الأحد 28 أبريل 2024 الموافق 19 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

كريدي سويس يبحث عن ورقة توت لإخفاء فضائح تسريبات تتعلق بأنشطة إجرامية

الرئيس نيوز

كشف تسريب ضخم لبيانات عملاء بنك كريدي سويس، عن وجود روابط إجرامية محتملة بين 18000 حسابًا، حيث ذكر "هيو سون"، مراسل شبكة سي إن بي سي الأمريكية أن بنك كريدي سويس يسعى منذ أمس الأحد لاحتواء تداعيات فضائحه الأخيرة بعد أن ذكرت عدة صحف أن أكثر من 18 ألف حساب مسرب كشفت عن أنشطة إجرامية وأخرى تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان علاوة على تفاصيل المعاملات المصرفية لأفراد خاضعين للعقوبات من بين عملاء البنك السويسري.

وجاءت المعلومات المسربة، التي غطت حسابات تضم ما قيمته أكثر من 100 مليار دولار، من مُبلغ مجهول عن المخالفات شارك النتائج التي توصل إليها مع صحيفة سود دويتشه تسايتونج الألمانية وغالبيتها حسابات فتحت خلال الفترة من 1940 إلى 2015.

ويأتي الكشف عن تلك البيانات تحت مظلة ما يعرف باسم مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، وهو عبارة عن شبكة تضم 46 من وسائل الإعلام الأخرى حول العالم، بما في ذلك نيويورك تايمز، والجارديان، ولوموند وغيرها.

وفقًا لتقارير وسائل الإعلام، كان من بين عملاء ثاني أكبر بنك سويسري مجموعة دولية من الشخصيات البغيضة وكان من بين أصحاب الحسابات رئيس مخابرات يمني متورط في التعذيب، ومسؤولون فنزويليون متورطون في فضيحة فساد، وأبناء الرئيس الأسبق حسني مبارك.

في كثير من الأحيان تتيح الحسابات المصرفية السرية للمجرمين والسياسيين الفاسدين إمكانية مواصلة أنشطتهم والاستمرار في ممارسة الأعمال التجارية كالمعتاد، بغض النظر عن الظروف، لأنهم على يقين من أن مكاسبهم غير المشروعة ستظل آمنة وبعيدة عن الأعين".

وفقًا لـ"بول رادو"، المؤسس المشارك لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، وأوضح رادو أن تحقيق فريقه يكشف كيف يمكن لهؤلاء الأشخاص تجاوز اللوائح على الرغم من جرائمهم، على حساب الديمقراطيات والناس في جميع أنحاء العالم.

في حين أنه لا يُفترض أن تقبل البنوك السويسرية المشهورة عالميًا بقوانين السرية الصارمة في البلاد التي تحمي العملاء والأموال المرتبطة بالنشاط الإجرامي، فإن القانون في الغالب غير مطبق، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، التي نقلت هذا الرأي عن رئيس سابق لمنظمة مكافحة أنشطة غسل الأموال، ومن جانبه.

أعلن بنك كريدي سويس في بيان من 400 كلمة أمس الأحد إنه "يرفض بشدة" الاتهامات الموجهة بشأن ممارساته التجارية، ودافع البنك عن موقفه مشيرًا إلى أن التسريبات تتضمن بيانات قديمة وتاريخية في الغالب، تعود في بعض الحالات إلى أربعينيات القرن الماضي، وتستند كافة الاتهامات التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية إلى معلومات مجتزئة أو غير دقيقة أو انتقائية بعيدًا عن السياق، مما يؤدي إلى تفسيرات متحيزة حول سلوكيات البنك.

وقال البنك إن حوالي 90٪ من حسابات التسريبات أُغلقت أو كانت في طور الإغلاق قبل بدء استفسارات وسائل الإعلام وأعلن أنه بدأ فحص الحسابات المتبقية والتي لم تغلق بعد وأضاف البنك أنه لا يمكنه التعليق على العملاء الفرديين وأنه قد اتخذ بالفعل إجراءات "في الأوقات المناسبة" للتعامل مع العملاء غير المناسبين.

وخلال معظم العقد الماضي، خرج البنك، الذي يعتبر واجهة لشركة مالية عملاقة تتخذ من زيورخ مقراً لها، من أزمة ليسقط في أزمة أخرى حيث تورط في مساعدة عدد من عملائه على غسل الأموال غير المشروعة، وساعد في إخفاء أصول عديدة في ملاذات ضريبية آمنة، وساعد في أنشطة تتعلق بالفساد.

في عام 2014، أقر البنك بأنه مذنب عندما ساعد مواطنين أمريكيين في تقديم إقرارات ضريبية مزيفة ووافق على دفع 2.6 مليار دولار كغرامات وتعويضات وفي العام الماضي، وافقت على دفع 475 مليون دولار لدوره في مخطط رشوة في موزمبيق.

واضطر البنك إلى عزل كل من الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة من منصبيهما خلال العامين الماضيين وتورط في انهيار شركة تمويل سلاسل التوريد "جرين سل" وكذلك صندوق التحوط الأمريكي "أركاجوس"، وانتقد تقرير سي إن بي سي ذريعة حماية الخصوصية المالية، لافتًا إلى أنها مجرد ورقة توت تغطي الدور المخزي للبنوك السويسرية كطرف متعاون مع المتهربين من الضرائب، وأضاف التقرير أن هذا الوضع يمكّن من الفساد ويحرم البلدان النامية من عائدات الضرائب التي تشتد الحاجة إليها.

وأشار تقرير روسيا اليوم إلى أن البيانات المسربة من بنك "كريدي سويس"، ثاني أكبر بنوك سويسرا، تحتوي على حسابات من مصر أكثر من أي دولة عربية أخرى، وتعطي البيانات المسربة من "كريدي سويس" نظرة ثاقبة جديدة لبعض الثروة التي احتفظت بها عائلة الرئيس الراحل، حسني مبارك، والنخب المصرية الأخرى في هذا البنك، فالأخوين علاء وجمال مبارك كانا يمتلكان 6 حسابات في بنك "كريدي سويس" وتم فتح أحد حسابات علاء في وقت مبكر يعود إلى عام 1987، عندما كان يبلغ من العمر 27 عاما. وكان هناك حساب مشترك آخر لهما بلغ حدا أقصى قدره 277 مليون فرنك سويسري، وهي مبالغ ذكرتها سابقا بيانات من السلطات المصرية، ولكن لم يتم تأكيدها مطلقا.

ويبدو أن أصول الأخوين مبارك في البنك قد تم تجميدها بعد الربيع العربي، على الرغم من عدم تأكيد أحد ذلك صراحة ومن خلال محاميهما، قال آل مبارك إن جميع أصولهم "تم التصريح عنها، وتمت حيازتها بالكامل من أنشطتهم التجارية المهنية"، وأنها "نشأت من مصادر مشروعة وقانونية بالكامل"، وقالا إن التحقيقات السابقة معهما كانت "ذات دوافع سياسية" و"مدفوعة بحملة من الادعاءات الكاذبة الصارخة بالفساد الذي ارتبط بالأحداث السياسية في مصر عام 2011"، ولم يؤكدا أو ينفيا معلومات الحساب، لكنهما قالا إنها قد تحتوي على "بعض المعلومات غير الدقيقة المادية"، دون الخوض في التفاصيل.

وكشفت البيانات المسربة أيضا عن ثروات لأسماء شخصيات مصرية أخرى لم يتم الإبلاغ عنها سابقا، مثل محمد مجدي راسخ، ومحمود يحيى الجمال، اللذين يمتلكان ملايين الفرنكات السويسرية في "كريدي سويس". وتم الاحتفاظ بالمزيد من الحسابات من قبل بعض الشركاء التجاريين لعائلة مبارك، بما في ذلك بعض المتورطين في محاكمات فساد قبل وبعد الربيع العربي.

وكان قطب المال المصري حسين سالم، حليف مبارك منذ فترة طويلة عميلا لدى بنك "كريدي سويس" لأكثر من 3 عقود وكان لديه ما لا يقل عن 10 حسابات بأرصدة تصل في كثير من الأحيان إلى عشرات الملايين، على الرغم من ارتباطه علنا بفضائح الفساد لسنوات قبل وبعد الربيع العربي وتوفي حسين سالم عام 2019 وأرسل البنك، رسائل إلى محاميه عبر البريد الإلكتروني، لكن لم يتلق أي رد.

واستفادت شبكة النخبة المصرية المرتبطة بعائلة مبارك كثيرا، من خلال شراء أراضي الدولة وغيرها من الأصول بسعر رخيص، والاستفادة من القروض المدعومة من الدولة. وشقت الكثير من العائدات المالية لهؤلاء طريقها إلى حسابات بنكية أجنبية، وأظهرت محاكمات الفساد بعد الربيع العربي، أنه بالإضافة إلى الروابط الأسرية والملكية المشتركة في بعض أكبر الشركات في البلاد، فإن العديد من هذه النخب كانت مرتبطة أيضا بمعاملات مشبوهة وراء الكواليس.

وكان من بين المستفيدين محمد مجدي راسخ، الذي تزوجت ابنته هدي من علاء مبارك خلال التسعينيات، وتراكمت لدى محمد راسخ العديد من الممتلكات، بما في ذلك في قطاع الغاز. كما استثمر في العقارات، حيث شغل منصب رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي لشركة التطوير العقاري المصري الفاخرة "سوديك".

بعد الربيع العربي، استخلصت محكمة مصرية أن راسخ تآمر مع وزير الإسكان السابق للحصول على قطع أرض خارج القاهرة بأسعار أقل من سعر السوق وفي عام 2012، حكم على راسخ بالسجن لمدة خمس سنوات، على الرغم من أنه تمكن العام الماضي من إبرام صفقة "مصالحة" مع السلطات المصرية، حيث دفع هو والوزير أكثر من 1.3 مليار جنيه مصري، أكثر من 80 مليون دولار في ذلك الوقت، وامتدت بعض هذه العلاقات لعقود إلى الوراء وتجاوزت العديد من فضائح الفساد، كما كان الحال مع حسين سالم، أحد المقربين من مبارك، والذي أصبح اسمه مرادفا للفساد والمحسوبية.

وكشفت البيانات المسربة من البنك السويسري أن راسخ كان أحد عملاء "كريدي سويس" لأكثر من نصف عقد قبل الربيع العربي. وكان الحساب الذي تم فتحه في عام 2005 يزيد عن 3 ملايين فرنك سويسري في العام التالي. وتم إغلاقه في عام 2015، بعد أكثر من أربع سنوات من ظهور اسمه لأول مرة على قوائم الشخصيات التي تم تجميد أصولها بعد الانتفاضة المصرية وامتنع "كريدي سويس" عن التعليق على الحساب، لكنه قال إنه يلتزم بالسياسات والقوانين ذات الصلة ويتصدى لأي مشكلات تطرأ.

ويظهر تتبع الأصول، التي يحتفظ بها راسخ وأفراد آخرون من عائلة مبارك، مدى تشابك العلاقات الأسرية والتجارية والسياسية بينهم، وكم عدد الشخصيات الرئيسية في النظام المصري آنذاك التي تمتلك حسابات في "كريدي سويس".

وكانت شركة "سوديك" العقارية مملوكة جزئيا لبنك استثماري مقره القاهرة، إيه إف جيه هيرمس، حيث امتلك جمال مبارك أسهما في شركة تابعة لها كانت تكسبه 880 ألف دولار من الأرباح في السنة، واعتقل الرئيس التنفيذي لذلك البنك، ياسر الملواني، الذي كان يمتلك حسابين في بنك "كريدي سويس" في عام 2012، إلى جانب الأخوين مبارك ووجهت إليهم تهمة التلاعب بأسعار الأسهم للربح من بنك منفصل شاركا في ملكيته، لكن تمت تبرئتهما في عام 2020. ومن خلال محاميه، قال الملواني إن المعلومات المتعلقة بالحسابات "غير صحيحة"، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل ونفى ارتكاب أي مخالفات، وقال إن المصدر الرئيسي للأموال "مستمد من عمله المهني وعائدات ملكيته في الشركات التي تولى فيها دورا إداريا".

ويمتلك كل من الملواني وعلاء مبارك أسهما في شركة تطوير عقاري فاخرة أخرى، "بالم هيلز"، يديرها الملياردير ياسين منصور، الذي يمتلك أيضا عدة حسابات في "كريدي سويس". تم تجميد أصول منصور لفترة وجيزة في عام 2011 بتهم فساد، ولكن تمت تبرئته في العام التالي، بعد دفع 250 مليون جنيه مصري للسلطات، وأدين ابن عمه، وزير الإسكان الأسبق في عهد مبارك، أحمد المغربي، بتهمة التورط في التخطيط لصفقة أراضي تعد رمزًا للفساد استفادت منها شركة "بالم هيلز".
 
أحد حسابات "كريدي سويس" كان يعود إلى قطب عقارات مصري آخر هو هشام طلعت مصطفى، بالاشتراك مع أفراد آخرين. وتظهر البيانات أن اسم مصطفى ظهر في حسابات متعددة في "كريدي سويس"، بما في ذلك حساب عائلي ظل مفتوحا بعد إدانته في عام 2009 بقتل عشيقته، مغنية البوب اللبنانية في دبي، وكان والد زوجة جمال مبارك، محمود يحيى الجمال، الذي أدين بتهمة التربح بعد الانتفاضة، يمتلك أيضا حسابا في "كريدي سويس" من عام 2006 إلى عام 2013 بقيمة تصل إلى ما يقرب من 20 مليون فرنك سويسري.

ويقول الخبراء إن البنوك السويسرية والدولية الأخرى كانت جزءا لا يتجزأ من تحريك الأموال التي أراد محتجو الربيع العربي استردادها وأقامت البنوك الأجنبية أقامت بانتظام علاقات شخصية مع العملاء الأثرياء في مصر، وغالبا ما تساعد في إرسال الأموال إلى خارج البلاد بطريقة كان من الممكن أن تثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب.