< عام ماسبيرو الضائع.. هل قتلت قرارات المسلماني المترنحة طموح تطوير التلفزيون الحكومي؟
الرئيس نيوز
رئيس التحرير
شيماء جلال

عام ماسبيرو الضائع.. هل قتلت قرارات المسلماني المترنحة طموح تطوير التلفزيون الحكومي؟

الرئيس نيوز

​عام واحد فقط منذ تولى الكاتب الصحفي أحمد المسلماني رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام في نوفمبر ٢٠٢٤ كان كافيا ليضع مبنى ماسبيرو العريق في قلب عاصفة إعلامية لم يشهدها منذ سنوات تحت شعار تحديث البنية الإعلامية وضبط البيت الداخلي، لكن نتائج هذه القرارات على مستوى الانطباع العام أبعد ما تكون عن صورة تطوير هادئ، وأقرب إلى حالة اختبار مفتوح لثقة الجمهور في الإعلام الرسمي، ولطريقة إدارة ملف الوعي داخل الدولة.

ضبط الخطاب وتصفير الأزمات (إصلاح متفق عليه)

​في بدايات العام الأول، جاءت القرارات الأولى محمولة على عنوان يبدو متفقًا عليه: ضبط الخطاب وتنقية الشاشة. بداية من حظر ظهور العرافين والمنجمين على شاشات وإذاعات ماسبيرو في خطوة لاقت تأييدًا أخلاقيًا ودينيًا واسعًا، ثم ألغيت الإعلانات التجارية في إذاعة القرآن الكريم، في محاولة واضحة لاستعادة طابعها الوقور بعيدًا عن منطق السوق الإعلاني.

​وعلى مستوى الملفات الداخلية، نفذت الهيئة توجيهات رئاسية بحل أزمة مكافآت نهاية الخدمة وصرف مستحقات العاملين المتأخرة، وهو ما اعتبر داخل ماسبيرو أحد أهم القرارات العملية التي خففت احتقانًا تراكم لسنوات.

وتعليقا على ملف المعاشات تحدث السيد الثعلبي مدير عام سابق بالهيئة الوطنية للإعلام، والمتحدث عن أصحاب المعاشات، قائلا في تصريحات خاصة لـ"الرئيس نيوز": حقيقة اجتمعنا أكثر من مرة مع رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، وبالفعل بدأ في إجراءات صرف المعاشات بعد تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي، وننتظر تنفيذ الإجراءات الرسمية للحصول على مستحقاتنا".

وأضاف الثعلبي، أن أحمد المسلماني أولى أهمية كبيرة لملف المعاشات منذ توليه المسؤلية، وسعى لحل هذه الأزمة بعد ٨ سنوات متواصلة كان يعاني فيها أصحاب الحقوق بسبب تجاهل الإدارة السابقة لهذا الملف.

وأكد أن أصحاب المعاشات يأملون في إنهاء أزمتهم تماما مع نهاية العام الجاري حتى يتثنى لهم الحصول على حقوقهم والعيش بكرامة وسط الأزمات التي أحاطت بهم لسنوات.

بالتوازي، أعيد إطلاق بث "النيل للأخبار" على موجات إف إم، وأعلنت محطة "دراما إف إم"، في إطار توسيع الحضور الإذاعي وتقديم صيغ جديدة للمحتوى، كما أعلنت عن إطلاق قنوات جديدة تحمل هوية وطنية مثل "مصر ٢١" و"Pyramids TV"، في محاولة لتقديم واجهات بصرية جديدة تعكس خطابًا رسميًا محدثًا.

الجدل المفتوح: حين اصطدم التطوير برموز الهوية

​مع انتقال القرارات إلى ملف هوية قنوات النيل، بدأت ملامح الجدل تأخذ منحنى آخر. فبدأ من دمج "النيل سينما" في "موليوود سينما"، ودمج "النيل دراما" و"النيل كوميدي" في "موليوود دراما"، وإلحاق قناة "الأسرة والطفل" بـ "النيل لايف"، وفق تصور جديد لهوية الباقة. ورغم تقديم ذلك بوصفه إعادة هيكلة للمحتوى والبراند، سرعان ما واجه المشروع حالة رفض واسعة، دفعت في النهاية إلى تجميد القرارات، واعتبار تجربة "موليوود" نموذجًا على تغيير شكلي لم يتبعه تطوير في مضمون القنوات.

وقد أكد رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأسبق أسامة الشيخ أن أسماء مثل "هوليوود" و"بوليوود" ليست أسماء قنوات بل صناعات، وأن تغيير اسم قطاع "النيل" يفتقد للدراسة الكافية.

“ENN” وصدمة حذف النيل: قرار أثار الجدل الإقليمي

​كان قرار تغيير اسم "قناة النيل الدولية" إلى "ENN - Egypt News Network" هو نقطة التحول الأكبر في هذا المسار. فالاسم الجديد طُرح باعتباره واجهة عصرية للإعلام المصري الناطق بالإنجليزية، لكن الاستقبال الفعلي جاء على النقيض تمامًا. تبلورت قراءة شبه موحدة من داخل غرف الأخبار وعلى المنصات تعتبر أن حذف كلمة "النيل" من اسم قناة تمثل وجه مصر الخارجي لعقود، ليس تفصيلًا تقنيًا، بل مساسًا برمز ارتبط في الوجدان العربي والدولي بصورة مصر الإعلامية منذ التسعينات.

​وتعمق الجدل حين ربط متابعون بين هذا التوقيت وبين السياق الإقليمي شديد الحساسية المرتبط بأزمة سد النهضة وحقوق مصر المائية، متسائلين كيف تُحذف كلمة "النيل" من قناة تخاطب العالم، بينما يرتكز جزء كبير من الخطاب القومي على الدفاع عن النيل؟ هذا السؤال كان حاضرًا بقوة في ردود الفعل، إلى جانب ملاحظات واسعة حول تشابه الاسم الجديد مع قناة إثيوبية، ما أثار علامات استفهام حول جدية الدراسات المسبقة للاختيار. أمام هذا الضغط، تم التراجع السريع عن القرار وإلغاؤه، وهي خطوة أنهت الجدل ظاهريًا، لكنها تركت خلفها انطباعًا متجذرًا بأن ملف الهوية الإعلامية يدار بإيقاع تجريبي لا يتناسب مع وزن الرموز التي يتعامل معها.

ومن جانبه، قال الباحث محمد مرعي في منشور عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إن الاسم الجديد قد يورط القناة في أزمة "هوية مكررة"، متابعا: "غير مستبعد أن يكون اختيار نفس اللوجو صدى في الإعلام الإثيوبي... القصة هنا أن القنوات الإثيوبية على نفس مدار النايل سات وعليه كان يفضل اختيار لوجو أو شعار لقناة غير متكرر. أتمنى أن يتدارك الأستاذ أحمد المسلماني هذا الأمر، كما نتمنى حقيقة قبل الإعلان عن أي مشروعات وأفكار تطوير داخل ماسبيرو أن يتم دراستها أولًا من كافة الجوانب وعدم التسرع في الإعلان وإصدار البيانات بالصور المبهرة."

وانتقد الإعلامي الكبير حسن هويدي، أحد قيادات ماسبيرو السابقين، قرار تغيير اسم قناة النيل للأخبار، وكتب في منشور على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن تغيير الاسم هو إهانة لمصر والإعلام المصري.

​فجوة الإنتاج والذروة السياسية: التحديات الداخلية

​على المستوى الإنتاجي، عكست عودة "القناة الأولى" و"الفضائية المصرية" إلى تبعية ماسبيرو رغبة معلنة في استرداد قرار الشاشات التاريخية، لكن التطبيق العملي لهذا القرار كشف عن فجوة واضحة بين الطموح والنتيجة؛ فالقناة الأولى خرجت من موسم رمضان ٢٠٢٥ بلا عمل درامي حصري واحد واعتمدت على إعادة مسلسلات قديمة، ما أفقدها القدرة التنافسية أمام القنوات الخاصة والمنصات الرقمية.

وفي السياق، أشار المخرج والناقد أيمن عبد الرحمن إلى أن الإنتاج الدرامي في ماسبيرو يعاني من نقص الكوادر وضعف البنية التحتية، وأن الجمهور لم يعد يتابع القنوات التقليدية كما كان في السابق.

بينما رأى رئيس قطاع الإنتاج الأسبق عادل ثابت أن ماسبيرو أصبح غير قادر على مواجهة تكاليف الإنتاج، خاصة ما يتعلق بأجور النجوم ومتطلبات السوق، بسبب توقف التعيينات ونضوب الخبرات الجديدة.

​كما أن ملف التعاقد مع إعلاميين بارزين أعاد إنتاج الإشكالية نفسها، حيث قُرئت عودة محمود سعد عبر إعادة بث برنامجه "باب الخلق" – المنتج لصالح قناة خاصة – على القناة الأولى، كمؤشر على ضعف القدرة الإنتاجية للهيئة، وكمشهد يعكس استيراد مضمون جاهز بدلًا من الاستثمار في إنتاج محتوى حصري. الأمر نفسه انسحب على التعاقد مع الكاتب عمر طاهر لتقديم برنامج شبابي عبر القناة الأولى؛ إذ أثيرت تساؤلات مهنية حول غياب الخبرة التلفزيونية المباشرة للمقدم.

​في المقابل، أدرج الإعلان عن بث إذاعات دولية بـ ٢٣ لغة ضمن قائمة إنجازات الفترة، رغم أن هذه الخدمات تعمل فعليًا منذ ستينيات القرن الماضي، مع عدم حدوث تطوير جذري في الشكل أو المضمون دفع إلى النظر لهذا الملف بوصفه إعادة تقديم للمحتوى القديم في إطار خطاب جديد دون تغيير فعال في جوهر الخدمة.

​وفي الوقت نفسه، لفت إعلاميون ومهنيون إلى أن التطوير التحريري داخل ماسبيرو ما زال يواجه تحديات، وأن حركة الكوادر تبدو في كثير من الأحيان أقرب إلى إعادة توزيع للأدوار منها إلى ضخ دماء جديدة. ومع تزايد استقالات بعض المذيعين خلال عام ٢٠٢٥، ومن بينهم المذيعة نشوى صالح، جرى التعاطي مع هذه الخطوة باعتبارها مؤشرًا على وجود قدر من عدم الرضا داخل المؤسسة عن المسار الحالي.

​غير أن الذروة السياسية لجدل العام الأول جاءت مع ملف ما عُرف بـ "عودة الإخوان إلى لجان التخطيط الثقافي والإعلامي"، عقب تعيين شخصية محسوبة على جماعة الإخوان في موقع يرتبط بالدراما والإنتاج، وهو ما فجر حالة صدمة واسعة داخل وخارج ماسبيرو رأى فيها كثيرون فتحًا لجراح رمزية تعود إلى سنوات ما قبل ٣٠ يونيو.

وقتها، انتقد الإعلامي مصطفى بكري، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام الكاتب الصحفي أحمد المسلماني، قائلا: "عندما اتخذنا موقفًا وكشفنا أسماءً بعينها، كنت أتوقع منك أن تعترف بالحق وتقول نعم، هذا الشخص تطاول على الجيش المصري، أو ذاك دعم مواقف ضد الدولة أبناء ماسبيرو ليسوا قلة يا فندم، بل هم العمود الفقري للإعلام المصري".

وأضاف بكري في لقاء متلفز: "عندما يُعلن عن تشكيل لجنة للدراما بالإذاعة المصرية، نجد أن من بين أعضائها الأستاذ حسام عقل المعروف بانحيازه للإخوان ومواقفه السابقة كيف يُضَمّ إلى قافلة التطوير في ماسبيرو؟ هل المطلوب أن نقبلهم واحدًا تلو الآخر؟ يا أستاذ أحمد، نحن نكن لك الاحترام والتقدير، لكننا نعرف جيدًا هذه الأسماء ومواقفها".

وتابع: "لقد اتهمتنا بأننا نُعادي ماسبيرو، وكأن الأمر يشبه العداء للسامية وأؤكد لك أن مواقفي مع ماسبيرو تنبع من اعتباره أمنًا قوميًا فلا تتهم من ينصح بدافع الخوف على إعلام وطني بأنه يشكك أو يهاجم ماسبيرو هو التاريخ، وهو الرموز".

وأكمل: "في الأسبوع الماضي قلت بوضوح يجب أن يكون لدينا إعلام وطني قوي وصحافة مقاتلة في مواجهة الشائعات والحروب الإعلامية داخليًا وخارجيًا نحن نقدّم النصيحة، لكننا فوجئنا بتوقيع عقد مع شخص سبق أن اتهم الجيش المصري بالإساءة كيف يُستقدم لتقديم برنامج على القناة الأولى؟ أهذا تفكير منطقي؟".

وواصل: "أنا عندي في التلفزيون المصري كوادر كثيرة، أقدر أشغلها هو أنا لحد إمتى هافضل أشكك في كوادر التلفزيون المصري؟! ما هم اللي موجودين في كل الفضائيات وهم اللي بيبنوا المؤسسات".

واختتم: "التطوير معناه الالتزام بالخط الوطني، مش إني أجيب فلان وعلان وأمسح سمعتهم في تلفزيون الدولة لا، الكلام ده ما ينفعش الكلام ده يُفسر على إنه وراه أغراض معينة وإحنا لا يمكن نسكت".

خلاصة العام الأول: ماسبيرو في اختبار مركب لحارس الوعي

​في المحصلة، يكشف عام المسلماني الأول في رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام عن مشهد لا يمكن اختزاله في عناوين من نوع "إصلاح" أو "إخفاق" فقط. فما جرى كان اختبارًا مركبًا: لحدود التطوير حين يقترب من الرموز، ولطبيعة إدارة ملف الوعي في لحظة سياسية شديدة الحساسية، ولقدرة الإعلام الرسمي على أن يكون أداة استقرار لا ساحة تأويل.

​بين قرارات اتخذت ثم جمدت، وخطوات أعلنت ثم لم تكتمل، وتعيينات أثارت عاصفة من الأسئلة، وجد ماسبيرو نفسه في قلب معادلة أكبر من مجرد خريطة برامجية، معادلة تتعلق بمن يحرس بوابة الصورة الذهنية للدولة، وكيف تُدار هذه البوابة، ولصالح أي سردية تفتح، وأي سردية تغلق.