ماذا تعني استراتيجية ترامب للأمن القومي لكل من إيران وإسرائيل؟
صدرت وثيقة "استراتيجية الأمن القومي 2025" لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تُعد بمثابة خريطة طريق تعكس عقيدة "أمريكا أولًا" في سياستها الخارجية.
على الرغم من أن الوثيقة تُقلل من حجم الاهتمام بالشرق الأوسط مقارنة بتركيزها على أوروبا والأمريكيتين والشؤون الداخلية، إلا أن الإشارات المتعلقة بإيران وإسرائيل وقطاع غزة تُعد حاسمة وتحدد معالم حقبة جديدة من التدخل الأمريكي الانتقائي والمدفوع بالمصالح الحيوية، وهو ما تناولته صحيفة جيروزاليم بوست بالتحليل.
ويُشير تحليل جيروزاليم بوست إلى أن عدم التركيز المفرط على المنطقة هو بحد ذاته دلالة مهمة. فقد حاولت الإدارات الأمريكية، بدءًا من إدارة أوباما، تقليص الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، نتيجة "آثار حروب الخليج والحرب العالمية على الإرهاب".
ومع ذلك، ورغم هذا التوجه لتقليل التورط، فقد ركز ترامب جزءًا كبيرًا من نشاطه في عام 2025 على المنطقة، بما في ذلك "قصف إيران" والمساهمة في إنهاء "حرب الـ 12 يومًا" بين تل أبيب وطهران، والدفع بوقف إطلاق النار في غزة.
استراتيجية الضغوط القصوى المدمّرة تجاه إيران
تُكرس استراتيجية ترامب الجديدة مقاربة عنيفة وفعّالة لمواجهة إيران، التي تُصنفها على أنها "قوة عدم الاستقرار الرئيسية في المنطقة".
هذه المقاربة تتجاوز مجرد العقوبات لتشمل القوة العسكرية المباشرة:
القضاء على القدرة النووية (Operation Midnight Hammer): تفاخر ترامب علنًا بما أسماه "عملية مطرقة منتصف الليل" (Operation Midnight Hammer) التي نُفذت في يونيو 2025.
وقد أعلن ترامب في الوثيقة أن هذه العملية "أفنت قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم النووي".
وتُعتبر هذه العملية نقطة تحول حاسمة، حيث ذكرت التقارير أنها شملت ضربات واسعة النطاق على ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية (فوردو، نطنز، وأصفهان) باستخدام القاذفات المتقدمة والقنابل الخارقة للتحصينات.
وقد جاءت هذه الخطوة في ظل تقارير تشير إلى أن إيران كانت "تسرّع بشكل كبير" من تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60%.
الضغط الاقتصادي الأقصى: تعتزم الإدارة توجيه وزير الخزانة الأمريكي بـ "فرض ضغوط اقتصادية قصوى" على إيران، وهو نهج يهدف إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وهو ما كان هدفًا في الولاية الأولى.
وتُتهم الإدارة السابقة (إدارة بايدن) بعدم تطبيق العقوبات النفطية بصرامة، مما سمح لإيران بتمويل برامجها النووية ووكلاءها.

احتواء النفوذ الإقليمي: تهدف الاستراتيجية إلى احتواء إيران، التي تعزز نفوذها العسكري عبر الميليشيات في العراق وسوريا لإنشاء منصة انطلاق لهجمات صاروخية أو بطائرات مسيّرة ضد إسرائيل، التي وصفتها الوثيقة بـ "اليوم الموعود".
أمن الملاحة الحيوية: تؤكد واشنطن على أن ضمان تدفق إمدادات الطاقة الخليجية، وبقاء مضيق هرمز والبحر الأحمر وباب المندب مفتوحين لحرية الملاحة، يمثل "مصلحة حيوية" للولايات المتحدة.
دعم إسرائيل المشروط والخطوط الحمراء لنتنياهو
تُصنّف الاستراتيجية أمن إسرائيل وبقاءها كـ "مصلحة حيوية" للولايات المتحدة، وهو التزام لا يتزعزع. لكن هذا الدعم يأتي مقترنًا بقيود جديدة ومطالب بتحمل المسؤولية:
تحمل المسؤولية الذاتية: تريد الولايات المتحدة أن تظل إسرائيل آمنة، ولكن الوثيقة تطالب إسرائيل بأن تكون قادرة على "تحمل المسؤولية عن سياساتها الخاصة".
هذا يعني أن الولايات المتحدة لن تتدخل دائمًا لمساعدة إسرائيل في كل مرة تواجه فيها تهديدات من لبنان، أو غزة، أو سوريا، أو إيران.
رفض التصعيد: يوجه البيت الأبيض رسالة حاسمة مفادها أنه "لن يرحب بالمزيد من الحروب" بين إسرائيل وحماس، أو حزب الله، أو إيران. وهذا يمثل خطًا أحمر واضحًا. فعندما "يتحدث السياسيون في القدس ويتفاخرون بنزع سلاح حزب الله في حملة عسكرية أخرى، أو يزعمون أن الجيش الإسرائيلي سيعود إلى أجزاء من غزة حيث يعيش مليونا شخص"، فإن هذه التصريحات "لن تلقى ترحيبًا في واشنطن".
التقدم نحو السلام: أشادت الوثيقة بالهدنة وتحرير الرهائن التي تفاوض عليها ترامب لـ "إنهاء الحرب في غزة مع عودة جميع الرهائن الأحياء إلى عائلاتهم"، مشيرة إلى إحراز "تقدم نحو سلام أكثر استدامة" في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الشائك.
القلق من سوريا: وصفت الاستراتيجية سوريا بأنها "مشكلة محتملة"، وهي لغة أقل تفاؤلًا من تصريحات ترامب السابقة.
ودعت الوثيقة الدول العربية وإسرائيل وتركيا إلى دعم استقرار سوريا، مما يشير إلى أن واشنطن غير راضية عن الغارات الإسرائيلية المتواصلة والتوغلات في الأراضي السورية.
الرؤية الأمريكية الجديدة للمنطقة: من الصراع إلى الاستثمار
تتبنى استراتيجية ترامب مقاربة شاملة تهدف إلى تحويل الشرق الأوسط من مصدر صراع إلى منطقة للتعاون الاقتصادي:
تغيير الأدوار: تدعو الوثيقة الدول الإقليمية (العربية، إسرائيل، تركيا) إلى تحمل مسؤولية أكبر في استقرار المنطقة.
التحول الاقتصادي: ترى الإدارة أن المنطقة "ستصبح بشكل متزايد مصدرًا ووجهة للاستثمار الدولي"، ليس فقط في النفط والغاز، ولكن في قطاعات مثل الطاقة النووية، والذكاء الاصطناعي، وتقنيات الدفاع.
الهدف النهائي: تؤكد الوثيقة أن قدرة ترامب على "توحيد العالم العربي في شرم الشيخ سعيًا وراء السلام والتطبيع" ستسمح للولايات المتحدة "بإعطاء الأولوية للمصالح الأمريكية أخيرًا". فالولايات المتحدة لا تريد أن تهيمن المنطقة على تركيز سياستها الخارجية، بل تريد أن تتحول إلى منطقة "شراكة وصداقة واستثمار".
وتُشكل استراتيجية ترامب للأمن القومي محاولة لإنهاء حقبة التدخلات العسكرية الأمريكية الطويلة الأمد في الشرق الأوسط، واستبدالها بنهج يركز على المصالح الحيوية ومواجهة التهديدات الرئيسية (إيران) بصرامة وقوة، مع دفع حلفائه الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل، لتحمل مسؤولياتهم وتقييد عملياتهم العسكرية واسعة النطاق.