الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

من المسؤول عن تخريب "نورد ستريم" بين روسيا وألمانيا؟

الرئيس نيوز

فيما يبدو أن الحرب بالوكالة في أوكرانيا بين الغرب من جهة وروسيا من جهة أخرى لا تكتفي بالمدافع والمقاتلات المتطورة، بل وصل الامر إلى استهداف المصالح، ولعل ما حدث في خط الغاز “ نورد ستريم ” الواصل بين روسيا وألمانيا لنقل الغاز من الأولى إلى الثانية، خير شاهد على ذلك. 

خط الغاز العملاق تعرض لاستهداف أدى إلى حدوث 3 انفجارات فيه، مما أوقفه عن العمل، وتتصاعد المخاوف من تسرب الماء المالح إلى خط الغاز، فإذا ما حدث ذلك فإن أنبوب الغاز يكون بذلك معرض للتلاف نهائيًا وخرجه من الخدمة. 

وتتصاعد التكهنات حول الجهة التي ربما تقف وراء العمل، بعدما تصاعدت الشواهد على أن الانفجارات الثلاثة ناتجة عن عمل تخريبي وليس حادث طبيعي. الغرب من جهة، وتحديدًا ألمانيا، وجهت أصابع الاتهام إلى روسيا، بينما اعتبرت الأخيرة الاتهامات حمقاء، وأشارت إلى الطرف الثالث الذي ربما تقصد به أمريكا؛ التي تريد إثناء ألمانيا نهائيًا عن الاعتماد على الغاز الروسي، بعدما أعلنت برلين أنها لن توقف استيراد الغاز الروسي. 

وهنا يتبارد إلى الذهن تساؤل وما مصلحة روسيا في إتلاف خط الغاز إذا كان بمقدورها وقف ضخه عبر شركة “غازبروم”، خاصة أن تسرب الماء المالح إلى خط الغاز سيؤدي إلى إتلافه نهائيًا وإخراجة من الخدمة. فكيف تقوم روسيا بهذا الإجراء وهي من كانت تتفاخر بمد هذا الأنبوب العملاق وصرفت عليه مليارات الدولارات.

لكن ربما أرادت روسيا بهذا العمل مزيدًا من الغضط على ألمانيا وعلى الغرب بعدما بدأت تتحدث تقارير عن قدرة الغرب على تأمين إمدادات الطاقة خلال فصل الشتاء، من قطر وإسرائيل ومصر ودول شرق أفريقيا.    

كانت الاستخبارات الأمريكية خلال وقت سابق حذرت امريكا من أن معلومات وصلت لديها بوجود نوايا تخريبية لخط الغاز نورد استريم

انفجارات جديدة

بدورها أعلنت هيئات المسح الجيولوجي في الدانمارك والسويد وألمانيا أنها سجلت الاثنين الماضي اهتزازات تشبه تلك الناجمة عن انفجارات أكثر منها زلازل، وفي حين رجحت الاستخبارات الألمانية أن غواصين وضعوا عبوات متفجرة في مسار أنبوب نورد ستريم (Nord Stream)، وصفت روسيا الاتهامات الموجهة لها بمهاجمة نورد ستريم بـ”الحمقاء”.

وفي غضون ذلك، بدا أن فرضية التخريب المتعمد قد تأكدت في ستوكهولم مع إسناد التحقيق إلى الاستخبارات السويدية. فقد قالت الاستخبارات في بيان إنها تسلّمت التحقيق الأولي من الشرطة بأن الأمر قد يكون ناتجا عن “جريمة خطيرة يمكن أن تكون موجهة، جزئيا على الأقل، ضد المصالح السويدية”، مشيرة إلى أنه “ليس من المستبعد أن تكون هناك قوة أجنبية متورطة”.

وقالت وزيرة الخارجية السويدية آن ليندي إنه لا يمكن تخمين هوية من يقف خلف تسرب الغاز من خطي أنابيب نورد ستريم. كما أشارت ليندي إلى أن نظيرها الأميركي أنتوني بلينكن وعدها بالدعم لاكتشاف ملابسات ما حدث.

بدوره، قال وزير الدفاع الدانماركي مورتن بودسكوف إن التسرب لم يكن صدفة، بل جرى التخطيط له جيدا.

وأشارت وكالة الطاقة الدانماركية إلى أن أكثر من نصف الغاز المخزّن في خط أنابيب نورد ستريم المتضررة من التخريب، قد خرج من الأنابيب بالفعل عبر الفتحات الثلاث المكتشفة.

وتوقعت الوكالة أن تكون الأنابيب فارغة بالكامل قبل أن ينتهي الأسبوع.

وقال مسؤول السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنه يعتقد أن عملا تخريبيا هو السبب المحتمل لحالات التسرب من خطي غاز نورد ستريم.

وأضاف بوريل أن أي عبث متعمد بمنشآت الطاقة الأوروبية سيقابل برد قوي وموحد.

سيناريو الهجوم عبر غواصين

من جانبها، تحدثت الحكومة الألمانية عن شواهد عن أنه من غير الممكن أن يكون هناك سبب طبيعي للحادثة، في حين رجحت الاستخبارات الألمانية أن غواصين وضعوا عبوات متفجرة في مسار الأنبوب.

وقالت صحيفة “تاغس شبيغل” (tagesspiegel) الألمانية إن جهاز الاستخبارات الألماني “بي إن دي” (BND) يلعب دورا في عملية التحقيق في التخريب المحتمل لأنابيب خط نورد ستريم.

وأضافت أن الاستخبارات الألمانية تتولى عمليات استطلاع وتقييم صور الأقمار الصناعية لتحركات السفن المحتملة في الفترة التي سبقت التفجيرات.

وذكرت أن أحد السيناريوهات هو قيام غواصين بزرع متفجرات في خطي أنابيب نورد ستريم 1 و2.

وبحسب الصحيفة، فإن أعمال التخريب أسفرت عن انفجارات هائلة، وإن سرعة هبوط الضغط كانت عالية في المقابل.

وذكرت الصحيفة أن المسافة بين  المواقع الثلاثة التي شهدت التسريبات كانت متباعدة جدا، مشيرة إلى أنه بالنظر لحجم التدمير فيمكن أن تتدفق كمية كبيرة جدا من الماء المالح إلى الأنابيب، وهو قد ما قد يؤدي إلى تآكل للأنابيب، وبالتالي حدوث دمار إلى الأبد.

وبحسب “تاغس شبيغل” فإنه سيتم الآن توجيه العديد من الأسئلة إلى الحكومة الألمانية حول تعاملها مع تحذيرات من هجمات محتملة وجهتها لها المخابرات الأميركية منذ عدة أسابيع.

ونقلت الصحيفة عن “أشخاص مطلعين على الأمر” أن برلين تلقت هذه المعلومات من المخابرات الأميركية الصيف الماضي، كما نقلت عن دوائر حكومية أن المؤشرات لم تكن حينها واضحة للغاية.

مجلس الأمن يبحث التسرب

وبعدما وُجهت إليها أصابع الاتهام إثر التخريب المفترض لخطي أنابيب نورد ستريم، شنت موسكو هجوما مضادا اليوم الأربعاء، مطالبة بالتئام مجلس الأمن الدولي، ومشيرة إلى تورط الولايات المتحدة المحتمل، التي استنكرت في المقابل عملية “تضليل إعلامي” جديدة.

وأعلنت السويد الأربعاء أن مجلس الأمن الدولي سيجتمع الجمعة المقبل بناء على طلب روسيا لبحث موضوع تسرّب الغاز. وقالت وزيرة خارجية السويد في مؤتمر صحافي إن “فرنسا، بوصفها رئيسة لمجلس الأمن، أبلغتنا أن روسيا طلبت اجتماعا لبحث موضوع التسرب من نورد ستريم وأن هذا الاجتماع مقرر الجمعة” المقبل، موضحة أن السويد والدانمارك كلفتا بتزويد أعضاء مجلس الأمن بمعلومات عن التسرب الذي حصل في منطقتيهما الاقتصاديتين.

نورد ستريم

اتهامات حمقاء

وقال الكرملين اليوم الأربعاء إن الاتهامات بأن روسيا مسؤولة بشكل ما عن هجوم محتمل استهدف خطي أنابيب نورد ستريم حمقاء، مضيفا أن الولايات المتحدة عارضت خطي الأنابيب، وأن شركاتها جنت أرباحا ضخمة من إمدادات الغاز إلى أوروبا.

وخلال مؤتمر صحفي يومي عبر الهاتف، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين إنه من الضروري التحقيق في الحادث، مضيفا أن الإطار الزمني لإصلاح التلف في خطوط الأنابيب لم يتضح.

وردا على سؤال حول الاتهامات بأن روسيا قد تكون وراء الهجوم المحتمل، قال بيسكوف “إنها متوقعة تماما، وكما هو متوقع حمقاء أيضا”.

وقال “هذه مشكلة كبيرة، لأن خطي نورد ستريم مملوءان بالغاز، والنظام بأكمله جاهز لضخ الغاز، والغاز باهظ الثمن.. الآن يطير الغاز في الهواء”.

وأضاف بيسكوف “نرى أرباحا ضخمة لموردي الغاز الطبيعي المسال الأميركيين، الذين زادوا إمداداتهم إلى القارة الأوروبية أضعافا مضاعفة.. إنهم مهتمون جدا بالحصول على المزيد من أرباحهم الفائقة”.

وردّ البيت الأبيض بأنه “من السخف” التلميح إلى أن الولايات المتحدة من الممكن أن تكون قد ارتكبت هذه الأعمال التخريبية.

وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض أدريان واتسون “نعلم جميعا أنّ روسيا تنشر معلومات مضلّلة منذ وقت طويل وهي تقوم بذلك مجدّدا هنا”.

ومن جانبها، قالت شركة نورد ستريم إيه. جي، التي تشغل الشبكة، أمس الثلاثاء إن 3 من 4 خطوط بحرية لشبكة خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم تعرضت لأضرار “غير مسبوقة” في يوم واحد.

وفي السياق، نقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن مكتب المدعي العام الروسي قوله اليوم الأربعاء إن جهاز الأمن الاتحادي الروسي يحقق في الأضرار التي لحقت بخطي أنابيب الغاز نورد ستريم تحت بحر البلطيق باعتبارها عملا ناتجا عن “إرهاب دولي”.

نورد ستريم2

مواجهة جيوسياسية

يذكر أن خطي الأنابيب اللذين تديرهما شركة غازبروم الروسية العملاقة متوقفان عن الضخ نتيجة الحرب في أوكرانيا، رغم أنهما لا يزالان ممتلئَين بالغاز، في حين أنهما يعدّان جزءا من أدوات المواجهة الجيوسياسية.

وكان نورد ستريم 2 الذي اكتمل إنجازه في العام 2021، يهدف إلى مضاعفة القدرة على تصدير الغاز الروسي إلى ألمانيا. وقد تمّ تعليق تشغيله ردّا على حرب أوكرانيا.

وأدّى التسرب الأخير إلى إضعاف احتمال استئناف تسليم الغاز إلى أوروبا عبر نورد ستريم 1 في المستقبل القريب. فقد خفضت غازبروم تدريجيا كمّيات الغاز التي يتم تسليمها، حتى تمّ إغلاق خط الأنابيب بالكامل في أواخر أغسطس/آب الماضي، كما ألقت باللوم على العقوبات الغربية في تأخير الإصلاحات اللازمة للمنشأة.

ويتّهم الأوروبيون -الذين يعتمدون بشكل كبير على الغاز الروسي للتدفئة هذا الشتاء- موسكو باستخدام شحنات الغاز وسيلة للضغط.