائيليين والفلسطينيين للعيش في سلام وأمن. لا يوجد بديل". هذا ما صرح به بارو في بداية الاجتماع، وفقًا لقناة "فرانس 24".
وقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أيام من المؤتمر، عن نية فرنسا الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، بالتزامن مع الاجتماع السنوي لقادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذه الخطوة، التي رحبت بها حماس والسلطة الفلسطينية المعتدلة على حد سواء، أثارت ردود فعل متباينة، حيث وصفتها الولايات المتحدة بـ"غير المنتجة"، وفقًا لصحيفة "تورونتو ستار" الكندية.
تحذيرات الأمم المتحدة ومواقف الأطراف الرئيسية
في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، جوتيريس، من أن حل الدولتين "بات أبعد من أي وقت مضى"، وذلك في ظل الصراع المستمر، وتعميق الاحتلال، وغياب أي أفق سياسي ذي مصداقية. هذا ما ذكرته وفقًا لموقع "يو إن نيوز" في تقريره.
وندد جوتيريس بهجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، وبما وصفه بـ"إبادة" غزة، بما في ذلك سقوط أعداد هائلة من الضحايا المدنيين، والمجاعة، وتدمير البنية التحتية. وحث قادة العالم على ضمان أن يصبح هذا المؤتمر نقطة تحول لتحقيق تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين، مؤكدًا أنه "المسار الوحيد الموثوق للسلام القائم على القانون الدولي".
وعلى الجانب الآخر، قاطعت الولايات المتحدة وإسرائيل هذا المؤتمر بشكل رسمي. وقد وصفت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الحدث بأنه "غير مجدي وفي توقيت سيئ"، و"حيلة دعائية" من شأنها أن تجعل التوصل إلى السلام أكثر صعوبة.
هذا ما جاء في بيان صحفي لوزارة الخارجية الأمريكية، وتم تداوله أيضًا وفقًا لصحيفة "تورونتو ستار" الكندية.
وزعمت الوزارة أن الدفع الدبلوماسي في هذا التوقيت هو "مكافأة للإرهاب"، كما وصفت وعد ماكرون بالاعتراف بدولة فلسطين بأنه "غير منتج". وعلى الرغم من هذا الموقف، تجنبت واشنطن انتقاد الرياض بشكل مباشر، مع التركيز على علاقتها الوثيقة مع ولي العهد السعودي.
من جانبها، أكدت إسرائيل، على لسان سفيرها لدى الأمم المتحدة داني دانون، أن “هذا المؤتمر لا يعزز حلًا، بل يعمق الوهم. فبدلًا من المطالبة بالإفراج عن الرهائن والعمل على تفكيك حكم حماس، ينخرط منظمو المؤتمر في مناقشات وجلسات عامة زعمت تل أبيب أنها ”منفصلة عن الواقع"، وفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" نقلا عن السفير الإسرائيلي.
أهداف المؤتمر وتحديات التطبيق
يهدف المؤتمر، بالإضافة إلى تسهيل ظروف الاعتراف بدولة فلسطين، إلى التركيز على ثلاث قضايا رئيسية أخرى: إصلاح السلطة الفلسطينية، ونزع سلاح حماس واستبعادها من الحياة العامة الفلسطينية، وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
هذه الأهداف ذكرها مسؤولون فرنسيون، وفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" ولقناة "فرانس 24". ومع ذلك، لا يتوقع الإعلان عن أي اتفاقيات تطبيع جديدة خلال المؤتمر، حيث تصر السعودية على ربط التطبيع بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة.
ودعا رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، في كلمته أمام المؤتمر، جميع الدول إلى "الاعتراف بدولة فلسطين دون تأخير"، وشدد على مسؤولية الجميع في "العمل الآن لإنهاء الحرب ضد شعبنا في غزة وفي كل أنحاء فلسطين، وضمان الإفراج عن جميع الرهائن والسجناء، وضمان انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي" وفقًا لصحيفة "تورونتو ستار" الكندية وصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
كما دعا مصطفى حماس إلى التخلي عن سيطرتها على قطاع غزة وتسليم أسلحتها للسلطة الفلسطينية كجزء من صفقة لإنهاء القتال. وأبدى مصطفى استعداد السلطة الفلسطينية للترحيب والتنسيق مع قوة دولية عربية للمساعدة في استقرار غزة بعد الحرب، وهو أمر ترفضه إسرائيل حتى الآن.
وتظل الأمم المتحدة منذ عقود مؤيدة لرؤية دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها. ويرغب الفلسطينيون في إقامة دولتهم على أراضي الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية وقطاع غزة، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. إلا أن التوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتصريحات الإسرائيلية حول نية ضم الأراضي المحتلة، يثير مخاوف جدية من أن تصبح الدولة الفلسطينية غير ممكنة جغرافيًا، وهو ما شدد عليه جان-نويل بارو في تصريحاته، مشيرًا إلى أن "التفكير في إمكانية الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار دون وجود مخطط لما سيحدث في غزة بعد انتهاء الحرب، ودون أفق سياسي، هو مجرد وهم"، وفقًا لقناة "فرانس 24".
تطلعات لوكسمبورج ودعم البرلمان البريطاني
بالإضافة إلى الموقف الفرنسي الواضح، لوّحت لوكسمبورج بإمكانية أن تحذو حذو باريس في الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر القادم، مع وجود احتمالية لإعلان دول أخرى عن خطط مماثلة عندما يستأنف المؤتمر أعماله.
هذا ما أشارت إليه تقارير وفقًا لقناة "فرانس 24"، مما يعكس وجود زخم متزايد داخل أوروبا لدعم حل الدولتين عبر خطوات عملية تتجاوز الإدانات اللفظية.
وفي سياق متصل، أبدى أكثر من 200 عضو في البرلمان البريطاني دعمهم لفكرة الاعتراف بدولة فلسطين، وفقًا لقناة "فرانس 24".
ومع ذلك، أوضح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الاعتراف بدولة فلسطينية "يجب أن يكون جزءًا من خطة أوسع"، مما يشير إلى حذر بريطاني في اتخاذ خطوة منفردة قبل بلورة رؤية شاملة للمستقبل.