< 3 خطوط حمراء.. إنذار القاهرة الاستراتيجي قد يغير مسار الحرب في السودان
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

3 خطوط حمراء.. إنذار القاهرة الاستراتيجي قد يغير مسار الحرب في السودان

السيسي والبرهان
السيسي والبرهان

بينما تتجه الأنظار إلى التطورات العسكرية المتسارعة في السودان، خرجت مصر لتعلن عددًا من "الخطوط الحمراء" في البلد الواقع على حدودها الجنوبية، ما دفع مراقبين إلى اعتبار ذلك بمثابة تحذير لتجنب "خيار أخير"، قد يصل إلى حد التدخل العسكري. 

وحددت مصر خطوطها الحمراء في بيان رئاسي جاء في ختام زيارة ثانية خلال شهرين أجراها رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة، التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي.

 اتخاذ كافة التدابير التي يكفلها القانون الدولي

أكدت القاهرة حقها في اتخاذ كافة التدابير التي يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط بالغة الحساسية، التي قالت إنها ترتبط بشكل مباشر بأمنها القومي. 

وأوضحت الرئاسة المصرية أنها تجدد تأكيد دعمها الكامل لرؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الخاصة بتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان، وأن الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني هي أحد أهم هذه "الخطوط الحمراء"، مؤكدة "عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان".

وذكرت بلومبرج أن الخطوط الحمراء التي أعلنتها القاهرة تضمنت الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضيه، والرفض القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه، وأخيرًا تأكيد الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بها. 

هذه الخطوط تستند إلى اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعتها مصر والسودان في أغسطس ١٩٧٦ بين الرئيسين أنور السادات وجعفر النميري، والتي جرى تجديد بعض بنودها في مارس ٢٠٢١ عبر اتفاقية جديدة للتعاون العسكري، أسفرت عن مناورات مشتركة مثل "نسور النيل" و"حماة النيل" و"حارس الجنوب".

ونقلت بلومبرج عن أحد الخبراء قوله إن إعلان القاهرة خطوطًا حمراء في السودان هو الثالث بعد ليبيا (خط سرت – الجفرة) وبعد تحذيرات القاهرة من أي تهجير للفلسطينيين من غزة، ما يعكس حجم الخطر الذي تواجهه الحدود الجنوبية لمصر وحجم الأزمة التي يواجهها السودان حاليًا، خاصة ما يتعلق بتهديدات تقسيم البلاد والحديث عن انفصال جديد بعد انفصال جنوب السودان عام ٢٠١٢.

وأضاف أن البيان يؤكد دعم مصر للأمن القومي السوداني وتعزيز دور الجيش السوداني باعتباره الطرف الشرعي الوحيد إلى جانب الحكومة، مشددًا على أن القاهرة لن تسمح تحت أي ظرف بتقسيم السودان أو انفصال أي جزء من أراضيه. واعتبر أن الحدة والقوة في البيان الرئاسي تعكس تلويحًا ضمنيًا بالخيار العسكري، وهو أمر طبيعي في ظل تعالي الحديث عن التقسيم وإنشاء حكومة موازية في غرب السودان.

واتفق مع هذا الرأي فريق من الخبراء مؤكدين عدم رغبة القاهرة في اللجوء إلى الخيار العسكري، إلا أن خطوط القاهرة الحمراء جاءت كمحاولة للردع بدلًا من التدخل المباشر.

 وأوضحوا أن القاهرة تستشعر القلق إزاء التقدم العسكري لقوات الدعم السريع واتجاه التطورات نحو انفصال بعض أقاليم غرب السودان أو التقسيم بحكم الأمر الواقع، مؤكدين أن مصر ترفض التقسيم بشكل واضح وصريح لأنه سيفتح جبهات تهدد أمنها القومي من ناحية الجنوب، خاصة أن السودان أصبح بيئة جاذبة للجماعات المسلحة والإرهابية ومرتزقة الحروب.

وأشاروا إلى أن الاتفاقية تكفل لمصر التدخل العسكري المباشر في السودان لكنه خيار لن يكون متاحًا إلا في الحالات القصوى، مثل اقتراب الدعم السريع من الحدود المصرية.

وتمتلك القاهرة خيار الضغط خلال مباحثات الرباعية المعنية بالسودان، والتي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، من أجل التوصل إلى تفاهمات أكثر واقعية تفتح المسار نحو حل الصراع ووقف إطلاق النار بطريقة تحافظ على وحدة السودان ومؤسساته وشرعية جيشه وحكومته. 

وجددت مصر حرصها على استمرار العمل في إطار الرباعية الدولية بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية تقود إلى وقف لإطلاق النار، يتضمن إنشاء ملاذات وممرات إنسانية آمنة لتوفير الأمن والحماية للمدنيين السودانيين، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية. 

وقد وضعت الرباعية خطة لهدنة لمدة ثلاثة أشهر تليها محادثات سلام، فيما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في نوفمبر أنه سيعمل على إنهاء الحرب في السودان بعد طلب ولي العهد السعودي تدخله لحل الصراع.

ويشكل موقف القاهرة نقطة تحول في السياسة الخارجية المصرية تجاه السودان، من الدعم الدبلوماسي الناعم إلى التحذير والتهديد الدفاعي، كما أن الخطاب الذي تبنته القاهرة جاء داعمًا بشكل رئيسي للجيش السوداني وقائده عبد الفتاح البرهان الذي يعاني ضغوطًا داخلية في أعقاب  استيلاء الدعم السريع على مناطق نفطية استراتيجية. 

علاوة على ذلك، تشكل حالة الفوضى الراهنة في السودان تهديدًا للأمن القومي المصري عبر نزوح ملايين اللاجئين وسيطرة ميليشيا مسلحة لها سجل كارثي في جرائم القتل والتشريد على مناطق استراتيجية، ما يعزز المخاوف من فتح ممرات تهريب. 

وتمتلك القاهرة آليات الدفع بدعم عسكري مباشر عبر التدخل بقوات أو غير مباشر عبر تقديم السلاح واللوجستيات للجيش السوداني، لكن الأولوية تبقى للمسار السياسي في إطار المبادرة الأمريكية والرباعية الدولية الذي تدعمه مصر دعمًا كاملًا من أجل التوصل إلى هدنة مؤقتة يعقبها وقف دائم لإطلاق النار ومن ثم حوار سياسي يجمع الأطراف السودانية للتوصل إلى خارطة طريق تقود إلى حكم مدني. 

 بالإضافة إلى تدفقات اللاجئين التي لا تتوقف صوب مصر، بما يعنيه ذلك من أعباء أمنية واقتصادية متزايدة على القاهرة. وأشارت إلى أن الحكومة الموازية التي شكلتها قوات الدعم السريع بالتحالف مع ميليشيات وقوى مدنية في غرب السودان باتت منفتحة على دول الجوار مثل تشاد وليبيا وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان.

وكان وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، قد أكد أن هدف الولايات المتحدة الفوري في السودان هو الوصول إلى هدنة إنسانية مع دخول العام الجديد، مضيفًا أن واشنطن منخرطة بشكل مكثف في هذا الشأن عبر محادثات مع المسؤولين في الإمارات والسعودية ومصر وبتنسيق مع المملكة المتحدة.

وأوضح أن الهدف على المدى القصير هو وقف الأعمال العدائية، وهو ما يتقاطع مع الخطوط الحمراء المصرية التي ترفض أي تقسيم أو انهيار لمؤسسات الدولة السودانية.

بهذا، يتضح أن إعلان القاهرة لخطوطها الحمراء في السودان هو تحذير استراتيجي يضع الأزمة السودانية في إطار جديد أكثر صرامة، فإذا اقترن بخطوات عملية وضغوط إقليمية ودولية فقد يكون نقطة تحول حقيقية تعيد رسم مستقبل السودان وتمنع انزلاقه نحو التفكك أو الفوضى الشاملة.