< "1.2 مليون وظيفة فُقدت".. تسريح العمال تطور قادم إلى سوق العمل الأمريكي في 2026
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

"1.2 مليون وظيفة فُقدت".. تسريح العمال تطور قادم إلى سوق العمل الأمريكي في 2026

الرئيس نيوز

أعلنت شركات أمريكية كبرى خططها لتسريح آلاف الموظفين اعتبارًا من يناير المقبل، وأشعلت هذه القرارات المزيد من المخاوف بشأن مستقبل سوق العمل الأمريكي. ونشرت نيوزويك تقريرًا موسعًا، أمس الثلاثاء، أكدت فيه أن هذه الموجة الجديدة من التسريحات تأتي بعد نهاية مضطربة لعام شهد اضطرابات اقتصادية وتباطؤًا في التوظيف، ما يجعل عام 2026 بداية صعبة للعمال والأسر على حد سواء.

أزمة تتجاوز الأرقام وتضرب الاستقرار الاجتماعي

سجلت مؤسسات تشالنجر، وجراي آند كريسماس أكثر من 71 ألف حالة فصل من العمل في نوفمبر الماضي وحده، ورفعت إجمالي التسريحات في 2025 إلى 1.2 مليون وظيفة، وهو أعلى رقم مسجل بسوق العمل منذ عام 2020. ولم تقتصر الأزمة على الأرقام، بل انعكست مباشرة على حياة الأمريكيين؛ إذ فقد العمال وظائفهم، وواجهت الأسر ضغوطا يومية، واضطر كثيرون إلى تقليص نفقاتهم أو البحث عن أعمال بديلة غير مستقرة.

هذه الموجة من التسريحات لا تعكس فقط هشاشة الاقتصاد، بل تكشف أيضًا عن تحولات عميقة في علاقة العامل بالشركة والدولة، حيث لم تعد الوظيفة ضمانًا للاستقرار كما كانت في السابق.  

الشركات الكبرى تنفذ قرارات قاسية

وأغلقت شركة تايسون فودز مصنعًا تاريخيًا في نبراسكا بعد أكثر من عقدين من التشغيل، وقلصت عملياتها في تكساس، ففقدت أكثر من 4،900 وظيفة، وفي الأثناء، نفذت  شركة فيديكس خطة إعادة هيكلة واسعة، وبدأت بتسريح 856 موظفًا في منشأة كوبيل بولاية تكساس، وربطت القرار بتحولات في عقود الخدمات اللوجستية.  

وفصلت جنرال موتورز أكثر من ألف موظف من مصنعها في ديترويت، وأرجعت القرار إلى التباطؤ في تبني السيارات الكهربائية، تجدر الإشارة إلى أن  هذه الشركات لا تكتفي بإعلان الأرقام، بل تنفذ قراراتها بالفعل، وتترك آلاف الأسر أمام واقع جديد بالغ القسوة، وتؤكد أن الأزمة ليست محصورة في قطاع واحد بل تمتد عبر قطاعات متعددة.  

الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة العمل

دمجت العديد من الشركات تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها، وقلصت الوظائف المكتبية تدريجيًا. ووفقًا لنيوزويك؛ أوضح البروفيسور دارون عجم أوغلو أن الذكاء الاصطناعي يعيد تنظيم العمل داخل الشركات الكبرى مثل أمازون، لكنه لا يقود إلى بطالة جماعية على الفور.

وحذر خبير سوق العمل، ديزموند لاشمان، من أن الذكاء الاصطناعي يجمد التوظيف في الوظائف المبتدئة، ويقود إلى تسريحات في مجالات خدمة العملاء والدعم التقني والوظائف القانونية والمالية الخلفية. هذه التحولات تؤكد أن التكنولوجيا لا تخلق وظائف جديدة بالسرعة الكافية لتعويض الوظائف المفقودة، وأن العمال الأمريكيين يواجهون تحديًا مزدوجًا: فقدان الوظائف التقليدية وصعوبة الاندماج في وظائف جديدة تتطلب مهارات متقدمة.  

تقرير الوظائف المؤجل يكشف هشاشة السوق
كانت وزارة العمل الأمريكية قد أصدرت تقريرًا متأخرًا بسبب إغلاق حكومي دام 43 يومًا، ووجهت ضربة قوية إلى خطاب الإدارة حول قوة سوق العمل. وفقد الاقتصاد 105 ألف وظيفة في أكتوبر، وأضاف 64 ألفًا فقط في نوفمبر، وارتفع معدل البطالة من 4.4% إلى 4.6%، فوصل إلى أعلى مستوى منذ 2021.

وناقضت هذه النتائج تصريحات البيت الأبيض الذي أكد أن "أجندة ترامب المؤيدة للنمو تحقق تقدمًا كبيرًا"، ولم تقتصر هذه الأرقام على كشف ضعف التوظيف، بل كشفت أيضًا عن فجوة بين الخطاب السياسي والواقع الاقتصادي، وأكدت أن سوق العمل يفقد زخمه.

تفسيرات المحللين
فيما فسر المحللون البيانات، وأكدوا أن سوق العمل الأمريكي يتباطأ بشكل واضح. أضافت قطاعات الرعاية الصحية والبناء وظائف جديدة، بينما خسرت قطاعات النقل والخدمات الحكومية عشرات الآلاف. وخفضت الحكومة الفيدرالية التوظيف بأكثر من 162 ألف وظيفة في أكتوبر وحده نتيجة برامج الاستقالة المؤجلة، وارتفع عدد الأمريكيين العاملين بدوام جزئي لأسباب اقتصادية إلى 5.5 مليون. هذه المؤشرات تكشف أن الاقتصاد لا يخلق وظائف كافية لتلبية الطلب، وأن العمال يضطرون إلى قبول وظائف جزئية أو غير مستقرة، ما يزيد من الضغوط الاجتماعية ويضع الإدارة أمام تحديات متزايدة قبيل الانتخابات النصفية المقبلة.  

ضغوط الأزمة سياسيًا واجتماعيًا
وضغطت الأزمة على الناخبين، وأجبرت النقابات على مواجهة صعبة، ودفعت الأسر إلى البحث عن حلول بديلة. ويحاسب المواطن الأمريكي الرئيس والكونجرس على الأسعار في المتاجر وعلى الأمان الوظيفي المفقود بعد أن تراجعت الثقة في قدرة الدولة على حماية الوظائف، وتصاعدت الأصوات المطالبة بإصلاحات جذرية في سياسات العمل. هذه الأزمة لا تقتصر على الاقتصاد وحده، بل تمتد إلى السياسة والمجتمع، وتؤكد أن الاستقرار الوظيفي أصبح قضية مركزية في النقاش العام، وأن أي انتخابات مقبلة ستُحسم إلى حد كبير على أساس قدرة المرشحين على تقديم حلول ملموسة لهذه الأزمة. 

درس جديد للأمريكيين
علمت أزمة 2008 الأمريكيين أن البنوك يمكن أن تنهار، وأكدت أزمة 2020 أن الجائحة يمكن أن تشل الاقتصاد، وأثبتت الأزمة التي تلوح في الأفق اعتبارا من 2026 أن الوظيفة نفسها لم تعد أمرًا مضمونا. وقد دفعت هذه الحقيقة صناع القرار إلى إعادة التفكير في سياسات العمل، وأجبرتهم على البحث عن توازن جديد بين مصالح الشركات وحقوق العمال. إذا لم تتحرك الدولة بسرعة وتضع سياسات أكثر صرامة لحماية الوظائف، ستظل سوق العمل الأمريكي ساحة مفتوحة للتسريحات الدائمة، بما تحمله من تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة.