الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

التجربة السيئة في العراق تقيد خطوات واشنطن في أوكرانيا‎

الرئيس نيوز

ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن الولايات المتحدة، في العقدين الماضيين منذ حرب العراق الثانية، ‏تبدو مثل ملوك عائلة "بوربون" الأوروبية التي حكمت فرنسا وإسبانيا حتى القرن الثامن عشر حين نزع ‏منهم العرش، فهم لم يتعلموا شيئًا ولم ينسوا شيئًا.‏

وكان الغزو والاحتلال غير الشرعيين للعراق قصة فشل جيوسياسي وكارثة سياسية داخلية على مستوى ‏أمريكا فلا أحد يفهم القرار المتهور لشن الحرب، ولكي يفهم القرار يجب على المرء أولًا أن يفهم ‏استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى للهيمنة العالمية، التي اتبعتها واشنطن بثبات منذ عام 1945، فقد ‏وفرت "الحرب على الإرهاب" غطاءً سياسيًا لمواصلة السعي إلى السيادة والسيطرة والهيمنة، وأثارت ‏تصرفات جورج دبليو بوش المتهورة بعض الهمسات من القلق بشأن الضرر الذي تم إلحاقه بأمريكا ذاتها، ‏ولكن تلك الهمسات سرعان تلاشت من أروقة السلطة وبدلًا من ذلك، رفضت الولايات المتحدة المضي ‏قدمًا في نفس المسار، معتقدة أن الدول "إما معنا أو ضدنا".‏

وكان مفتاح قوة الولايات المتحدة هو قدرتها على الهيمنة على مناطق العالم الثلاثة الأكثر أهمية بالنسبة ‏لها لأسباب أمنية واقتصادية وهي: أوروبا الغربية وشرق آسيا والشرق الأوسط، وتعتمد القوة الأمريكية ‏على منع ظهور منافس مهيمن على اليابسة الأوراسية أو قوة واحدة في الخليج تسيطر على غالبية ‏احتياطيات النفط في العالم ومع ذلك، فإن التحالفات الناشئة في الوقت الحاضر يمكن أن تؤدي إلى نتائج لا ‏ترغب فيها واشنطن.‏

ويشير التاريخ إلى أنه عندما تصبح قوة عظمى قوية للغاية، فإنها تهزم بجهود الموازنة المضادة للقوى ‏الكبرى الأخرى ويلقي الغزو الروسي لأوكرانيا، بجلاء شديد مدى الاختلاف في نظرة حلفاء الولايات ‏المتحدة وبقية العالم إلى الصراع.

وأضافت الصحيفة البريطانية: "إن توسيع مجالات التبادل التجاري مع ‏موسكو هو الذي يساعد روسيا على تفادي العقوبات الغربية على كل شيء من النفط إلى الرقائق الدقيقة ‏المستخدمة في الصناعات التكنولوجية، إلى جانب صعود الصين، كشفت التطورات الأخيرة محاولات ‏الولايات المتحدة للحفاظ على قوتها "أحادية القطب" في النظام السياسي الدولي، والتي حصلت عليها بعد ‏انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1989.‏

وتتصور الولايات المتحدة الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب ومتنوع أيديولوجيًا على أنه لحظة خطر كبير ‏ويذهب المنطق إلى أنه كلما زاد عدد القوى العظمى، زاد عدد المنافسات وزادت فرصة اندلاع الحروب ‏ويمكن أن يكون العكس صحيحًا أيضًا مع دول مثل تركيا والهند التي تعمل على تجنب الانحياز لأحد ‏الأطراف في النزاعات وقد تجد الدول التي تحررت من الدوران في فلك السياسة الأمريكية أن عليها ‏الإفلات من شبكة من القواعد المصممة هصيصًا لمنفعة واشنطن، لذا يستمر البحث عن شروط أفضل في ‏مكان آخر ويبرز اتفاق هذا الشهر لاستعادة العلاقات بين السعودية وإيران، الذي تفاوضت عليه الصين ‏وتوسطت فيه، التنافس الصيني الأمريكي المتسارع.‏

وفي الشؤون العالمية، يعد الطريق إلى الجحيم مرصوفًا بالنوايا الحسنة، فهذا مثل سائر ويتفق معه الكثير ‏من المراقبين والمحللين، ومع ذلك، يجب الحكم على السياسات بناءً على نتائجها.‏

كانت استراتيجية الولايات المتحدة منذ السبعينيات تتمثل في إبقاء موسكو خارج الشرق الأوسط وأثبت ‏الغزو والاحتلال الكارثي للعراق دعوة لقوى أخرى لدخول المنطقة وبحلول عام 2016، كانت هناك ‏شراكة نفطية سعودية روسية، ودعم روسي للنظام الإيراني ووجود عسكري روسي في سوريا وفي ذلك ‏العام، كان لدى الولايات المتحدة خيار انتخاب مرشح لمواجهة الصين، دونالد ترامب، أو مرشح مواجهة ‏روسيا، هيلاري كلينتون ويقودها الآن الرئيس، جو بايدن، على ما يبدو على استعداد لمواجهة كلا ‏الخصمين العملاقين في وقت واحد على أساس الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون آمنة إلا في ‏عالم من الدول الديمقراطية ذات التفكير المماثل لذا فإن الخطاب الأوحد للسياسة الخارجية الأمريكية التي ‏تم التعبير عنها بوضوح في خطاب بوش الابن لم تختف.‏

إن الطبيعة المتقلبة والمتمحورة حول الذات للقوة الأمريكية معروفة جيدًا للأصدقاء والأعداء على حد ‏سواء وكانت الولايات المتحدة مستعدة للانقسام مع حلفائها القدامى حتى لو أضرت تحركاتها بالشرق ‏الأوسط بالشكل الذي يناسبها ولم يكن لدى واشنطن سوى القليل من الوقت للاحتجاجات الدبلوماسية ‏الفرنسية والألمانية ضد الطبيعة غير القانونية لحرب العراق.‏

وقُتل مئات الآلاف من المدنيين في العراق وقد ساهم النظام السياسي الذي زرعته واشنطن في العراق في ‏ارتفاع حدة الانقسامات وجعل الدولة العراقية عمليًا غير قابلة للحكم وبينما يتدفق النفط العراقي إلى ‏الأسواق العالمية، تم اختلاس حوالي 150 مليار دولار عن طريق الفساد ولا يزال هناك عدد رمزي من ‏القوات الأمريكية لإبقاء تنظيم داعش الإرهابي في مأزق، لكن القوة الحقيقية في بغداد تمر عبر طهران إذ ‏تتمتع الميليشيات المتحالفة مع إيران بصوت مرجح في السياسة العراقية ولا يمكن للولايات المتحدة أن ‏تفعل الكثير لكي يتعافى العراق لأن طفرة النفط والغاز الصخري جعلت البلاد قوة عظمى في مجال ‏الطاقة.‏

لم تفقد الولايات المتحدة طعمها في أن تكون شرطي العالم، وعلى خلفية الربيع العربي، في عام 2011، ‏أعاد باراك أوباما القوات الأمريكية إلى العمل في ليبيا، دون أي اهتمام بخلاف ألمانيا في مجلس الأمن ‏التابع للأمم المتحدة، في مهمة انجرفت إلى هدف غير معلن يتمثل في تغيير النظام وحرب أهلية دموية ‏وجاء الانسحاب الأمريكي الفاشل من أفغانستان في عام 2021 فجأة وصدمة لبريطانيا، التي عانت من ‏ثاني أعلى خسائر بين الدول الغربية في إبعاد طالبان عن السلطة أما فيما يتعلق بالحكمة من السماح ‏للمسلحين باجتياح كابول، فقد قفزت واشنطن فوق وجهة نظر لندن، وأكملت اللعبة بطريقتها، وهناك ‏تحذير من احتمالات تكرار متاعب العراق الأخيرة ولكن في هذه المرة ستكون ساحة الأخطاء في ‏أوكرانيا، لذا يبدو أن خطوات واشنطن شديدة الحذر في التعاطي مع الشأن الأوكراني.‏