الثلاثاء 19 مارس 2024 الموافق 09 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

هل تتحول السعودية من دولة إسلامية مُحافظة لمركز ترفيهي للمنطقة العربية ؟

الرئيس نيوز

على مدى السنوات القليلة الماضية، مرت المملكة العربية السعودية بتغييرات هائلة من دولة محافظة عرف عنها انتشار التشدد والأجواء المحافظة إلى نظام اجتماعي مفتوح تمكن من تخفيف القيود الواسعة بطريقة كانت تعتبر ذات يوم غير إسلامية.

 مجموعة كبيرة من التغييرات الاجتماعية التي تم الكشف عنها في المملكة العربية السعودية والتي دافع عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كانت هناك جهود لإعادة تشكيل المشهد الترفيهي العربي كمحفز للتفوق السعودي في هذا المجال، وتهدف العروض الترفيهية التي تنظمها الرياض بانتظام إلى دفع المملكة الغنية بالنفط لتكون مركز الصدارة في صناعة الترفيه في العالم العربي بما في ذلك إنتاج المسلسلات وتنظيم الحفلات الموسيقية للمطربين العرب البارزين والمهرجانات الموسيقية وانتهاءً بحفلات الرقص، ويحاول السعوديون وضع بصمتهم على الصناعة.

لكن نظرة ثاقبة على الجانب الآخر للانفتاح الثقافي في المملكة العربية السعودية تكشف عن أن البلاد تضع أهدافًا جديدة لتشكيل العقليات العربية من خلال التأثير على صناعة الفن والثقافة العربية، وما إذا كانت الثقافة الشعبية السعودية تعاني بالفعل في هذا العصر من الارتباك وعدم اليقين، فقد أصبح موضوع نقاش حيث تتنافس البلاد بشدة مراكز الفنون والثقافة العربية الأقدم.

مع أحداث ومشاريع الترفيه الجماعي الجارية، تخطط الهيئة العامة للترفيه في المملكة العربية السعودية لاستثمار حوالي 64 مليار دولار في قطاع الترفيه من أجل تحويل البلاد إلى وجهة من الدرجة الأولى لهذه الصناعة، وفقًا لصحيفة يو إس توداي الأمريكية، وتم إنشاء الهيئة، برئاسة تركي آل الشيخ، وهو مستشار مقرب من بن سلمان، تماشياً مع رؤية السعودية 2030، والهدف طويل الأجل لولي العهد المتمثل في إنشاء "مجتمع نابض بالحياة واقتصاد مزدهر".

تم تكليف الهيئة بـ "تنظيم قطاع الترفيه وتطويره من خلال توفير عروض ترفيهية شاملة وعالمية المستوى" من شأنها دفع الصناعة للمساهمة في تحقيق الرؤية، وفي ظل قيادة آل الشيخ، نفذت مشاريع ضخمة في الفن والترفيه توجت بمجموعة من الاحتفالات في البلاد والتي تضمنت العديد من الأحداث والحفلات الموسيقية التي اجتذبت المغنيات والرموز العربية وأحيانًا المواهب الدولية رفيعة المستوى مثل الممثل الأمريكي جون ترافولتا.

وأعلنت وزارة التجارة السعودية، الأسبوع الماضي، أن المملكة شهدت أكبر عدد من التسجيلات التجارية في صناعة الترفيه والفنون، بزيادة قدرها 906 في المائة في عام 2021 مقارنة بعام 2015، وفي ديسمبر، افتتحت المملكة العربية السعودية أول مهرجان سينمائي متكامل لها في جدة بمشاركة أكثر من 130 فيلمًا من حوالي 67 دولة إلى جانب مشاهير المنطقة، وتفاخر مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بشريحة من التألق، بحضور ضيوف من بينهم شخصيات الأعمال الدولية كاثرين دينوف ونعومي كامبل وكليف أوين.


تعمل شبكات البث في البلاد أيضًا على أفلام ومشاريع تلفزيونية من بطولة كبار الممثلين مثل جيرارد بتلر في إطار الشراكة مع نتفيلكس لإنتاج أفلام روائية طويلة، لذا يعد الاستثمار في قطاع الترفيه هو جزء من إصلاحات بن سلمان الاجتماعية في المملكة، والتي تشمل خفض النزعة المحافظة الأخلاقية وخاصة القيود المفروضة على المرأة.

في أحداث الترفيه الجماعي، أصبح الرجال والنساء الآن قادرين على الاختلاط بطرق لم يكن من الممكن تصورها في "أرض الحرمين الشريفين"، أكثر المواقع الإسلامية قداسة، حيث رقص الآلاف من الجمهور على أنغام بعض منسقي الأغاني الأكثر تقدمًا في العالم، وهذا التغيير لا يستهدف الجمهور المحلي، فثمة خطط لتنويع الدخل، ولهذا السبب تدفع المملكة العربية السعودية "بثورتها الاجتماعية" لجذب السياحة الأجنبية لتجديد اقتصادها.

التغيير يتعلق أيضًا بالسعي العميق للهيبة والتأكيد الوطني ضد المنافسين الإقليميين الذين كانت "قوتهم الناعمة" الثقافية ظاهرة عندما كانت المملكة العربية السعودية لا تزال تعتمد على الأصولية الدينية للحصول على سلطة أخلاقية في المنطقة، وبينما تتنافس القوى العربية القوية على السيادة الإقليمية، تتكشف منافسة أخرى أيضًا، فالمملكة العربية السعودية على أرض الواقع، ومهما جاءت التصريحات لتنفي ذلك، تنافس مصر والمراكز الثقافية الأخرى التي هيمنت على ثقافة وفكر العالم العربي لفترة طويلة في الأدب والموسيقى والسينما والفن الحديث.

وذكرت صحيفة ذي ميرور البريطانية أن القاهرة تمثل منذ قرون قلب صناعة الترفيه العربي، ولعقود من الزمان كانت مصر تعتبر هوليوود الشرق الأوسط التي كانت أفلامها ومسلسلاتها التلفزيونية أكثر الصادرات بريقًا في المنطقة العربية، إذ تعود تقاليد السينما المصرية إلى 5 نوفمبر 1896 عندما عُرضت أولى الأفلام القصيرة للفرنسيين الأخوان لوميير في الإسكندرية بعد أقل من عام من العرض الأول لهما في باريس، وترتكز مصر على رصيد ضخم من التاريخ بما في ذلك تأسيس أول استوديو سينمائي بالمعنى الحقيقي للكلمة، ليس فقط في مصر ولكن أيضًا في العالم العربي بأكمله.

بحلول عام 1927، كانت مصر قد أنتجت أول فيلم روائي طويل لها، "قبلة في الصحراء"، تلاه عدة أفلام صامتة قبل وصول أول فيلم صوتي، "أغنية القلب" بعد أربع سنوات، وعلى مدار عقود من الزمان، عكست السينما المصرية ثقافة الأمة وأفرغت مئات الأفلام في الدول العربية. عشق الجمهور في جميع أنحاء الشرق الأوسط حتى إيران وتركيا المطربين ونجوم السينما المصريين، وفي أعقاب صعود القومية العربية على يد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، شهدت السينما المصرية عصرها الذهبي عندما أصبحت القاهرة أكبر مصدر للأفلام إلى المنطقة ومصدر مهم للثقافة الشعبية في العالم العربي.


ومع ذلك، ربما لا محالة، أصبحت صناعة الترفيه في مصر متورطة في منافسة شرسة على القوة الناعمة مع القوى الإقليمية ذات الثقل الكبير التي كانت تتنافس على الهيمنة مع تغير القوى السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية التي وضعت بصماتها على العصر، ومن منظور إقليمي أوسع، أثارت الطفرة الترفيهية السعودية تساؤلات حول المدى الذي يمكن أن تلعب فيه الدولة دورًا حيويًا في الترويج والتأثير على الفن والترفيه والنهوض بالعقل العربي، وحتى الآن، أحرزت السلطات السعودية تقدمًا في استخدام الثورة الترفيهية لإعادة صياغة الثقافة في دولة شديدة المحافظة، وتحويلها إلى مجتمع مفتوح والقضاء على المعتقدات المتطرفة.

تخطط المملكة العربية السعودية لتنظيم فعاليات ترفيهية كبيرة ودعوة مشاهير الأداء من جميع أنحاء العالم للتواصل مع الجمهور المحلي كما يبدو أنها تعمل وتكتسب شهرة إقليمية ودولية ولكن في ظل المنافسة الإقليمية القوية لبناء المكانة الثقافية والاستفادة منها، يظل ما إذا كان بإمكان البلاد أن تنمو لتصبح مركزًا ترفيهيًا إقليميًا من خلال إنفاق مليارات الدولارات مفتوحًا للتساؤل الجاد، ففي عالم الفن والثقافة، هناك عدد لا يحصى من العوامل الأخرى المتضمنة إلى جانب المال، ليس أقلها البنية التحتية الوطنية التي تشكل العمود الفقري للثقافة في أي بلد معين.

ووفقًا لبوابة أهرام أونلاين، فإنه على الرغم من أن التنافس على القوة الناعمة بين مصر والمملكة العربية السعودية لم يكن أبدًا قضية رسمية، فقد أصبح مؤخرًا مصدرًا للجدل على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تضرب الحجج والمشاعر على الأوتار في كل دولة، وكانت الحجج المليئة بالتباهي التي شارك فيها ممثلون مصريون بارزون ونقابتهم وآل الشيخ، قد زادت إلى حد كبير من فضح الروايات المتنافسة حول الفائزين في مضمار التنافس الفني والثقافي، ومع ذلك، فقد فتح الباب عن غير قصد أمام نقاش أكثر جدية بين الدول العربية حول التاريخ الثقافي الإقليمي واللعبة الحتمية لجذب الانتباه وتعزيز المنافسة في إعادة كتابة الثقافة في النص الأساسي لسيناريوهات المستقبل.