< من داخل جهاز الأمن السوري.. كيف اخترق داعش المنظومة الجديدة؟
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

من داخل جهاز الأمن السوري.. كيف اخترق داعش المنظومة الجديدة؟

الرئيس نيوز

سلطت مجلة كونفرسيشن الضوء على دلالات الهجوم الذي استهدف قوات أمريكية قرب مدينة تدمر الأثرية في وسط سوريا، في وقت سابق من ديسمبر 2025، وكان الهجوم قد كشف عن هشاشة عميقة في البنية الأمنية للدولة السورية خلال مرحلتها الانتقالية.

وقالت المجلة إن الهجوم، الذي نفذه مسلح منفرد من تنظيم داعش الإرهابي وأسفر عن مقتل جنديين أمريكيين ومدني أمريكي، لم يكن مجرد حادث أمني معزول، بل مؤشر خطير على طبيعة التحديات التي تواجهها السلطات السورية الجديدة بعد أكثر من عام على سقوط نظام بشار الأسد.

اللافت في هذا الهجوم أن منفذه كان قد انضم حديثًا إلى قوات الأمن الداخلي السورية، وكان موضع شك مسبق لدى قياداته المحلية بسبب ميول متطرفة محتملة. 

ورغم إعادة تكليفه بمهام أقل حساسية داخل القاعدة، فإن الأجهزة الأمنية فشلت في منعه من تنفيذ هجومه القاتل. وقد سلطت هذه الواقعة الضوء على ثغرات بنيوية في عملية بناء الأجهزة الأمنية، وعلى قدرة تنظيم داعش على التكيف مع الواقع الجديد واستغلال نقاط الضعف المؤسسية.

تداعيات الانهيار الأمني وبناء سريع لبدائل بلا تدقيق كاف

عقب انهيار نظام الأسد في أواخر عام 2024، وجدت الحكومة الانتقالية السورية نفسها أمام مهمة شبه مستحيلة تمثلت في ضرورة فرض الأمن على دولة منهكة، ممزقة جغرافيا، وتسيطر عليها شبكات معقدة من الجماعات المسلحة المتنافسة.

وتحركت إدارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع سريعًا لتشكيل قوات أمن وطنية، واضعة أولوية قصوى للانتشار السريع وبسط السيطرة الميدانية، حتى وإن جاء ذلك على حساب عمليات التدقيق الصارمة في خلفيات المنتسبين الجدد لأجهزة الأمن الناشئة.

وفي هذا السياق، جرى استيعاب آلاف المقاتلين السابقين من فصائل مختلفة داخل وحدات أمنية جديدة، في محاولة لخلق حضور فوري للدولة والسلطات. غير أن هذا النهج، الذي فضل السرعة على الجودة، فتح الباب أمام اختراقات خطيرة، كان هجوم تدمر أبرز تجلياتها. 

فالمهاجم كان واحدا من نحو 5 آلاف عنصر جرى تجنيدهم في وحدة أمنية مكلفة بتأمين المناطق الصحراوية، وهي مناطق لطالما شكلت بيئة مثالية لتحركات داعش.

مشهد أمني شديد التشرذم

بعد عام على سقوط الأسد، لا تزال سوريا تعيش حالة تفتت أمني واضح. فالقوى الكردية المدعومة أمريكيا تسيطر على مناطق واسعة في الشمال الشرقي، فيما تنشط ميليشيات قبلية ومحلية في مناطق أخرى، إلى جانب مجموعات درزية مسلحة في الجنوب، وبقايا شبكات أمنية مرتبطة بالنظام السابق.

هذا التنوع غير المنضبط في الفاعلين الأمنيين يقوض وحدة القيادة، ويضعف آليات المحاسبة، ويخلق فراغات يسهل على التنظيمات المتطرفة التسلل عبرها.

في مثل هذا السياق، يصبح إصلاح القطاع الأمني أكثر تعقيدًا، فالمشكلة لا تكمن فقط في غياب السيطرة المركزية، بل في إدارة نظام أمني هجين وغير متكافئ، وهو ما يمثل تحديًا لم تنجح الحكومة الانتقالية حتى الآن في التعامل معه بفعالية.

داعش.. من “دولة” إلى تمرد خفي

في المقابل، لم يقف تنظيم داعش مكتوف الأيدي أمام التحولات الجارية. فمنذ خسارته آخر معاقله الإقليمية في العراق وسوريا عام 2019، أعاد التنظيم صياغة استراتيجيته، متحولًا من كيان يسيطر على الأرض إلى حركة تمرد منخفضة الظهور، تعتمد على الضربات النوعية، والاختراقات، واستنزاف خصومها على المدى الطويل.

ولعبت الجغرافيا دورا حاسمًا في هذا التحول، فالمناطق الصحراوية المحيطة بتدمر لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا لقوات الدولة، بما توفره من تضاريس وعرة ومساحات شاسعة تسهل الحركة والتخفي، فضلا عن ارتباطها اللوجستي بمناطق كانت سابقا معاقل لداعش. 

وفي هذا الإطار، لا يسعى التنظيم اليوم إلى الحكم، بل إلى تقويض شرعية الدولة، وإظهار عجزها عن حماية نفسها وحلفائها.

معضلة الحكومة الانتقالية والضغوط الدولية

وضع الهجوم الحكومة الانتقالية بقيادة الشرع أمام معضلة استراتيجية معقدة. فمن جهة، يتوقع شركاء دوليون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، جهازًا أمنيًا محترفًا قادرًا على منع الاختراقات وحماية العمليات المشتركة.

من جهة أخرى، تواجه الحكومة قيودا داخلية قاسية، إذ إن أي تطهير واسع أو إعادة هيكلة جذرية للأجهزة الأمنية قد يؤدي إلى تفكك التحالف الهش من الجماعات المسلحة التي تعتمد عليها الدولة حاليًا في حفظ الحد الأدنى من الاستقرار.

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أشار إلى أن الهجوم وقع في منطقة لا تملك الحكومة الانتقالية سيطرة حقيقية عليها، قبل أن يضيف سوريا لاحقا إلى قائمة الدول الخاضعة لحظر سفر أمريكي شامل، مبررًا ذلك باستمرار التحديات الأمنية. 

هذه الخطوات زادت من الضغط على دمشق، وعمقت القلق من أن تؤدي الحوادث الأمنية إلى تقويض فرص الانفتاح الدولي المحدود الذي بدأت الحكومة الانتقالية في بنائه.

إصلاح أم بقاء؟

في الداخل، قد تستغل قوى منافسة، مثل قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي أو مجلس السويداء العسكري في الجنوب، حادثة تدمر للتشكيك في قدرة الحكومة المركزية على احتكار الملف الأمني، وتعزيز مطالبها بترتيبات لا مركزية أو حكم ذاتي أوسع. وهذا بدوره يضعف سلطة الدولة، ويمنح داعش بالضبط البيئة التي يسعى إلى ترسيخها.

وبرز هجوم تدمر كتذكير قاسٍ بأن هزيمة “دولة داعش” لم تكن تعني نهاية التهديد. فاستقرار سوريا اليوم لا يتوقف على الانتصارات العسكرية، بقدر ما يعتمد على عملية طويلة وشائكة لبناء مؤسسات أمنية موثوقة وخاضعة للمساءلة. 

وطالما ظل الإصلاح الأمني أسير الإجراءات الطارئة، دون معالجة الجذور العميقة للخلل، فإن الفراغات ستبقى مفتوحة أمام تنظيم داعش لاستغلالها، مهددة استقرار سوريا وشراكاتها الدولية في آن واحد.